رفقا‮ ‬يا آل حماس

بقلم: أسامة أنور عكاشة

نعرف أن حماس هو الاسم الحركي‮ ‬او المختصر لحركة المقاومة الاسلامية‮ "‬ح‮. ‬م‮. ‬أ‮. ‬س‮" ‬ونعرف أنها الجناح الأكثر تشددا وإصرارا في‮ ‬الحركة الفلسطينية عموما،‮ ‬بينما‮ ‬يميل الجناح الآخر المتمثل في‮ ‬حركة فتح‮ "‬حركة تحرير فلسطين‮" ‬اذا رتبت الحروف الأولي‮ ‬من اسم الحركة بعكس ترتيب الكلمات فسيكون‮ "‬فتح‮".‬
ربما اعترض القراء الأعزاء علي ما‮ ‬يبدو أنه استعراض معلومات معروفة للكافة ومنذ البدايات وأنه لا داعي‮ ‬لتحصيل الحاصل وتكرار المعلومات القديمة‮.‬
عفواً‮.. ‬فهدفي‮ ‬من هذه المقدمة أن أعلن للجميع أنني‮ ‬لا أعني‮ ‬بكلمة الحماس هنا حركة حماس الفلسطينية،‮ ‬لأنني‮ ‬في‮ ‬الواقع لا أقصدها بالمرة وإنما أتحدث عن الحماس بالمعني المطلق‮..
‬المعني الذي‮ ‬يفيد الانفعال النشط تجاه أي‮ ‬موضوع أو الانحياز لشخص او عقيدة او مكان‮.. ‬إلخ،‮ ‬وأعترف انني‮ ‬اخترت كلمة الحماس لأنني‮ ‬لم اجد مفردة اخري تعبر عن الحالة التي‮ ‬اردت أن اصف بها الرأي‮ ‬الذي‮ ‬أبداه العزيز بلال فضل في‮ ‬زاويته اليومية بصحيفة المصري‮ ‬اليوم‮! ‬وقبل ان أناقش في‮ ‬رأيه أريد أن اكرر معلومة اخري‮ ‬يعرفها الجميع عن بلال فضل ذلك الشاب الاستثنائي‮ ‬الذي‮ ‬اطل علينا منذ سنوات قليلة‮ - ‬ربما كان وقت بدايته لم‮ ‬يكد‮ ‬يبلغ‮ ‬التسعة عشر عاما وكانت إطلالته اشبه بالانفجار‮ - ‬انفجار موهبة حقيقية متعددة الجوانب وتنبئ بميلاد كاتب‮ ‬يشتعل حماسا في‮ ‬كل ما‮ ‬يكتب ويتألق صدقاً‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬مجال‮ ‬يقتحمه قلما نعود الي حكاية الرأي‮ ‬الذي‮ ‬تعرض فيه بلال لموضوع الكونسير او الحفل الموسيقي‮ ‬الذي‮ ‬قدمه الموسيقار اليهودي‮ "‬بارنيمباوم‮" ‬علي مسرح الأوبرا المصرية والذي‮ ‬تم التعامل معه من منطلقين الاول مسألة التطبيع وعلاقتها بالمثقفين المصريين والثاني‮ ‬هو علاقة المنطلق السابق بمعركة وزير الثقافة المصري‮ ‬للحصول علي منصب مدير عام منظمة اليونسكو‮! ‬كان رأي‮ ‬بلال الذي‮ ‬أبداه بحماسته المعهودة رافضا للمسألة برمتها وتعرض من خلال هجومه علي الدعوة التي‮ ‬وجهت لبارينمباوم إلي آراء كتاب مصريين‮ ‬غيره أيدوا في‮ ‬أحاديثهم الصحفية ترحيبهم باستضافة فنان عالمي‮ ‬بحجم وموهبة الرجل وفي‮ ‬رأيهم أن بارينمباوم قد جاء إلي مصر بوصفه فناناً‮ ‬لا‮ ‬يحمل‮ ‬غير فنه ليقدمه لمضيفيه وأنهم‮ ‬يفصلون تماما بين قضية فلسطين وبين قضية الفن مؤمنين بأن الفن لا وطن له ولا دين ولا جنسية ولكن هذا الموقف لم‮ ‬يعجب الاستاذ بلال وطاح فيهم لائما ومُدينا واتهمهم بالتطبيع‮ - ‬وهي‮ ‬تهمة لو تعلمون عظيمة وتُعد سيفاً‮ ‬معلقاً‮ ‬وجاهزاً‮ ‬لقطع الرؤوس تماما مثلما كانت تهمة الشيوعية في‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية سيفاً‮ ‬مشهراً‮ ‬علي كل فناني‮ ‬وأدباء امريكا في‮ ‬بداية الخمسينيات ومن خلال السيناتور الشهير مكارثي‮ ‬ولجنة‮ "‬مكافحة النشاط المعادي‮ ‬لأمريكا‮" ‬التي‮ ‬مثل امامها أكبر وأهم الكتاب والفنانين وقتها‮! ‬حقاً‮ ‬لست مبالغاً‮ ‬حين أستدعي‮ ‬ذاكرة المكارثية مع ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬حياتنا الثقافية اليوم من إشهار تهمة التطبيع مع العدو الاسرائيلي‮ ‬في‮ ‬وجوه الجميع عند ظهور أي‮ ‬بادرة تبدر منهم وتختلف عن رأي‮ ‬أصحاب الحماسة الفائقة في‮ ‬التعامل مع قضايا مثل المقاومة والخلاف الفلسطيني‮ - ‬الفلسطيني‮ ‬والتطبيع والدور المصري‮ ‬الناقل للرسائل بين اطراف النزاع‮! ‬ولأنني‮ ‬أعرف بالقطع أن تكوين بلال فضل الفكري‮ ‬والثقافي‮ ‬هو أبعد ما‮ ‬يكون عن المكارثية بكل ما تحمله من معاني‮ ‬اضطهاد اصحاب العقائد والآراء والدعوات المرتكزة علي مبدأ حرية الرأي‮ ‬فأنا لا أوافق علي هجومه الحاد الذي‮ ‬وجهه‮ "‬للرموز‮" ‬لأنني‮ ‬يمكنني‮ ‬أن أختلف معهم في‮ ‬الرأي‮ ‬ولكن ليس من حقي‮ ‬أن أزايد علي وطنيتهم ومواقفهم من مأساة الشعب الفلسطيني‮ ‬إن احمد عبد المعطي‮ ‬حجازي‮ ‬أو جمال الغيطاني‮ ‬علي سبيل المثال لا‮ ‬يَرِد علي خاطر أي‮ ‬منا أنهما مثلما ألمح بلال في‮ ‬مقاله‮: ‬مجرد متزلفين‮ ‬يسعيان وراء الكراسي‮ ‬والمناصب والجوائز ولكن نتورط في‮ ‬اتهام مروع عن اثنين من أصحاب القامات الرفيعة في‮ ‬حياتنا الثقافية‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون بحوزتنا أدلة دامغة وقاطعة علي أنهما قاربا هذا المنحدر الذي‮ ‬تحدث عنه واحد من تلاميذهما كانا بلا شك من الموارد الأساسية لنموه الفني‮ ‬والثقافي‮ ‬ولأني‮ ‬أعرف بلال جيداً‮ ‬وأعرف أنه ليس ممن‮ ‬يتصيدون الأخطاء للآخرين لذا أقول ان هذا الذي‮ ‬كتب ما قرأناه ليس بلال فضل‮..
‬حقا نحن لا نعبد الاصنام ولا نؤله أحداً‮ ‬أونعطي‮ ‬ضمانا عاما لحماية مخطئ من خطئه مهما كان حجمه وقدره ولكن حين‮ ‬يدخل الخلاف ساحة الرأي‮ ‬فلابد أن نحترم حق الآخرين في‮ ‬الاختلاف فما بالك أن هؤلاء الآخرين من نوعية العمالقة الذين أفنوا حياتهم لينيروا بإبداعاتهم طريق شعبهم الي الحق والخير والجمال‮.‬
 ولا أعرف‮ ‬يا بلال في‮ ‬الحقيقة ما هو وجه الإجرام في‮ ‬حق الشعب الفلسطيني‮ ‬وشهدائه ودفاعه المجيد عن حقه في‮ ‬الأرض والحياة بدعوة فنان‮ ‬يهودي‮ ‬ليقدم فنه للشعب المصري؟ أنا شخصيا لم أر هذا الوجه وكنت أتمني أن‮ ‬يكون الرأي‮ ‬عندك مرتبطاً‮ ‬بالفصل بين قضايا قد تبدو للبعض كقضية واحدة وليس هذا نوعاً‮ ‬من تفتيت الكتلة التي‮ ‬تتصور أنت أنها معارضة للتطبيع قد‮ ‬يعن لك أن تقول إن تأثير رأي‮ ‬الكبار أفدح كثيراً‮ ‬من آراء المواطنين العاديين الذين ضللتهم سياسة النظام التي‮ ‬اتبعت منذ الكامب ووعدت المصريين بالمن والسلوي بعد التطبيع ومرت أكثر من ‮٠٣ ‬عاما ولم‮ ‬يجد المصريون مناً‮ ‬ولا سلوي وانصاع التجار وأصحاب المصالح فقط إلي التطبيع بالاتجار وتبادل الصفقات وتبين أنهم هم وحدهم من بُشروا بالغنائم والأسلاب واليوم لم‮ ‬يعد هناك مصري‮ ‬واحد‮ "‬من‮ ‬غير ذوي‮ ‬الكروش المنتفخة‮ ‬ينتظر المن والسلوي ولن تدفعهم‮ - ‬أي‮ ‬المصريين آراء كتابهم ومبدعيهم حول زيارة فنية لفنان‮ ‬يهودي‮ ‬عالمي‮ ‬وترحيبهم به إلي تغيير موقفهم من موضوع التطبيع ولا تنس‮ ‬يا بلال أن جموع المصريين الآن مشغولون بأشياء أكثر أهمية كحصولهم مثلاً‮ ‬علي لقمة العيش وتشغيل أبنائهم والإصرار علي أن‮ ‬يبقوا علي قيد الحياة أما حضور برينمباوم فلا شأن لهم به وربما لن‮ ‬يسمعوا به أصلاً‮ ‬ويحسوا بوجوده في‮ ‬مصر‮.‬
 وأرجو ألا‮ ‬يعتبرني‮ ‬بلال متهما بالدفاع عن التطبيع وسيكون هذا أيضا من باب الحماس المفرط فقط لأن‮ ‬يعرف أن بلال‮ ‬يعرف‮!‬ فلتختلف‮ ‬يا بني‮ ‬مع من تريد وأنت تختلف منذ خطواتك الأولي كما نريد ولكن ستظل نقطة الفصل واختيار من توجه إليهم سهام نقدك هي‮ ‬نقطة الحوار ولا أقول الاختلاف بيني‮ ‬وبينك‮.‬
نقلا عن جريدة الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع