عادل عطية
بقلم : عــادل عطيــة
يعتبر الكاتب نفسه واحداً من عائلة القراء الكبيرة، عائلة قريبة من أوجاعه .
وكعائلته الخاصة يود أن يبوح لها عن بعض يومياته الغارقة في المتاعب ، وهو يعرف أن هناك من سيدرك شعوره، ويملأ بالطمأنينة وحشة نفسه .
أسمحوا لي بأن أحملكم على ذاتيتي بعض الوقت إلى أماكن كنت أنتمي إليها ، ووجدت فيها من يستفزني ويتحداني ويضع أنفه بأنفي ويريدني أن يذيبني فيه ، مع إحساس عجيب بالافلات من صوت ضميره :
في بداية حياتي الوظيفية ، كان لي زميل في العمل ، يشاركني مكتب واحد ، وكان بيننا عيش وملح ، وكنا ننصرف معاً في نهاية الدوام ، ونتبادل الأحاديث الودية إلى أن نفترق كل في طريقه إلى بيته . ولكن يحدث عندما نلتقي في صباح اليوم التالي ، وأبادره بتحية الصباح ، يصمت كأبا الهول . في البداية كنت أظن أنه لم ينتبه لي ، فأكرر التحية مرة واثنتان وثلاث ؛ فإذا به يفاجؤني، قائلاً: "صباح الزفت والقطران" . وفي البداية، أيضاً، كنت أحاول أن أعرف منه عما إذا كنت أخطأت في شئ من نحوه ، مع اننا أفترقنا في اليوم السابق على كل خير وكنت معه كقلبه ، فكان يلوذ بالصمت ، وكأنه يريد أن يقول لي : "دون إبداء أسباب" !
وعندما يجدني قد تعودت على خصامه غير المبرر ، يبدأ في الحديث معي ، فإذا عادت المياه إلى مجاريها ، أعاد معي تمثيل هذه اللعبة ، التي تعودت عليها من شخص يبدو أن عقله كان مصاباً بمرض الشيطان !
ويبدو أن الأحداث تعيد نفسها؛ لأرتباطها بالتاريخ الذي يعيد نفسه :
فقد طلبت مني إحدى الصحف الالكترونية، أن أكتب لها مقالاً إسبوعياً . ولم يمر وقتاً طويلاً، حتى غدا الرحب ضيقاً وفارغاً في نهاية المطاف، وتوقفت عن نشر مقالاتي، وعندما حاولت أن أستفسر من رئيس التحرير عن حقيقة هذا الموقف المفاجئ لي، لاذ بالصمت المطبق، وكأنه يقول لي ذات القول الأثيم : "دون إبداء أسباب" !
إن الصمت الخبيث، الذي يختبئ ويتوارى فيه هذا الداء اللعين المسمى : " دون إبداء أسباب"، والذي توارثناه عن كراسة الشروط والمواصفات في أي ممارسة حكومية ، يقضي على أي علاقة ذات قيمة ، ويثير سخط المتألمين العاطفي . ولكن يبدو أن هناك حكمة مُنكرة من وراء هذا الفعل : فإن كان معرفة السبب يُبطل العجب ، فهناك من يخفي السبب ليكثر العجب .. وعجبي !
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=21201&I=527