المقاطعة سلاح الديمقراطية المفقود فى مصر

عماد نصيف

* "حسين عبد الرازق": مقاطعة الإنتخابات غير مجدية، إلا إذا كانت فى دولة ديمقراطية.
* المستشار "محمود الخضيرى": المقاطعة سلاح البلاد التى لا تعرف التزوير.
* "أمين إسكندر": المقاطعة مفيدة إذا أجمعت عليها القوى الوطنية الكبيرة. 

تحقيق: عماد نصيف- خاص الأقباط متحدون

رصد تقرير لمعهد "بروكنجز الأمريكي للدراسات السياسية" مؤخرًا،  الخلافات بين الأحزاب المصرية حول مقاطعة الإنتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في نوفمبر، مؤكدًا على أن المعارضة تنوي خوض الإنتخابات المقبلة مدفوعة بثقتها المتزايدة.

أسباب صعوبة مقاطعة الإنتخابات فى "مصر" 
وأرجع المعهد صعوبة تنظيم مقاطعة للإنتخابات، إلى أن الأمر يتطلب أن يقود حزب واحد الدعوة للمقاطعة، وأن بقية الأحزاب ستكون لديها "حساسية" في إتباعه، معتبرًا أن كافة القوى السياسية تريد أن تكون الطرف الوحيد المشارك في الإنتخابات، إلا أنها لا ترغب في أن تكون الطرف الوحيد الذي يدعو للمقاطعة.

ولفت التقرير إلى أنه حتى عندما توحّدت المعارضة نسبيًا، متمثلة في حزب الوفد والعمل والإخوان المسلمين في أكتوبر عام 1990، كانت فكرة المقاطعة حينها لا تزال ضعيفة، وإقتراحًا محفوفًا بالمخاطر، مشيرًا إلى أن محاولة تكرار ما حدث عام 1990 أمر خاطئ وفاشل.


واعتبر معهد "بروكينجز" الأمريكي للأبحاث، أن التهديد بالمقاطعة يختلف عن تنفيذها، موضحًا أن التهديد يستهدف الضغط على الأنظمة وتحسين ظروف المشاركة السياسية، إلا أنه في حالة الحكومة المصرية "البارعة في زرع الإنقسامات"، فهي تدرك تمامًا أن هناك أشياء أكثر أهمية من المقاطعة، ولذا فهي لا تقدِّم أي تنازلات للمعارضة.

وقال التقرير: إن جماعة الإخوان المسلمين رحَّبت بفكرة مقاطعة الإنتخابات، وإنها ستحشد الدعم لها إذا جري إجماع عليها، لكن حشد هذا الإجماع صعب. مشيرًا إلى ان حزب الوفد يجادل بأن المقاطعة لا تحقق الكثير؛ لعدم وجود إجماع كاف عليها. كما أن جماعة الإخوان المسلمين تراجعت عن دعمها للمقاطعة، وتجنبت إعطاء إجابة قاطعة.

 ونقل التقرير عن "سعد الحسيني"- عضو مكتب إرشاد الجماعة- قوله: لن نتخلي عن المشاركة في الإنتخابات إلا في حالة وجود مقاطعة جماعية، بضمانات أن الأحزاب الأخري لن تتراجع عن المقاطعة..الإخوان يفضِّلون خوض الإنتخابات، وعدم مغادرة الساحة السياسية لينفرد بها الحزب الحاكم.

حزب الجبهة الديمقراطى ومقاطعة التزوير
وكان الدكتور "أسامة الغزالى حرب"- رئيس حزب الجبهة الديمقراطى- قد أعلن أن الحزب طرح مقاطعة التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين، وليس مقاطعة الإنتخابات فى حد ذاتها. وذلك للإعتقاد داخل الحزب بأن "مصر" مقبلة على فترة حرجة، ومرحلة حاسمة فى تاريخها. فهناك تغييرات فى النظام السياسى نفسه، ومرحلة ما بعد "مبارك" أصبحت تثير تساؤلات عديدة. 

وبرّر "الغزالى" قرار المقاطعة بأن جميع الإنتخابات بدءًا من إنتخابات المحليات، مرورًا بإنتخابات مجلسى الشعب والشورى، وإنتهاءً بالإنتخابات الرئاسية، مزوَّرة. وأن المقاطعة هى الخطوة الأولى فى طريق الإصلاح. وأن الإنتخابات بوضعها الحالى يكون فيها الأمر (تحصيل حاصل)؛ لأنها تتعرض للتزوير من قبل الحزب الوطنى، على حد قوله.

هذا ما دفعنا إلى طرح موضوع المقاطعة من عدمه على بعض خبراء السياسة فى "مصر"..

 ففى البداية، أوضح "حسين عبد الرازق"- عضو الهيئة العليا بحزب التجمع- أن الحزب السياسى وُجد لكى يسعى إلى، والذى يتم عبر التنافس فى الإنتخابات والحصول على أغلبية أصوات الناخبين.


التزوير سمة مميزة لكافة الإنتخابات فى مصر وإن كان بنسب مختلفة
وأشار "عبدالرازق" إلى أن مقاطعة الإنتخابات غير مجدية إلا إذا كانت فى دولة ديمقراطية، وأن الديمقراطية غائبة عن "مصر" حتى فى فترة التعددية الحزبية (1923 – 1952) فى عهد الإحتلال والقصر، وبالتالى عدم إكتمال الحياة الديمقراطية والتزوير فى كافة الإنتخابات، بإستثناء أول وآخر إنتخابات نزيهة فى عهد "يحيى باشا ابراهيم"، الذى سقط وقتها فى الإنتخابات وفاز الوفد "الحزب الشعبى"، كذلك إنتخابات 1950 أيام حكومة "سرى باشا"، وبخلاف ذلك كل الإنتخابات مزوَّرة وحتى سنة 1976، مؤكدًا أن التزوير سمة مميزة لكافة الإنتخابات، وإن كان بنسب مختلفة. 

وأضاف "عبد الرازق": إن فكرة المقاطعة جاءت فى "مصر" قبل الثورة وبعدها، ولكن بشكل إيجابى، مثلما دعا الوفد الناس للمقاطعة لتكوين حركة سياسية تكشف عجز الإنتخابات. أما ما يحدث الآن بقيام حزب بطرح المقاطعة فى حين تشارك باقى الأحزاب، فإنه غير مجدى. فلكى تنجح المقاطعة لابد من طرحها من كل الأحزاب، وتتفق كلها على ذلك، وتخوض معارك ضد التزوير، ويتم استجابة الناخبين لها.

الناس قاطعت الإنتخابات فعليًا يأسًا وإحباطًا
ورأى "عبد الرازق" أن المقاطعة فى الوقت الحالى موجودة، ولكن بشكل سلبى. حيث لا يذهب المواطنون إلى الإنتخابات بسبب التزوير، مشيرًا إلى أن الإحصائيات الرسمية تؤكد على أن 75 % من الناخبين المقيدين لم يتوجهوا إلى صناديق الإنتخاب فى الإنتخابات البرلمانية أو الرئاسية السابقة، فى حين تأتى النتائج بنسب نجاح تزيد عن 90%، وهو ما يدل على أن الناس قاطعت الإنتخابات فعليًا يأسًا وإحباطًا.

المقاطعة وظاهرة المستقلين
واختتم "عبد الرازق" حديثه بالقول: إن دعوة حزب معين لمقاطعة  الإنتخابات فى "مصر"، وعدم إتفاق باقى الأحزاب على المقاطعة، هو نوع من السلبية؛ بسبب ظاهرة المستقلين، والتى لا توجد فى أى بلد ديمقراطى بهذا الحجم كما هو فى "مصر"، فتجد أن هناك مرشحًا لكل حزب فى كل دائرة بما فيها الحزب الوطنى، فى حين تجد أكثر من (5)  مستقلين على المقعد الواحد. 

المقاطعة لا تُجدى مع التزوير
ومن جانبه، قال المستشار "محمود الخضير"- نائب رئيس محكمة النقض السابق:" أنا لا أؤيد المقاطعة لأنها لا تجدى مع التزوير؛ فسواء ذهبت إلى صناديق الإنتخاب أو لم تذهب، فسيتم إثبات أنك ذهبت زورًا، حيث يرتدى جنود الأمن المركزى ملابس مدنية، ويقفون فى طوابير أمام لجان الإنتخابات؛ حتى إذا ما كانت هناك رقابة على الإنتخابات  يثبت أن نسبة التصويت عالية من خلال هؤلاء.

وأضاف "الخضيرى": إن الأحزاب والتجمعات التى قاطعت وأعلنت مقاطعتها للإنتخابات ليس لها أرضية فى الشارع المصرى، وإذا كنت دائمًا تنادى بأن الإنتخابات مزوَّرة فإن مقاطعتك لها لا تجدى؛ لأن المقاطعة سلاح البلاد التى لا تعرف التزوير، فإذا تمت المقاطعة وظهرت اللجان فارغة، فإن المقاطعة هنا تكون عملية.

المشاركة قد تمنع التزوير
ونصح "الخضيرى" الأحزاب قائلاً: "الإعلان عن المقاطعة فى "مصر" غير عملى. فالأفضل أن تشارك وتمنع التزوير، فإذا وجدت حرامى فى بيتك يسرقك لابد أن تقاومه وتحاول أن تمنعه؛ حتى لو كان فى يده السلاح.

واختتم "الخضيرى" حديثه بالقول: "الناس فى "مصر" حاليًا مقاطعة الإنتخابات بشكل طبيعى، بعد إنهاء الإشراف القضائى على الإنتخابات، وعلى الأحزاب أن تشارك وتفضح التزوير من خلال مندوبيها فى اللجان، حيث يكون وجودهم بصفة، بدلاً من سؤالهم: "بأى صفة تراقب الإنتخابات؟!

االحاجة إلى التلاحم مع الجماهير
أما "أمين إسكندر"- وكيل مؤسسى حزب الكرامة، فقال:" إذا توفرت شروط لأى ممارسة سياسية فى مرحلة ما من عدمها، فهذا يحقق لها إذا كانت ستنجح أم لا" مؤكدًا أن المقاطعة هنا فى "مصر" غير مجدية، ولا تتوافق مع المطالبة بالمشاركة السياسية؛ لأن الأمر يحتاج إلى التلاحم مع الجماهير، وتوجيهها إلى العمل من أجل الإصلاح؛ كأن يتم تصعيد الأمر، وقيادة الشعب إلى إضراب أو عصيان مدنى سلمى، من أجل تحسين الأحوال فى "مصر" على حد قوله.

وأوضح "إسكندر" إنه إذا لم تتوفر شروط نجاح المقاطعة من حيث الإجماع عليها، فإن من يقدم عليها يكون بمثابة قوة صغيرة لن تحقق شىء، بل ربما تصطدم مع مصالح الشعب المباشرة، ولن تكون فى صالح أمانى وطموحات الشارع المصرى.

وأشار"إسكندر" إلى أن المقاطعة والدعوة إليها لا تتنافى مع المشاركة السياسية، ولكن تحتاج إلى كل الجهد، كما أن المقاطعة لا تعنى السلبية فى المشاركة، ولكن لابد لها من غرض وهدف يتم تنفيذه من خلال خطة واضحة يتم تنفيذها على أرض الواقع، وأن يحدد من يدعو إليها  من خلال أعضاء مؤثرين لديهم تصور لإنجاح المقاطعة، بالإضافة إلى توفر إمكانيات إنجاحها. 

حالة ملتبسة 
وأكد "إسكندر" أننا فى "مصر" أمام حالة ملتبسة؛ حيث أن هناك سلطة تتلاشى أى أطراف سياسية أو أحزاب شرعية، فى الوقت الذى يقوم حزب الوفد والناصرى فى المشاركة فى عبث النظام الحاكم بقبول رشوة لتعيين أعضاء الشورى." 

وقال "إسكندر" فى نهاية حديثه: "للأسف- بعض الأحزاب السياسية الرسمية المعارضة تعوق التغيير فى البلد بقبول هذه الرشاوى الهزيلة فقبل الوفد عضو فى الشورى، ومعرفة الناس لتقسيمة المقاعد فى البرلمان، بأن يقبل الإخوان 20 مقعدًا فى الإنتخابات..إنه عبث سياسى،  وليس صحيحًا أن هذا القبول من أجل التواصل. فالمقاطعة مفيدة إذا أجمعت عليها القوى الوطنية الكبيرة، فهنا تدفع للأمام وتسحب الشرعية من الحزب الحاكم، وترضى رغبات الجماهير."