مايكل جرجس
كتب: مايكل جرجس- خاص الأقباط متحدون
في أول لقاء له بالشعب القبطي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وذلك بعد عودته من الرحلة العلاجية والرعوية بأمريكا، ووسط تصفيق وتحية الحاضرين من الشعب والآباء الأساقفة والكهنة، هنأ قداسة البابا "شنودة" الثالث –بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية- جموع الأقباط بمناسبة بدء صوم السيدة العذراء، وجعل موضوع العظة عن السيدة العذراء بهذه المناسبة.
بداية تحدث قداسة البابا عن إيمان السيدة العذراء، وأنها كانت أول مؤمنة في المسيحية؛ آمنت بأنها ستلد ابن الله القدوس رغم أنها "عذراء"، وآمنت أن الروح القدس يحل عليها وأن قوة العلي تظللها.
علاقة العذراء بالروح القدس
في علاقة السيدة العذراء بالروح القدس؛ أوضح قداسة البابا أن هذه العلاقة تمثلت في حلوله عليها لمباركتها، وأنها الوحيدة التي حلّ عليها الروح القدس حلولاً أقنوميـًا؛ أي حلّ عليها كإله يعمل عملاً إلهيـًا، وهذا يتضح من خلال النقاط التالية:
أولاً: أوجد في داخلها جنينـًا بشريـًا بغير زرع بشر.
ثانيـًا: قدّس الروح القدس مستودعها، بحيث جعل الجنين لا يرث الخطية الجدية الأصلية؛ خطية آدم، وهذا يظهر في الأية التي تقول: "القدوس المولود منكِ يدعى ابن الله"؛ فكلمة "القدوس" تعني الذي بلا خطية.
ثالثـًا: اتحد هذا الناسوت "الجنين" باللاهوت، وهذه أعمال إلهية تمت داخل أحشاء السيدة العذراء.
فلم يكن هذا الحلول كحلول الروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين.
ألقاب السيدة العذراء
وأشار قداسته إلى أنه هناك العديد والعديد من الألقاب التي أُطلقت على السيدة العذراء، وذكر منها ما يلي:
أولاً: "الملكة".. فهي أم الملك، وكل أيقوناتها الطقسية تكون عن يمين "السيد المسيح" والتاج يزين رأسيهما، واستشهد بالمزمور الذي يقول: "قامت الملكة عن يمينك"، ويكفي أنها الوحيدة من نساء العالم التي اختارها الله ليأتي منها، كما قال "بولس الرسول": "وفي ملء الزمان نزل الله مولودًا من امرأة".
ثانيـًا: "الحمامة الحسنة".. فالحمامة هي رمز السلام التي حملت غصن الزيتون لـ "نوح" في الفلك؛ فكان إعلانـًا للسلام في العالم بنهاية الطوفان، وأيضـًا الحمامة ترمز للوداعة والنقاوة؛ وكما يقول سفر النشيد: "عيناكِ حمامتان" أي ترمز للطهر والنقاوة.
ثالثـًا: "دائمة البتولية".. فهي التي أنجبت وهي بتول، وبعد الولادة ظلت بتولاً.
رابعـًا: "السماء الثانية"، و"مدينة الله"، و"صهيون".. فهذه الأسماء تعني مسكن الله، وهو الذي ارتضى أن يترك هذا المجد ليسكن في رحم العذراء.
خامسـًا: "عصا هارون".. التي أفرخت وخرجت منها فروع رغم أنها كانت مجرد عصاة، هكذا السيدة العذراء.. كانت بتولاً ولكنها حبلت وولدت كلمة الله.
سادسـًا: "تابوت العهد".. المغطى بالذهب من الداخل والخارج، وغيرها من الألقاب التي استحقتها هذه القديسة.
نبوات عن العذراء:
وتحدث قداسة البابا عن النبوات التي أشارت إلى السيدة العذراء، وكانت أشهرها: "العليقة" التي رآها موسى النبي تشتعل بلا أذى، مثال للسيدة العذراء التي حملت جمر اللاهوتية في أحشائها دون أن تتأذى.
كذلك كانت هي "المجمرة الذهبية" التي حوت الفحم المتقد بالنار، فالفحم يمثل الطبيعة البشرية والنار تمثل الطبيعة اللاهوتية، وقد اتحد الناسوت باللاهوت في بطن العذراء.
أعياد العذراء:
وقد أوضح قداسة البابا أن الكنيسة تحتفل بأعياد كثيرة للسيدة العذراء، وذلك بخلاف احتفالها بأعياد القديسين؛ فالقديسون يتم الاحتفال بتذكارات استشهادهم أو نياحتهم، وإن زاد يكون احتفال بعيد تدشين كنيسة باسم أحدهم.
أما السيدة العذراء فهناك أعياد كثيرة لها مثل:
عيد البشارة بولادتها، وعيد ميلادها، وعيد دخولها الهيكل، ودخولها أرض مصر، وعيد نياحتها، وعيد صعود جسدها، وحالة الحديد؛ عندما حلت القيود الحديدية التي كان مربوطـًا بها "متياس" الرسول بالسجن، وكذلك أعياد ظهوراتها الحديثة بالزيتون وشبرا والوراق وأسيوط.
علاقة العذراء بمصر
وتابع قداسة البابا عن علاقة القديسة "مريم" بمصر، وكيف أنها قضت فيها حوالي ثلاثة سنوات ونصف السنة، وتنقلت من مدينة لمدينة، ومن محافظة إلى محافظة، وإن كانت قد قضت أطول مدة لها بمنطقة التي يوجد عليها الآن "دير المحرق" بمحافظة أسيوط.
اتضاع العذراء
وتحدث قداسة "البابا شنودة" عن فضائل القديسة "مريم"، والتي كانت أبرزها فضيلة الاتضاع، وأردف بقول القديس "مار اسحق السرياني" عندما سئل عن التواضع فقال: "أريد أن أتكلم عن التواضع ولكني خائف كمَن يتكلم عن الله، لأن التواضع هو الحُلة التي لبسها اللاهوت عندما حلّ بيننا".
وأضاف قداسته أن السيدة العذراء في تسبحتها قالت: "لأنه نظر –الله- إلى اتضاع أَمته"، فلم يرتفع قلب العذراء أبدًا بولادتها للمسيح، ولا عند تهليل الملائكة له وقت ميلاده، ولا عند مجئ المجوس وسجودهم للطفل في المزود.
كذلك بمجرد علمها من الملاك "جبرائيل" بحبل "أليصابات"، أسرعت إليها وهي فتاة كان عُمرها تقريبـًا 16 سنة، وعبرت جبال وتلال لتصل إليها، بل وخدمتها مدة الثلاثة شهور حتى ولدت "أليصابات" ابنها "يوحنا"؛ فقد كان قلبها محبـًا للخدمة، حتى دون أن يُطلب منها ذلك، لم تطلب من "أليصابات" أن تسمح لها بخدمتها بل استمرت معها حتى ولادة "يوحنا".
وأيضـًا اتضعت في قبولها للإنجاب، رغم أن رغبتها كانت البتولية، وكانت متضعة رغم الأمجاد الكثيرة التي أحاطت بها.
فضيلة الاحتمال
وعن احتمال السيدة العذراء للضيقات والتجارب التي مرت بها، عدّد قداسة البابا صور هذا الاحتمال.
أولاً: احتملت اليُتم منذ أن كان عُمرها ثماني سنوات؛ ففي هذا السن كانت يتيمة الأب والأم، فقد دخلت الهيكل وعاشت به حياة الوحدة؛ خلافـًا لنهج الفتيات اللاتي في مثل سنها، واللاتي كن تبحثن الاهتمام بأنفسهن ومظهرهن وملابسهن والزيارات والترفيه، فظلت القديسة العذراء تقرأ الكتب المقدسة والمزامير؛ وهذا يتضح من خلال تسبحتها التي أوردت فيها العديد من شواهد العهد القديم.
ثانيـًا: احتملت الفقر بلا تذمر.
ثالثـًا: احتملت المجد بلا افتخار.
رابعـًا: حملت المسئولية وهي في سن صغيرة.
خامسـًا: احتملت التعب في السفر إلى "مصر" والعودة منها إلى "فلسطين".
سادسـًا: احتملت أن تلد في مزود للحيوانات، واحتملت أن تكون هذه الولادة في فصل الشتاء حيث الطقس القارص.
سابعـًا: احتملت أن ترى ابنها وإلهها على الصليب معلقـًا، يعاني من آثار الآلام والعذابات، وقالت: "أما العالم فليفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي".
http://www.copts-united.com/article.php?A=21406&I=532