بقلم:د.حسن نافعة
منذ حوالى أسبوعين، فاجأنا أمين الإعلام بالحزب الحاكم، الدكتور على الدين هلال، بتصريحات مفادها أن ترشيح شخص آخر لرئاسة الدولة أثناء وجود الرئيس مبارك «قلة أدب»، على حد تعبيره. وبعد أيام قليلة نشرت صحيفة «المصرى اليوم» تقريرا عن حملة ملصقات تغطى جدران العاصمة، تتوسطها صورة كبيرة لجمال مبارك كتب تحتها «جمال مصر»، تبين أن وراءها تنظيماً يطلق عليه «الائتلاف الشعبى لدعم ترشيح جمال مبارك للرئاسة»، لا يعرف أحد مم يتكون، ولا مع من أو ضد من يأتلف، ولا من يقف وراءه، له منسق عام لا يعرف أحد من اختاره أو عينه، ونشرت الصحيفة على لسانه تصريحات تقول إن تكلفة المرحلة الأولى من الحملة لا تزيد على خمسين ألف جنيه!. وقد اختتم هذا المشهد العبثى بتصريحات وردت على لسان مسؤولين كبار تؤكد عدم صلة الحزب الحاكم بهذه الحملة، وتحاول الإيحاء صراحة أو ضمنا بأنها تمثل تحركاً شعبياً تلقائياً يعكس حب المصريين لجمال وترحيبهم به، بل وإصرارهم عليه رئيساً للبلاد خلفاً لأبيه!. وكان لافتا للنظر أن أحداً لم يجرؤ على نعت هؤلاء بذات الوصف الذى استخدمه أمين الإعلام فى الحزب الحاكم!.
ما كادت صفحة هذا المشهد من مسلسل «غرائب السياسة فى مصر» تطوى حتى فوجئنا بآخر أكثر غرابة. فبالأمس طالعتنا صحيفة «الشروق» بتقرير منشور على صفحتها الثالثة حمل عنوانين رئيسيين، بعرض الصفحة كلها، أحدهما كتب ببنط ضخم وبلون أحمر يقول: «حملة شعبية عليا لتأييد مبارك» تطالبه بالاستمرار من أجل الاستقرار، والآخر ببنط أصغر وبلون أسود يقول: «الحملة تهدف إلى مواجهة حملتى البرادعى وجمال.. وتطهير مصر من سموم المعارضة». وبمطالعة التفاصيل نكتشف أن للحملة مؤسساً مجهولاً لم يسمع به أحد من قبل، وأنه «ينوى افتتاح ٥٠ مقرا للحملة فى محافظات أسيوط والمنيا وسوهاج والإسكندرية لتوسيع مجال انتشارها والتواصل مع الناس». فماذا يمكن أن نقرأ فى هذه المشاهد العبثية؟
١- إن الحملة التى تقودها «الجمعية الوطنية للتغيير» من أجل إجراء انتخابات يتوافر لها حد أدنى من ضمانات النزاهة والشفافية ويتاح فيها للمستقلين حق الترشح للرئاسة فى ظل ضوابط موضوعية، وليس شروطا تعجيزية، بدأت تثير قلقاً حقيقياً لدى جميع الأوساط صاحبة المصلحة فى إبقاء الأوضاع على ما هى عليه.
٢- وجود صراع حاد بين فريقين، أحدهما يريد التعجيل بنقل السلطة إلى الابن فى حياة الوالد، والآخر يرى فيها خطوة متعجلة تحمل مخاطر لا داعى لها. ولأنه صراع مكتوم فليس بوسعه أن يجد لنفسه متنفساً إلا خارج الحزب الحاكم.
٣- شيوع حالة من الفوضى والتخبط داخل أوساط صنع القرار فى مصر، بسبب إصرار الأب على الاستمرار فى السلطة، رغم كبر سنه وتدهور حالته الصحية، وتعجل الابن لتثبيت نفسه رسميا فى موقع الرئاسة فى حياة أبيه كى لا تضيع الفرصة إلى الأبد، وانقسام النخبة الحاكمة بين مؤيد ومعارض لهذا الرأى أو ذاك، بسبب حالة الحراك السياسى الرافض للتمديد وللتوريث والمطالب بإحداث تغيير جذرى فى قواعد إدارة اللعبة السياسية، وربما أيضا بسبب خشية أجهزة سيادية من انفجار الأوضاع فى حال الإصرار على نقل السلطة إلى الابن فى حياة الأب.
يبدو أن «مبارك ضد مبارك» هو عنوان أحدث العروض المقدمة من الحزب الحاكم فى مهرجان مسرح اللا معقول، والذى تشهده الحياة السياسية فى مصر منذ فترة ليست بالقصيرة.
نقلاً عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=21194&I=526