مشاهد من العنصرية العربية

إسحاق إبراهيم

بقلم: إسحق إبراهيم
تشابكت الخيوط، وتباينت وجهات النظر، وضاعت القضية والأهداف النبيلة وسط معارك كلامية وهمية في ظل تضارب المواقف وازدوجية المعايير وشعارات براقة لا تجذب إلا الغوغاء، إسرائيل وبعض الدول الغربية مثل إيطاليا وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة أعلنت منذ البداية عدم مشاركتها في فاعليات مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية ديربان‏2‏ في مدينة جنيف السويسرية، ثم أعقب بدايات المؤتمر والكلمة المثيرة للجدل التي ألقاها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد انسحاب عدد آخر من الدول الغربية إضافة إلى توجيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون انتقادات لهذه الكلمة معللاً ذلك بعدم التفرقة بين الصهيونية والعنصرية.
على الجانب الآخر تباينت المواقف الرسمية والشعبية العربية تارة يتم انتقاد موقف الدول الأوربية والمؤتمر وتارة أخرى يتم الإشادة بالتوصيات التي خرجت عنه، فعلى سبيل المثال انتقد الدكتور بطرس بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بشدة مقاطعة بعض الدول الكبرى مؤتمر "ديربان 2" لمكافحة العنصرية معتبراً هذه المقاطعة إشارة خاطئة عن النهج الديموقراطي المطلوب خصوصاً من دول تدعو وتنادي وتشدد على النهج الديموقراطي في دول العالم، بينما رحب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بالوثيقة الختامية وقال إنها تلبي وجهة النظر العربية.

القمة التي شارك في أعمالها ‏185‏ دولة خرجت عنها وثيقة ختامية للمؤتمر صدرت بالتوافق بين جميع الدول إلى تجديد الإلتزام باستئصال مظاهر الكراهية والعنصرية والتمييز وتحمل مسئولية حقوق الأفراد وتحسين التعاون من أجل بناء عالم أفضل خال من الكراهية‏،‏ وناشدت دول العالم النامي بمحاربة الفقر والتخلف والتهميش والاستبعاد الإجتماعي وقلة خدمات التعليم والصحة والسكن والبطالة لإسهامها في استمرار الممارسات العنصرية بها‏،‏ وشجبت الوثيقة الارتفاع المتزايد في حوادث التعصب بما فيها معاداة الإسلام والمسيحية والعرب والسامية‏,‏ وأعربت عن قلقها من زيادة معدلات الكراهية للجماعات الدينية والعرقية، وطالبت الوثيقة بضرورة حظر القوانين الوطنية للدول الدعوات التي تحض على الكراهية وتشكل تحريضاً على العداء والعنف وضرورة توفيرها للحماية والإنصاف لضحايا العنصرية‏، وأكدت الوثيقة الدور الإيجابي لممارسة حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات باعتبارها إحدى الركائز الأساسية للمجتمعات الديموقراطية‏.

هذا.. وقد صدر إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المؤرخ في نوفمبر 1963، حيث وجدت الأمم المتحدة أن التمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني في بعض مناطق العالم لا يزال مثار للقلق الشديد، وبعضها مفروض من بعض الحكومات بواسطة التدابير التشريعية أو الإدارية أو غيرها، لا سيما في صورة الفصل العنصري والعزل والتفرقة، وجاء في المادة الأولى للإعلان: "يمثل التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني إهانة للكرامة الإنسانية، ويجب أن يدان باعتباره إنكاراً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكاً لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعقبة دون قيام علاقات ودية وسلمية بين الأمم، وواقعاً من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب"، كما أكدت المادة 2 على أنه يحظر علي أية دولة أو مؤسسة أو جماعة أو أي فرد إجراء أي تمييز كان، في ميدان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، في معاملة الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات.

