ميرفت عياد
تحقيق: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
أصبحت قضية ترشيد الكهرباء هي الشغل الشاغل لوزارة الكهرباء، والتي تخرج علينا كل يوم بتصريح جديد، ومن هذه التصريحات أن معدلات استهلاك الكهرباء في فصل الصيف مبالغ فيها؛ بسبب الحرارة الشديدة في فصل الصيف واستخدام أجهزة التكييف؛ لذلك يجب الترشيد عن طريق إطفاء الأنوار في المنازل لفترات متعاقبة على الأحياء، وتخفيض إنارة الشوارع ليلاً لأنها ترتفع عن مستويات شدة الإضاءة بثلاثة أضعاف المعدلات العالمية المطبقة في المدن الأوروبية والأمريكية.
ومن هذه التصريحات أيضًا اعتماد مبلغ 260 مليون جنيهـًا لمشروع استبدال لمبات الإنارة العامة باخرى موفرة للطاقة، وهناك أيضًا تصريح أثار جدلاً كبيرًا؛ وهو إغلاق المحلات في السابعة مساءًا، وكل هذه الإجراءات جاءت بسبب شدة الحاجة لتوفير حوالى ثلاثة آلاف ميجاوات يوميـًا لمواجهة زيادة الاستهلاك المنزلي في وقت الذروة، خاصة وأن فصل الصيف هذا العام جاء شديد الحرارة، الأمر الذي ضاعف من عدد أجهزة التكييف المستخدمة في مصر، ولعل كل هذه القرارات استقبلها الشعب المصري بنوع من الاستغراب والتساؤل عن عدم استخدام مصر لمصادر الطاقة الأخرى، وخاصة "محطة الضبعة النووية" الذي كثر الحديث عنه.
لهذا ارتأت صحيفة "الأقباط متحدون" أن تفتح هذا الملف، وتناقش هذه القضية التي شغلت الرأي العام في الآونة الأخيرة.
يقول "سيد" -صاحب محل أحذية- أنا أرفض تمامـًا إغلاق المحلات في الساعة السابعة مساءًا، لأن هذا سيؤثر على حركة البيع والشراء، كما أن كثير جدًا من الناس يعودون من أعمالهم في الساعة السادسة وما بعدها، فكيف إذن سيشترون متطلباتهم؟؟ أم أن الحكومة ستجبر رجال الأعمال على إخراج موظفين القطاع الخاص مبكرًا لشراء متطلباتهم.
الرجوع لعصر ما قبل اختراع الكهرباء
ويوافقه الرأي "محمد" -صاحب محل موبايلات- معربـًا عن استيائه الشديد من سماعه لهذا الخبر؛ لأن هذا سيؤثر بشكل سلبي على حركة السوق، وبالتالي سيحدث ركود كبير في السوق المصري نظرًا لضعف القوى الشرائية لدى المستهلك، هذا إلى جانب عدم وجود وقت يذهب فيه المواطن للتسوق.
وبأسفٍ شديد يضيف: "والله حرام.. أنا مش عارف الشعب المصري يلاقيها منين ولا منين.. مش كفاية مطحون طول اليوم في شغله.. وكمان هيحبسوه باقي اليوم في البيت ومش هيعرف يجيب طلبات بيته وعياله"!!
وبسخرية لاذعة يقول "أشرف" -صاحب محل ملابس- إن فكرة ترشيد الكهرباء وإطفاء إنارة الشوارع وإغلاق المحلات من الساعة السابعة؛ أي مع غروب الشمس يذكرني بعصر ما قبل اختراع الكهرباء، ويتساءل: هل من المنطقي أن نحاصر الشعب بالظلام ونغتال حقهم في شراء متطلباتهم لترشيد الكهرباء، بدلاً من العمل على زيادة مصادر الطاقة، خاصة وأن مصر بها العديد من مصادر الكهرباء؛ مثل الشمس والرياح.
