بقلم: مأمون فندي
نحن لا نريد ربط نتنياهو. والربط هنا ليس العمل السحري السفلي الذي يوقف نشاطاته البيولوجية، مع أن عملا كهذا قد يشغله بأمور نفسه ويبعده عنا، وليس الربط بمعنى ربط البهائم والذي نستخدمه في عبارة «مربط الفرس». الدخول في الربط والمربوط هو نوع من الشعوذة التي قد تفضي إلى ترجمات مضحكة عندما يترجم المقال إلى لغة أخرى، وأعرف أن هناك من هم جاهزون للتطوع بترجمة تهيج على جماعة نتنياهو. ما أريد الحديث عنه هو ليست أعمالنا السفلية وإنما أفكار نتنياهو التي لا يأتي بها إلا جني سفلي، فآخر أفكاره العظيمة هي ربط الملف النووي الإيراني بتنفيذ حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. والربط الذي يريده نتنياهو ليس بقصد المقايضة، بمعنى أنه لو تخلت إيران عن برنامجها النووي ستوافق إسرائيل على قيام الدولة الفلسطينية، ربط نتنياهو أكثر تعقيدا فهو يريد ووزير خارجيته أفيجدور ليبرمان أن يؤجل الحديث في القضية الفلسطينية برمتها حتى يتوصل الغرب إلى حل مع إيران حول الملف النووي الإيراني. وهذا معناه بلغة نتنياهو ذات الشيفرة الخاصة أن حكومة إسرائيل ليست لديها الرغبة في الحديث عن حل الدولتين، ولا يبقى للعرب والعالم سوى انتظار ظهور حكومة إسرائيلية جديدة بعد عدد من السنوات.
ما يحاوله نتنياهو هو إعادة ترتيب الأولويات الأمنية في المنطقة، بمعنى أن الملف النووي الإيراني من منظور إسرائيل هو أكثر تهديدا للأمن الإقليمي من بقاء جرح القضية الفلسطينية النازف مفتوحا ولأجل غير معروف. فبينما يرى العرب أن القضية الفلسطينية هي أم المشاكل في المنطقة، ترى حكومة نتنياهو أن الملف النووي الإيراني هو أكبر خطر يهدد الأمن الإقليمي. وهذا يعني أن النظرة الاستراتيجية للأمن الإقليمي بين الطرفين ليست مجرد نظرة مختلفة وحسب وإنما متناقضة تماما، لذا يكون الحديث مع نتنياهو اليوم مضيعة للوقت.
ربط نتنياهو لحل القضية الفلسطينية بالملف النووي الإيراني يدل على سوء نية من البداية، هذا إضافة إلى أنه متناقض تماما مع توجهات الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يرى أن حل الدولتين هو أولوية، وأن الملف النووي الإيراني يمكن الحوار حوله. هذا التناقض في وجهتي النظر الأميركية والإسرائيلية سيدخل المنطقة في مساحات تجاذب وشد قد يضيع ربما عامين من عمر الإدارة الأميركية الجديدة وإلهائها بعيدا عن حل القضية الفلسطينية، ويبقى الهدف هو مجرد إقناع حكومة إسرائيل في أن ترى التهديدات الأساسية لأمن منطقة الشرق الأوسط من نفس منظور إدارة أوباما، ومتى ما وصل نتنياهو إلى هذا الاقتناع أو حتى الاقتراب من رؤية الإدارة الأميركية الجديدة، يكون قد ضاع من عمر الإدارة ثلاثة أعوام أخرى يدخل بعدها الرئيس الأميركي باراك أوباما في معمعة انتخابات رئاسية جديدة. ومن ثم ننتظر عامين آخرين. هذا هو ربط نتنياهو لإدارة أوباما، أي بمعنى تقييدها كما تقيد البهائم، أو ربطها بمعنى أن يجعلها إدارة عقيمة فاقدة لحيويتها وخصوبتها فيما يخص ملف الشرق الأوسط.
