دير "الأنبا بسادة" بأخميم ما يزال يحتفظ بعظمة آثارنا القبطية

أبو العز توفيق

كتب: أبو العز توفيق- خاص الأقباط متحدون
 تظل الأديرة القبطية خير شاهد على عظمة التراث والتاريخ الخاص بالحضارة القبطية، فأسوار الأديرة تحوي بين جنباتها الكثير والكثير من رفات أجساد القديسين، والذين ضحوا بحياتهم ودمائهم من أجل اسم "المسيح"، وتظل الأديرة خير شاهد على العصر الذي عاش فيه هؤلاء القديسون.

 واليوم نتحدث عن دير القديس الأنبا "بسادة"، والذي يقع في محافظة سوهاج، وقد تم بناؤه في القرن الرابع الميلادي.

وصف الدير
 يقع دير القديس "الأنبا بسادة" بالضفة الشرقية للنيل بقرية "نجع الدير" مقابل بلدة "المنشأة"، ويلاحظ أن المباني وحوائط الكنيسة عريضة ويصل سمكها إلى أكثر من متر، وقد تم بناء الدير في القرن الرابع الميلادي، وقد تم بناء الدير على النظام الباخومي؛ أي الشركة الرهبانية؛ كأغلب أديرة أخميم.

 ويوجد بالكنيسة خمسة هياكل، الهيكل الرئيسي على اسم القديس "الأنبا بسادة"، والمذبح عبارة عن قطعة واحدة من حجر الجرانيت المنحوت على شكل اسطواني قاعدته السفلية ضيقة وتتسع الى أعلى.

 والهيكل الثاني على اسم "السيدة العذراء مريم"، والهيكل الثالث على اسم الشهيد العظيم "مارجرجس"، والهيكل الرابع على اسم رئيس الملائكة "ميخائيل"، والهيكل الخامس على اسم الشهيدين "الأنبا باخوم"، وأخته "ضالوماشة"، وهما أولاد اخت الشهيد "الأنبا بسادة" الاسقف.

معالم الدير
 تعلو الدهليز المؤدي الى مدفن الشهيد "الأنبا بسادة" لوحة أثرية مزينة بالنقوش الجميلة والصليب في وسطها، ويتتضح تأثير الفن المصرى القديم على رسم الصليب؛ إذ يتخذ علامة "الأونخ"؛ وهي "مفتاح الحياة" عند قدماء المصريين، ويرجع تاريخه للقرن الرابع الميلادي، وهو على الأرجح تاريخ بناء الدير.

 ومدخل الدهليز ضيق ولا يزيد ارتفاعه عن المتر، ويؤدي إلى غرفة صغيرة بها مزار الشهيد، كما أنها تضم زخائر رفات الشهيدين "الأنبا باخوم" وأخته "ضالوشام"، ونجد أن قبر الشهيد "الأنبا بسادة" مرتفعـًا عن قبر الشهيدين، وذلك لأنهما في إكرامهما للأنبا "بسادة" رفضا أن يكونا في نفس مستواه؛ فصناديق رفات الشهيدين كلما يضعونها بالوضع الأفقي يجدونها تقف وحدها أمام جسد "الأنبا بسادة"؛ فاضطروا لبناء مزارهما مرتفعـًا عن موضع رقاد "الأنبا بسادة".

 وبالخورس الأخير وبالقرب من مدخل الكنيسة يوجد اللقان، وهو منحوت في الحجر ومثبت في حائط الكنيسة، أما الأجزاء الغربية من الكنيسة فقد امتدت إليها يد التجديد في العصور المختلفة، لذا فهي أحدث من باقي المباني.

 وعن الشكل الخارجى للمبانى فهو يمثل الفن القبطي في البساطة وتواضع المباني والفقر الاختياري للآباء الرهبان، مما يضفي على المظهر العام ذلك المذاق الخاص الذي تنفرد به الكنيسة القبطية.

 كما يوجد بفناء الدير "شجرة نبق" أثرية عُمرها أكثر من خمسمائة عام، وكانت جيدة للأكل، ومنذ مائتي عام حضر لصلاة القداس بالدير "الأنبا يوساب الأبح" أسقف جرجا في ذلك الوقت، وفي وقت التناول وجد أن أغلب الشمامسة لم يتقدموا إلى التناول، وعندما استفسر عن السبب علم أنهم أكلوا من ثمار شجرة النبق قبل القداس؛ فحزن "الأنبا يوساب الأبح" وقال: "فلتسوس ثمارها"، ومن هذه اللحظة حتى الآن ثمارها مسوسة وشاهدة على قداسة "الأنبا يوساب".

 زيارة "الأنبا شنودة" أسقف التعليم؛ "قداسة البابا شنودة الثالث" لدير "الأنبا بسادة"
 قام صاحب القداسة "الأنبا شنودة" بزيارة للدير في يوم 18\4\1967 بصحبة المطارنة الأجلاء وهم: "الأنبا بطرس" مطران أخميم وساقلتة، و"الأنبا مرقس" مطران طهطا وأبو تيج، و"الأنبا لوكاس" مطران منفلوط وأبنوب.

 وقد صلى القداس الإلهي بالدير وسجل كلمة في سجل زيارات الدير قال فيها: "أخذنا اليوم بركة القديس العظيم "الأنبا بسادة" الأسقف؛ فشكرًا لصاحب النيافة "الأنبا بطرس" مطران إيبارشية أخميم المُحبة للمسيح، الذي هيأ لنا هذه الزيارة المملؤة بركة، نطلب شفاعة القديس "الأنبا بسادة" وزميله "غلينيكوس" الأسقف، وصلوات القديسين الذين يعيشون في هذا المكان، جعله الرب عامرًا........... "شنودة" المتغرب بالكيلة الإكليريكية بالقاهرة.... 18\4\1967.

سيرة قديس الدير "الأنبا بسادة" الشهيد والأسقف
 وُلد بصعيد مصر من أبوين تقيين يعملان في الزراعة ورعاية الغنم، اهتما بتربيته الروحية ودراسته في الكتاب المقدس مع حياة تقوية نسكية، في شبابه كشف له الله برؤيا ما سيحّل بالكنيسة على يدي "دقلديانوس" عندما يصير ملكـًا.

 أحبه أسقف بلده "أبصاي" أو "بتولومايس أبطلمايس" -حاليـًا المنشأة بمحافظة سوهاج- فسامه شماسًا، وإذ رأى فيه القلب الأمين في محبته لله والغيور على خلاص كل نفسٍ أوصى بسيامته أسقفـًا يخلفه، وبعد نياحة الأسقف أجمع الشعب كله مع الكهنة على سيامته، وذهبوا للبابا الذي فرح به وحقق للشعب اشتياقه بقلبه البسيط المملوء حبـًا إلهيـًا وغيرة.

 كان الله يهبه إعلانات كثيرة؛ فقد قيل أنه كثيرًا ما كان يشاهد "السيد المسيح" بمجده وبهائه أثناء ممارسة ليتورجيا الأفخارستيا بالقداس الإلهي، وعند صلاة استدعاء "الروح القدس" يشاهده على شكل حمامة بيضاء تشع نورًا على الذبيحة المقدسة وكل المذبح.

 عُرف بقداسته حتى تأهل لرؤية "السيد المسيح" الذي باركه ووهبه عطية صنع المعجزات، وقد أمد في عمره حتى ظل على الكرسي الأسقفي نحو 80 عامًا.

 شدائده كرجل الله
 دخل بوتقة الآلام ليشارك مسيحه صليبه من خلال هذه الآلام، عن طريق مضايقة بعض الهراطقة له ومقاومته؛ فقد ظهر رجل هرطوقي "غالبـًا ما كان أريوسيـًا" يقاوم "القديس بسادة"؛ فكان القديس ينصحه كثيرًا، وإذ رأى هذا الهرطوقي "فرديموس" نجاح خدمة القديس وشى به لدى الملك؛ فعزله عن كرسيه ليقيم "فرديموس" عوضًا عنه.

 انطلق القديس هاربًا إلى مدينة أسوان ليجتمع بأسقفها الذي أشار إليه أن يذهبا معًا إلى متوحدٍ بجبل أسوان يطلبان مشورته، وهناك بقي القديس مع المتوحد ثلاث سنوات حتى مات "فرديموس" ورجع القديس إلى شعب الله يخدمه.

 استشهاده
 بعد زمان تولى "دقلديانوس" الحكم كما سبق فأعلن الله للقديس في شبابه، وإذ بدأ يضطهد الكنيسة كان "القديس بسادة" مع "غلينيكوس" يثبتان الشعب على الإيمان وعدم جحد مسيحهم، فأرسل "أريانا" والي "أنصنا" إلى "الأنبا بسادة" و"غلينيكوس" يستدعيهما؛ فطلب الأسقف يومًا كمهلة له أقام فيه القداس الإلهي وثّبت الشعب وانطلق إلى "أريانا" الذي كان في إحدى جولاته بالصعيد الأقصى، وإذ رأى "أريانا" مهابته لم يستطع اللقاء معه؛ فأمر بسجنه وتركه بلا طعام مدة عشرة أيام، وإذ أُخرج من السجن طُلب منه جحد مسيحه، ولما رفض تكرر سجنه أكثر من مرة، وكان في كل مرة يخرج من السجن المظلم كمَن كان في وليمة بوجه  مشرقٍ ومتهلل.

 حكم عليه الوالي بقطع رأسه فارتدى ثياب المذبح البيضاء، ولما التقى به شماس يسأله عن سبب ارتدائه هذه الثياب أجاب: "يا بني.. أنا ذاهب إلى حفل عرسي، وقد عشت السنين الطويلة مشتاقـًا لهذا اللقاء، وقد نال إكليل الشهادة في 27 كهيك.