أخطاء فادحة فى حق ذوى الإعاقة البصرية

مادلين نادر

بقلم: مادلين نادر
نتابع منذ بداية  شهر رمضان الكريم، العديد من الأعمال الدرامية والبرامج التليفزيونية. وبالرغم من إننا لم نشهد فى هذا العام أعمالاً تليفزيونية تعبّر عن الأشخاص ذوى الإعاقات؛ إلا أن الإعلانات التليفزيونية ساهمت- وبشكل غير مباشر- فى تشوية صورة ذوى الإعاقة، وإظهارهم وكأنهم أشخاص لا حول لهم ولا قوة، لا حل لهم إلا أن يتخلصوا من إعاقتهم حتى يستطيعوا أن يعيشوا أو يتعايشوا مع الآخرين، سواء داخل الأسرة أو فى المجتمع بشكل عام.

فلقد قدّمت احدى الجمعيات الأهلية إعلانات تليفزيونية فى شهر رمضان، ومن المفترض إنهم يحاولون مد يد العون للأشخاص ذوى الإعاقة البصرية. ولكن مضمون الإعلان يعبّر عن مجرد صورة مزيَّفة لواقع الأشخاص ذوى الإعاقة.
 
فمثلاً أحد هذه الإعلانات يشير إلى أن طفل لديه إعاقة بصرية لا يستطيع أن يتعلم، ومستوى ذكائه منخفض، ولا يستطيع أن يتعايش مع المحيطين به، وأنه بعد العملية التى قام أحد الأطباء- من خلال هذه الجمعية- بإجراءها للطفل، تحسنت حالته والتحق بالمدرسة وازدادت نسبة ذكائه...وأصبح يستطيع أن يعيش. ولكن قبل ذلك كان إنسانًا ضعيفًا مسكينًا يحتاج إلى شفقة من الآخرين، وكانوا يقدمون له المال كنوع من أنواع الإحسان..!!!
 
أما الإعلان الآخر، فتظهر فيه احدى السيدات، وهى أيضًا لديها إعاقة بصرية- وهى لا تستطيع أن تفعل أى شىء، حتى وهى داخل منزلها. فكل الأشياء تقع منها على الأرض، وهى فى حالة مزرية وتبكى حالها، والإعاقة التى أصابتها..ووسط هذه المأساة- كما صورها الإعلان- يظهر دور الجمعية فى إجراء عملية لها تعيد لها الإبصار، وتتبدل حياة هذه السيدة، أو فلنقل استطاعت هذه السيدة، أن تعيش بعد أن كانت لا هدف لها، ولا تستطيع أن تعتمد على نفسها..!!!

وقعت هذه الإعلانات فى العديد من المغالطات:
 أولها- إن الشخص ذوى الإعاقة- سواء البصرية أو غيرها- هو إنسان لديه قدرات مختلفة، ويستطيع أن يتأقلم مع ظروفه، ويتحدى الصعوبات والعراقيل التى قد يضعها المجتمع أمامه.

المغالطة الثانية- كانت فى إشارة الإعلانات إلى أن الإعاقة البصرية تؤثر على مستوى الذكاء والإنتباه لدى الشخص- كما أشاروا فى الإعلان، الذى قدم نموذج الطفل من ذوى الإعاقة البصرية كمثال -وهذا أمر غير صحيح؛ فلا توجد علاقة بين الإعاقة البصرية ونسبة الذكاء.

 والمغالطة الثالثة- جاءت فى فكرة أن الشخص من ذوى الإعاقة هو إنسان يحتاج فقط إلى عطفنا عليه، ولذلك بدأت بعض الإعلانات بمفاضلة بين من يساعدهم بالمال الذى ينتهى بعد حين ولا يستفيد منه الشخص من ذوى الإعاقة، وبين إجراء العمليات التى تعيد الإبصار. ومسألة إجراء العمليات لإعادة الإبصار هى المغالطة الرابعة؛ حيث أن العمليات التى تحسن من درجة الإبصار، قد يكون لها دور بالفعل فى بعض الحالات، ولكنها ليست مطلقة أن أى شخص من ذوى الإعاقة البصرية يتم إجراء عملية له، وبعدها يعود له الإبصار، ولو بشكل جزئى.

فهذه الإعلانات، بالإضافة إلى أنها تعطى صورة غير حقيقية للشخص من ذوى الإعاقة، فهى أيضًا تدعو بشكل غير مباشر إلى عدم تقبُّل كل شخص لديه إعاقة لحالته كما هى، وأن يحاول أن ينمى قدراته المختلفة، ويسعى للنجاح فى حياته إذا لم يكن هناك أى تدخل طبى ممكن. خاصةً، وإننا لدينا فى مجتمعنا العديد من النماذج الناجحة للأشخاص من ذوى الإعاقة البصرية، بل أن لدى العديد منا أصدقاء من ذوى الإعاقة، لم نشعر يومًا بأن شيئًا ما ينقصهم، بل لكل منهم قدراته، ومواهبه التى تميزه وتنير بصيرته، ورؤيته للمستقبل.