ترى ماذا نحن فاعلون وقد وضع نتنياهو العصا في العجلة ليعطل حل القضية الفلسطينية لأربع سنوات قادمة؟
بداية لا بد وأن يفهم الإسرائيليون والأميركيون والعالم معهم، أن الربط في الغالب هو نوع من التهرب من الحل. وقد شهدنا أول عملية ربط كاذبة في المنطقة عندما ربط صدام حسين خروجه من الكويت بخروج إسرائيل من الأراضي المحتلة، رفض يومها الرئيس جورج بوش الأب هذا الربط عندما قال عبارته الشهيرة والمعروفة بـ: NO LINKAGE، أي لا ربط بين فلسطين وتحرير الكويت. وعلى إدارة أوباما أن تتخذ الموقف نفسه من إدارة نتنياهو التي خرجت علينا بفكرة الربط بين الملف النووي الإيراني وحل الدولتين. فكما كان صدام حسين يقصد المناورة والمراوغة من عملية ربط الكويت بفلسطين، لا بد للعالم أن يعرف وبوضوح أن ما قاله نتنياهو ووزير خارجيته من ربط بين فلسطين والملف النووي الإيراني هو أيضا بقصد المراوغة والتحايل من أجل كسب مزيد من الوقت لكي تتمكن حكومته من تغيير الحقائق على الأرض وتوسيع المستوطنات، ومتى ما انقضت مدته كرئيس وزراء لإسرائيل تضاعف عدد المستوطنات وتوسعت لدرجة يصعب معها التوصل إلى أي حل. وقد خبرنا نتنياهو في السابق وها نحن نراه ذاته من دون نضج أو تطوير لأفكاره، لقد عاد وهو أكثر تصميما على الابتعاد عن الحلول الجادة، عاد وفي جعبته ألاعيب جديدة لإلهاء المنطقة بعيدا عن فلسطين وإعفاء إسرائيل من تقديم تنازلات تاريخية لا بد منها إذا أرادت أن تضمن الأمن والاستقرار على المدى البعيد.
الوقت قد حان الآن لامتحان طرفين يمارسان الكذب كسياسة هما إسرائيل وإيران. طرفان يستخدم كلاهما القضية الفلسطينية كذريعة وهما لا يريدان حلها. الآن هو وقت اختبار إسرائيل وإيران معا، بمعنى أنه لو أن إيران بالفعل جادة في مساعدة الفلسطينيين، كما يدعي أصدقاء إيران في العالم العربي، فلتعلن القيادة في طهران أنها ستقبل بعرض نتنياهو وستتوقف عن مشروعها النووي إذا ما بدأت إسرائيل بالتطبيق الفوري لحل الدولتين. بالطبع إيران لن تفعل هذا لأن فلسطين بالنسبة لها هي مجرد ورقة وذريعة تستخدمها كغطاء لمشروع فارسي من أجل توسيع مجال نفوذ إيران وهيمنتها على المنطقة، فلسطين لم تكن على بال طهران لا في اليوم ولا في الأمس. وفي المقابل، نتنياهو يعرف أيضا أنه يطلب المستحيل ويعرف أن إيران لن تتحداه ولن تعلق التخصيب من أجل عيون القضية الفلسطينية، كلها مجرد ألاعيب حواة من أجل كسب مزيد من الوقت ومن الأوراق التي تكون لدى كل منهما ساعة تأتي لحظة اللعبة الإقليمية الكبرى. إن كلا من إيران وإسرائيل يريان أن بقاء القضية الفلسطينية معلقة من دون حل، أي جعلها قضية مربوطة بمعنى الربط على طريقة الأعمال السفلية، يخدم أهدافهما الاستراتيجية الرامية إلى إضعاف العرب وإطلاق اليد غير العربية من تركيا إلى إيران إلى إسرائيل في رسم مقدرات المنطقة العربية. ولنلحظ جيدا وبعناية كيف أن التقارب التركي ـ الإسرائيلي بعمقه الاستراتيجي، بغض النظر عن مسرحيات أردوغان الإعلامية، وما سيأتي من تقارب إيراني ـ أميركي حسب رؤية الإدارة الأميركية الجديدة، كله يصب في مصلحة واحدة، وهي سيطرة غير العرب على مقدرات المنطقة العربية. إن ربط نتنياهو الذي تفتق ذهنه عليه هو جزء لا يتجزأ من تلك الاستراتيجية الجديدة.
قد حذرت من هذا الربط في كلمة ألقيتها أمام مؤتمر الدول الصناعية الكبرى والذي عقد في روما بتاريخ 23 ـ 24 أبريل 2009، والذي استضافته وزارة الخارجية الإيطالية بصفتها الرئيسة الحالية لمجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، بوجود السيد عمرو موسى، والذي تحدث في المؤتمر بجرأة تحسب له كأمين عام لجامعة الدول العربية. تحذيري من هذا الربط لفت انتباه المجموعة الأوروبية التي ما زالت تعاني من حالة خلط في الملفين الفلسطيني والإيراني. ولا بد من موقف عربي جاد يتعامل مع الرئاسة الإيطالية لمجموعة الثماني بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، حتى لا تتلاعب كل من إسرائيل وإيران بالقضية الفلسطينية لصالح مصالحهما الوطنية التي لا تتماشى أبدا مع مصلحة العرب.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=2196&I=60