بقلم- أمينة النقاش
أكتب هذا الكلام، قبل ساعات من إعلان المحكمة الجنائية الدولية قرارها في الأسانيد التي قدمها لها المدعي العام »موريس أوكامبو« بشأن اتهام الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية في دارفور.
وهو قرار تدل كل المؤشرات، علي انه سينتهي باعتماد تقرير اوكامبو، وبالتالي اصدار قرار باعتقال الرئيس السوداني. ومع ان القرار لن يصدر طبقاً للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز لمجلس الأمن استخدام القوة في إلقاء القبض علي الرئيس »البشير«، إلا أنه يجيز اعتقاله بمجرد مغادرته للحدود السودانية.
ويلزم جميع الدول الاعضاء بتسليمه الي المحاكمة. وربما يكون الأوان قد فات الآن للبكاء علي اللبن المسكوب، بعد ان ضاعت الفرصة التي كانت متاحة لسحب الذرائع التي تذرع بها المدعي العام للمحكمة الجنائية وهو ما نبهت له الجامعة العربية، حين قامت بمبادرتها لإتمام الصلح بين الحكومة السودانية وفصائل المتمردين المسلحة في دارفور، علي نحو يؤدي الي عودة السلم والاستقرار الي الاقليم، وتقديم المشتبه في ارتكابهم لجرائم من هذا النوع الي محاكم سودانية، تشكل طبقاً للمعايير الدولية، تحقق فيها، وتصدر بحقهم احكاماً اذا ثبت لها ادانتهم، وغير ذلك من الاجراءات التي تضمنتها مبادرة الجامعة العربية.
وأسوأ ما في قرار المحكمة، أن السودانيين والعرب، لا يملكون أوراق قوة كافية للتصدي له او لمنع تطبيقه.
وقد يكون للمنطق العربي الذي يقول ان المجتمع الدولي ومن بينه المحكمة الجنائية الدولية يكيل بمكيالين، ويتغاضي عن الجرائم التي ارتكبتها امريكا في العراق وفي أفغانستان.
وتلك التي ترتكبها اسرائيل في الأراضي الفلسطينية وجاهته، لكنهم لا يملكون من اوراق القوة ما يعدل هذا الميزان المختل ـ أو لعلهم يفرطون فيها بإرادتهم ـ كما لا يستطيعون مواجهة المنطق الآخر الذي يقول ان افلات متهم او مشتبه فيه بارتكاب جرائم حرب لنقص في الأدلة، أو عجز عن تجميعها، يؤدي الي افلات كل المشتبه فيهم فضلاً عن الامور في المجتمع الدولي كما نعلم جميعاً لا تحكمها قواعد المنطق والعدل وانما تحكمها موازين القوي.
وأسوأ ما في قرار المحكمة هو النتائج الكارثية التي سوف تترتب عليه، والتي دفعت الدول العربية والاتحاد الأفريقي للقيام بمحاولة، لاستصدار قرار من مجلس الامن بتأجيل اتخاذ الاجراءات ضد الرئيس البشير لمدة عام حفاظاً علي السلم الأهلي في السودان وحماية لاستقراره، الذي هو حجز زاوية في استقرار الدول المحيطة به، التي تعاني هي الأخري من مشاكل الصراعات القبلية والمنازعات العرقية ويسود بعضها حالة من الفوضي يعاني منها المجتمع الدولي كما هو الحال في الصومال، التي انتهت الفوضي فيها الي تحويل البحر الاحمر والقرن الافريقي، الي ساحة للقرصنة البحرية. وقد لا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية ان تطول الرئيس السوداني ولا المسئولين الآخرين من اركان ادارته، اذا ما ظلوا داخل حدود بلادهم، لكن ذلك سوف يؤدي علي المدي المتوسط والطويل الي عزل السودان ويمهد لفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وسياسية عليه.
أما اخطر ما في الموضوع فهو انه سوف يشجع بعض فصائل المعارضة المسلحة في دارفور وفي الشرق وحتي في الوسط علي استمرار محاولة هز استقرار الحكم واحداث اضطرابات تزيد من تدهور الوضع الداخلي فيه.
وهو ما بدأت بشائره بالفعل إذ تطالب بعض الاحزاب السودانية صراحة بأن يسلم البشير نفسه ومن معه للمحاكمة وتتعهد اخري بملاحقته وتسليمه بنفسها الي المحكمة ومع ان التصريحات الرسمية في الخرطوم تتحدث عن اصطفاف وطني شامل يرفض قرار الاعتقال.
الا انه من الصعب الحكم علي مدي قدرة هذا الاصطفاف علي الصمود اذا ما تداعت المشاكل الناجمة صدور هذا القرار. وحتي الآن لا يزال في أيدي السودانيين والعرب اوراق قوة قليلة يمكن استخدامها للافلات من الفوضي التي تزحف نحوه بقوة، وتزحف من خلاله نحو كل دول الجوار الافريقية والعربية بينما تكرار المحاولة بإقناع مجلس الأمن بتأجيل تنفيذ القرار لمدة عام وان يستخدم السودان علاقته النفطية الوثيقة بالصين صاحبة حق النقض في المجلس كورقة ضغط سياسي وليست مجرد عملية استثمارية وحسب.
*نقلاً عن الوفد
http://www.copts-united.com/article.php?A=210&I=5