إغلاق المحلات مبكرًا قرار حضاري
أما "ناجي" -صاحب محل نظارات- فهو ذو رأي مختلف تمامـًا، فهو يرى أن قرار إغلاق المحلات مبكرًا قرار حضاري؛ لأن معظم دول العالم تطبق هذا النظام الذي لا يساعد فقط على ترشيد استهلاك الكهرباء، بل هو يحد من زحام المرور واختناق الشوارع والأرصفة بالمارة الذين يتجولون للفرجة على المحلات دون أية نية للشراء، نظرًا لأن القوى الشرائية للمستهلك أصبحت ضعيفة في ظل الأزمة المالية وارتفاع الأسعار وانتشار البطالة.
ويشاركه الرأي "رمزي" -صاحب محل ساعات- قائلاً: إن المستهلك في جميع الأحوال سيشتري متطلباته؛ سواء أُغلقت المحلات مبكرًا أو متاخرًا، لأن المتحكم في عملية الشراء هو القوى الشرائية للمستهلك، كما أن هذا القرار سيجعل أصحاب المحلات يخرجون من المعتقل الذي يُسجنون به لمدة تفوق 12 ساعة فى انتظار مشترٍ حقيقي، وسيجعل أصحاب المحلات يستمتعون بحياتهم التي أصبحت مرهونة بحسابات الربح والخسارة.
هذا هو رأي مجموعة من أصحاب المحلات.. فما هو يا ترى رأي المستهلكين؟؟
تتعجب "سامية" -ربة منزل- من فكرة ترشيد الكهرباء وكأنها فكرة حديثة، وهي ترى أن الأسرة المصرية تقوم بهذا من تلقاء نفسها؛ لدرجة أنها بتقوم بعدم تشغيل المراوح في الحر كثيرًا لأنها تستهلك كهرباء كثيرة؛ (يعني بتستحمل الحر النار.. علشان فاتورة الكهرباء النار" -على حد قولها- أما بالنسبة لها فلا يعنيها إغلاق المحلات مبكرًا أو لا؛ لأنها ربة منزل ولا تعمل، وتشتري معظم متطلباتها صباحـًا.
حرام غلاء وظلام وحياة صعبة
ويوافقها الرأي "أحمد" -موظف حكومي- قائلاً: إن الشعب المصري غير محتاج إلى توعية من أجل ترشيد الكهرباء؛ لأن أسعارها مقسمة إلى شرائح، وتزداد أسعارها كلما دخلت إلى شريحة أعلى في الاستهلاك.
ويؤكد أنه شخصيـًا لا يملك في منزله إلأ جهاز تكييف واحد اشتراه بالتقسيط، وهو لا يعمل طول النهار، ومع ذلك فاتورة الكهرباء تأتي بقيمة 75 جنيهـًا، وهذا مبلغ كبير جدًا لبند واحد من بنود الحياة، ولكن التوعية يجب أن تتم للمستثمرين وأصحاب المشاريع الذين يلعبون بالملايين، ولا يؤثر عليهم قيمة فواتير الكهرباء التي تأتي بالآلاف، أما غلق المحلات منذ غروب الشمس فهو حل ليس مجدٍ، وسيزيد الشعب بالاختناق لأن هذا حرام... غلاء وظلام وحياة صعبة؛ على حد قوله.
أما "وسام" –مُدرسة- فهي تطالب جميع المسؤولين بأن ينزلوا من على كراسيهم، ويخرجون من مكاتبهم المكيفة وينزلوا إلى الشارع ليروا الأمور على حقيقتها قبل أن يصدروا أي قرار، فبدلاً من إطفاء الشوارع ليلاً تاركين الناس تتخبط في الظلام وتتعرض لكثير من حالات السرقة والتحرش، يجب عليهم أن يطفئوا أعمدة الإنارة المضائة في عز الظهر في كثير من الأماكن، كما ترى أن إغلاق المحلات مبكرًا قرار غير صائب؛ لأن الناس متى ستشترى متطلباتها؟؟
ترشيد الكهرباء يجب ألا يتم بشكل عشوائي
ويرى "علاء" –مهندس- أن ترشيد الكهرباء أمر مهم وضروري، ولكن يجب ألا يتم بشكل عشوائي، حيث أن إغلاق المحلات مع غروب الشمس وإطفاء الشوارع ليس هو الحل الأمثل، ولكن هناك حلول أخرى بديلة مثل إقامة محاضر لكل مَن يستخدم كشافات الصوديوم لإنارة المحل الخاص به؛ نظرًا لأن هذه الكشافات تستهلك كهرباء عالية جدًا، عدم إضاءة دور العبادة بإضاءة مبالغ فيها، وتقليل استخدام الكهرباء في المبانى الحكومية، والحد من عدد التكييفات المبالغ فيها في بعض الأماكن، وهكذا فالحلول كثيرة ولكن يجب علينا أن نفكر أولاً.
