ألبير ثابت
بقلم: ألبير ثابت فهيم
ارتبط احتفال المصريين بقدوم شهر رمضان الكريم على مر الأزمان، بظهور المسحراتي في الشوارع والحواري القديمة، والذي أصبح أحد مظاهر وعلامات هذا الشهر الكريم، كالفوانيس الرمضانية، والكنافة، والقطايف، ومدفع الإفطار..فهو يجوب في مختلف الأحياء في المدن والقرى، سائرًا على قدميه لتسحير المسلمين...
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الحديثة، أثَّرت على وظيفة المسحراتي في الأحياء المصرية، وجعلته في طريقه للإنقراض؛ فإنه لا يزال البعض يتمسك بعاداته، ومازال مرتبطًا بقلوب الناس...كما أن البعض يتعلق بصوت المسحراتي الذي تعوَّد أن يوقظ الناس من نومهم لتناول طعام السحور، وهو يردد أعذب وأجمل الأدعية والأغنيات.
وقد برزت وظيفة المسحراتي في "مصر" في العصر الفاطمي، أيام "الحاكم بأمر الله الفاطمي"، الذي كان يأمر جنوده بالمرور على البيوت، والطرق على أبوابها ليلاً ليوقظوا النائمين لإدراك وجبة السحور.
ففي فترة الطفولة- أي فترة الزمن الجميل- كنا حريصين أن يكون لدينا فوانيس رمضانية لنلهو بها ونلعب مع أطفال الجيران، بل كبرنا ونحن نستمع لصوت المسحراتي، وهو محتفظُ بشكله التقليدي الذي يعتمد على الجلباب المصري المعروف، وبصحبته الطبلة الصغيرة التي تسمى (بازة)، وقطعة من الجلد يقرع بها طبلته، والعصا التي يطرق بها أبواب بيوت الحي الذين عادة ما يعرفهم بأسمائهم.
أما قديمًا، فكان المسحراتي يجوب شوارع "القاهرة" وأزقتها، ويصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق، وهو يردد نداءاته المميزة (أصحي يا نايم وحد الدايم، أو أسعد الله لياليك يا فـلان)، ويذكر اسـم صاحب المنزل الذي يقف أمامه. وغالبًا ما كان يعرف أسماء جميع الموجودين في المنزل من الرجال ويردد الدعاء لهم.
وكان من عادة النساء في ذلك الوقت، يضعن قطعة معدنية من النقود ملفوفة داخل ورقة، ثم يشعلن أحد أطرافها، ويلقيان بها إلى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها، ثم يرتفع صوته بالدعاء لأهل المنزل جميعًا..
أما بالنسبة للأطفال الذين تجذبهم أغاني المسحراتي المحببة، ويسعدون بصوته وطريقة أدائه على الطبلة، وغالبا ما كان هؤلاء الصغار يحملون الفوانيس حول المسحراتي، والهبات والعطايا التي كان يرسلها الأهل إلى من يقوم بعملية التسحير.
أما عن الهدية التي يتلقاها المسحراتي، فتكون فى صباح يوم العيد، الذي يحرص فيه على المرور على كل بيوت المنطقة لتهنئتهم بالعيد وجمع العيدية في سلته، والتي تتمثل في بعض النقود والأطعمة وحلويات العيد.
وبمرور الزمن، طرأت عليه كثير من التغيرات، خاصة مع بدء البث الإذاعي المسموع والمرئي، حيث يسمعه ويراه الملايين عبر الراديو والتليفزيون طوال الشهر الكريم. ورغم ذلك لم يختف مسحراتي الشارع، إذ لا تزال الناس تنتظره مع بزوغ هلال رمضان من كل عام.
كما أن دخول الكهرباء في الشوارع والحارات، واستخدامها بكثرة تقلص دور المسحراتي؛ حيث بدأ الناس يسهرون ليالي رمضان في المقاهي، أو أمام التليفزيون؛ لدرجة أن المسحراتي راح يدون في مفكرة صغيرة أسماء الأشخاص الذين يقبلون أن يتولى مهمة تسحيرهم، ثم يبدأ في النداء عليهم دون غيرهم.
لقد جذبت فكرة «المسحراتي» عددًا كبيرًا من الفنانين والشعراء، أمثال "بيرم التونسي"، و"فؤاد حداد"، والفنان الراحل "سيد مكاوي"، الذين نجحوا بالفعل في أن ينقلوا المسحراتي من الشارع إلي شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة؛ ليستخدموا أحدث تقنيات الإتصال في تسحير الناس. ولكن مهنة المسحراتي نفسها أصبحت أشبه بالتراث أو الفلكلور الشعبي، وإن كانت هناك بعض الأصوات المسحراتية مازالت تجوب شوارع الريف والأحياء الشعبية في إصرار كبير على المقاومة، خاصة وأنها تجد من يتقبلها، ويعتبرها من أهم المهن والمفردات الرمضانية المميزة لشهر رمضان.
وفي السياق نفسه، أود أن أشير بأن هناك من النساء من شاركن في عملية التسحير، ففي العصر الطولوني، كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة، شريطة أن تكون من صاحبات الصوت الجميل، وتكون معروفة لدي جميع سكان الحي الذي تقطن فيه، كما أن كل امرأة مستيقظة كانت تنادي علي جاراتها...كما رأيت منذ أيام في أحد البرامج الفضائية عن قيام احدى البلديات في جمهورية "تركيا" بتدريب الفتيات على عمل المسحراتي؛ لكي يقمن بالتجول في الشوارع في ليالي رمضان لتنبيه الصائمين للسحور. والهدف من ذلك إثبات أن المرأة قادرة على منافسة الرجل في كل مجالات العمل، إضافة إلى مساعدة الفتيات على التغلب على الخوف من السير في الشوارع ليلاً.
http://www.copts-united.com/article.php?A=21981&I=547