ماذا عن الواقع المعاش خاصة في منطقتنا؟
يعتقد كثيرون أن إسرائيل دولة قائمة على التمييز -وهي بالفعل كذلك- رغم أن إسرائيل دولة ديموقراطية متقدمة تحترم مواطنيها إلا أنها تمارس على النطاق الرسمي والشعبي أشكال مختلفة ومتنوعة للتمييز القائم على أساس الدين والعرق والجنس، وهذا التمييز لا يتعرض له الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط لكن يطال ما يعرف بعرب 48 الذين تمسكوا بالبقاء في أراضهم، عرب 48 يتمتعون بالجنسية الإسرائيلية لكنهم محرمون من تولي كثير من المناصب السياسية والقيادية في إسرائيل بل تمارس عليه صنوف متعددة من التمييز في التعليم والتمتع بالخدمات العامة، وبالطبع تزداد وتيرة التمييز في الضفة والقطاع خاصة في ظل الحصار المفروض عليهما وسياسية التجويع التى تنتهكها الحكومة الإسرائيلية والعدوان المستمر على الأبرياء.

لكن يبقى السؤال: هل إسرائيل فقط هي الدولة الوحيدة التي تمارس التمييز في المنطقة؟! الإجابة بالطبع لا، فهناك دول عربية كثيرة تمارس التمييز -وللأسف ضد مواطنيها– بصورة أبشع وأشد وطأة من إسرائيل، ما حدث ويحدث في السودان أليس تمييزاً وممارسات عنصرية لا تقل بشاعة عن خطايا إسرائيل؟! ترويع الملايين من المدنيين وتهديدهم، وقتل ما يزيد عن 300 ألف سوداني من دارفور إضافة إلى تهجير مئات الألوف هي أشكال مختلفة للممارسات العنصرية التي أرتكبها النظام الحاكم في السودان لسبب واحد فقط أن الضحايا من عرق أفريقي وليسوا عرب بالرغم أنهم مسلمون!!

أما في بلدنا مصر فحدّث ولا حرج عن نماذج التمييز التي ترتقي إلى الممارسات العنصرية الواضحة، والمدهش أن هذه الممارسات تتم لأسباب مختلفة، فمثلاً أهل الصعيد محرومين من كثير الخدمات ولهم كوتة ضئيلة جداً في المناصب القيادية، هذا النوع من التمييز قائم على المنطقة الجغرافية، تمييز أشد عنفاً يقع على الأقليات الدينية وصل إلى استباحة دماء أبرياء بحجة أنهم مرتدون، البهائيون والقرآنيون والأقباط محرمون من التمتع بحرية الاعتقاد، ويتعرضون لمصاعب شتى عند ممارسة الشعائر الدينية، فالمحافل البهائية ممنوعة، وأصبحت عملية بناء الكنائس محفوفة بالمخاطر، فبعد حدوث معجزة الحصول على التصريح الأمني والرئاسي، يقوم الغوغاء بالهجوم على المبنى قبل استكماله أو يتم بناء مسجد بجوارها لتفتقد إحدى شروط التصريح، والنتيجة توقف العمل في معظم الكنائس التي حصلت على تراخيص، هذا ناهيك عن غياب التمثيل العادل لهذه الفئات في المجالس التشريعية والمناصب القيادية والسلطة القضائية، ولايختلف حال أهل النوبة كثيرا فرغم عمليات التهجير التي تعرضوا لها وتوطين الغرباء في أراضيهم إلا أنهم ممنوعون من العودة إلى أرضهم التاريخية، ألا يعد هذا تمييز قائم على العرق؟!

التاريخ والحاضر الإجتماعي والثقافي للشعوب العربية ينضح عنصرية وتمييز، ويكفي القول أن نظام الكفيل الذي لا يختلف كثيراً عن العبودية والسخرة لا يطبق إلا في الدول العربية، ويتم تطبيقه على مواطنين أشقاء، ولا أدري أين ذهبت شعارات الوحدة والمصير الواحد والتاريخ المشترك وغيرها من الأوهام التي يروجها العربيون.

قد أثنى وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط على إدانة الوثيقة الصاردة عن دربان 2 لانتشار التمييز ضد المسلمين والعرب بما في ذلك الاعتداءات وأعمال العنف التي يتعرضون لها، منوّهاً بأن الوثيقة تعيد التأكيد على المبدأ الراسخ بضرورة منع وتجريم التحريض على الكراهية على أساس الدين أو العرق أو الجنس ومعاقبة مرتكبي هذه الأفعال. ونحن نؤيده تماماً ولا نقبل بأي تمييز لأي مواطن في أي دولة في العالم لأي سبب كان، لكن نطالبه بالمثل بأن يدين ويجرم التمييز الذي يقوم به النظام المصري، فالقيم والحقوق لا تتجزأ أو تفصل على حسب الأهواء والمصالح.

Ishak_assaad@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع