ميرفت عياد
بقلم: ميرفت عياد
أشعة الشمس فوق الرؤوس باتت كرباج مُسلط على ظهور العباد.. ليجلدهم ويكويهم ويصيبهم بضربة شمس قد تؤدي بهم إلى الهلاك.. وفي ظل هذه الأجواء يؤكد العلماء أن هذا الصيف أشد حرارة عن أي صيف مضى، إلى الدرجة التي جعلت كتلة ضخمة جدًا من جليد "جرينلاند" تنفصل عن المحيط المتجمد.
فإذا كان هذا حال الثلوج.. فما هو حال البشر الذين "استنوا على الجانبين"؛ فهم محاصرون بارتفاع في كل شيئ؛ ارتفاع في درجة الحرارة.. ارتفاع في الأسعار.. ارتفاع في السكر وضغط الدم.. ولكن ليعتدل الميزان؛ فهم أيضًا مصابون بهبوط حاد في المرتبات، وهبوط حاد في النشاط والنضارة والصحة بوجه عام.
فالمواطن المصري يأتي من عمله وقد استوى من شدة الحرارة والرطوبة، ليجد في منزله زحام وضوضاء من أفراد أسرته، وحوائط خرسانية تختزن حرارة النهار لكي تسكبها عليه ليلاً، وجو عام ملبد بغيوم المشاكل، وعواصف الطلبات التي لا تنتهي، كل هذا في الحقيقة يدفع به مرة أخرى إلى الشارع؛ فياخذ أسرته إلى التنزه في إحدى الحدائق العامة ليستمتع هو بنسمة الهواء، وليلهو الأطفال بعيدًا عنه.
ولكن هذا القرار الجرئ يكلفه الكثير؛ فأسعار تذاكر هذه الحدائق أصبح مبالغـًا فيه جدًا، فهي على أقل تقدير جنيهان لكل فرد، أي الدخول لأي أسرة مصرية يبلغ حوالي عشرة جنيهات، هذا دون ثمن المواصلات أو المشروبات.
والحقيقة التي تسترعي الانتباه، أن هذه الحدائق كانت فيما مضى بالمجان، ومع ذلك كانت نظيفة جدًا، وتلقى أشجارها وأزهارها العناية اللازمة، وكنت أثناء التجوال والتنزه بها لا توجد أي أثر للقمامة.
أما الآن فإن المواطن المصري يدفع أموال كثيرة، لكي يدخل في رأي إلى حديقة الأشباح، فالأشجار غير معتنى بها، والظلام ينتشر في الحديقة، والسلوكيات الخاطئة تجد لها ملاذًا في هذا الظلام، والقذارة هي السمة الغالبة على المكان، حتى أن حديقة الحيوان -المكان المفضل للأسرة المصرية لاتساعه وجمال حيواناته ورخص سعر التذكرة التي كانت تبلغ قيمتها ربع جنيه- أصبحت الآن مكانـًا مهملاً وغير نظيف، على الرغم من أن أسعار التذاكر زادت أربعة أضعاف، وكأن الإهمال أصبح لصيق بكل شيئ في هذا البلد.
ولكن لا أخفيكم سرًا أن هناك بعض الحدائق العامة الجميلة والنظيفة، والتي تنعم بإضاءه قوية، ولكن ما هي أسعار التذاكر؛ فالتذكرة الواحدة تبلغ خمس جنيهات أو أكثر، أي أن صديقنا هذا الذي كان سيدفع عشرة جنيهات لدخول أسرته إلى الحديقة سيدفع خمسة وعشرون جنيها لمجرد الدخول إلى الحديقة، هذه الحدائق العامة التي أُنشئت من الأساس للبسطاء والفقراء في هذا البلد.. وما أكثرهم.
أصبحت أماكن للاستثمار ولتحقيق المكاسب من دم هؤلاء البسطاء الذين يفرون من منازلهم بحثـًا عن نسمة هواء، وهم لا يدركون أن حتى نسمة الهواء في بلادنا العزيزة، أصبحت غالية جدًا.. وليست من حق الفقراء.
http://www.copts-united.com/article.php?A=21446&I=533