وتؤيده "سما" قائلة أنها مع الترشيد ولكن يجب أن نرى أين أوجه الإسراف في الكهرباء، ثم نقوم بإجراءات الترشيد وليس إطلاق قرارات عامة تضر بصالح المواطنين، فهناك حقـًا اماكن تحتاج إلى ترشيد الكهرباء مثل "المولات التجارية" التي فيها الإنارة بشكل مبالغ فيه، وهناك أيضًا العديد من المحلات التي تستخدم الإضاءة بشكل زائد، لذلك من الممكن أن يتم تخصيص عدد معين من الكيلو وات لهذه المحلات كل طبقـًا لاحتياجه، على أن أي زيادة في الاستهلاك يكون بدفع غرامة مادية كبيرة، كنوع من العقاب للإسراف المبالغ فيه، ولكن إغلاق المحلات امر سيضر بالناس لأنهم ينهون أشغالهم في وقت متأخر.
محطة الضبعة النووية.. لتلبية احتياجاتنا من الكهرباء
وعن محطة "الضبعة النووية" ومستقبل الطاقة في مصر تحدثنا إلى الدكتور "ياسين محمد إبراهيم" الرئيس التنفيذي لهيئة المحطات النووية، والذي قال إن مصر منذ إعلانها عن رغبتها في إنشاء محطة نووية لتلبية احتياجاتها من الكهرباء تلقت عدة عروض، إلى أن رست المناقصة في آواخر العام الماضي على إحدى الشركات الأسترالية، وذلك لإجراء دراسات على موقع الضبعة، ومواقع أخرى جديدة مقترحة للمحطة، وفق النظم والمعايير العالمية، وإعداد برامج الجودة والمواصفات, وتنفيذ البرامج التدريبية، وتأهيل الكوادر البشرية.
مشيرًا إلى أن أي محطة نووية تستغرق حوالي عشر سنوات، ومن المنتظر أن يتم تشغيل المحطة النووية عام 2019، لذلك سيتم طرح مناقصة آخر هذا العام لتوريد وتركيب المحطة.
إعدام الوقت الذهبي لحركة التسوق
ومن جانبه أضاف الدكتور "رفعت لقوشة" أستاذ الاقتصاد بجامعه الإسكندرية قائلاً: إن قرارات ترشيد استهلاك الكهرباء عن طريق إغلاق المحلات من الساعة السابعة مساءًا هو قرار من المؤكد أن عليه كثير من التحفظات من قِبل أصحاب المحلات والمستهلكين أيضًا، لأن تطبيق هذا القرار لا يتيح وقتـًا للتسوق لدى الغالبية العظمى من الشعب المصري قبل الساعة الساعة السابعة، نظرًا لظروف العمل الذي ينتهي في وقت متاخر، هذا إلى جانب الحالة المناخية التي تحول دون القيام بأي عملية تسوق قبل غروب الشمس.
وأضاف أن هذا القرار له تأثير سلبي على نشاط السوق وعلى رواج المبيعات؛ لأن الأوقات المسائية المخصصة لدى المواطن المصري للتنزه والتسوق معـًا سيتم اغتيالها بإصدار هذا القرار.
مؤكدًا أن وزارة الكهرباء هي الوحيدة المعنية بالبحث عن بدائل أخرى لتوفير الطاقة الكهربائية، بدلاً من اتخاذ قرارات متسرعة من شأنها أن تشل حركة المجتمع.
http://www.copts-united.com/article.php?A=21438&I=533