ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
ذهب القروى "محمد على السمان" فى يوم من أيام عام 1945 يبحث عن السماد لحقله أسفل جبل الطريف، بالقرب من دير القديس "باخوميوس" بصعيد "مصر"، وفيما هو يعمل بجد ونشاط، وجد جرة خزفية باحدى الكهوف فأخرجها وكسرها ظنًا منه أنه قد يجد بها شيئًا مفيدًا، أو كنزًا ثمينًا.
ولكنه وجد بداخلها مجموعة من أوراق البردى لم يقدر قيمتها، فأودعها عنده لحين استخدامها فى أى غرض من الأغراض المنزلية، ولكن شاءت الأقدار أن يترك القرية لأسباب تتعلق بالثأر، ولذلك ترك هذه المخطوطات عند سيدة مسيحية، وهى التى تعرفت على تلك المخطوطات المكتوبة باللغة القبطية، وتم عرضها على المتحف المصرى الذى كان مديره وقتها "ايفان برايتون" فأشتراها، وانتشرت أهمية تلك المخطوطات القبطية التى جعلت العلماء يقبلون على شراء ما توفر منها، إلى أن استطاعت السلطات المصرية إعادتها وايداعها فى المتحف القبطى.
فما هى تلك المخطوطات التى عُرفت فيما بعد بمخطوطات "نجع حمادى"، وما هى أهميتها؟
الحركات الدينية فى العالم الرومانى القديم
هذا ما يحدثنا عنه الأستاذ الدكتور "عبد الحليم نور الدين"- أستاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، ومستشار مكتبة الإسكندرية- قائلاً: تتكون تلك المخطوطات القبطية من (13) مجموعة من البردي القبطي، كانت ضمن مكتبة جماعة غنوسية في "صعيد مصر"، والغنوسية كلمة يونانية تعنى "المعرفة"، وهى مصطلح يستخدم أيضًا لوصف عدد من الحركات الدينية فى العالم الرومانى القديم، وتشمل الثلاثة عشر مخطوطة (48) كتابًا، وتمتد هذه المجموعة من نهاية القرن الثالث إلى بداية القرن الرابع الميلادي. وتحتوي هذه المخطوطات على الأناجيل، والكتابات الغنوسية، مما كان لها شأن عظيم في معرفة الغنوسية التي كانت آدابها مجهولة حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
كتابات أبو كريفا المنحولة
"هذه الوثائق المكتشفة لها أهمية كبرى فى دراسة الكتاب المقدس، ولكن هذا النشر يسير بصورة بطيئة للغاية، وإن كان يرجع الفضل إلى الدكتور "باهور لبيب" في نشر (158) ورقة منها، وذلك في سنة 1976 م".. هذا ما أكده الأستاذ الدكتور "عبد الحليم"، معربًا عن أن مكتبة "نجع حمادي" يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع، وهى كتابات مسيحية أبو كريفا (منحولة) مثل: "كتاب توما المجاهد"، و"رؤيا بطرس"، و"رؤيا بولس"، و"رؤيا يعقوب". أما النوع الثانى فهى عبارة عن مؤلفات غنوسية تحمل اسمًا مسيحيًا مثل: "حكمة يسوع، كتاب يوحنا السري"، بينما يشمل النوع الثالث إيحاءات وتفسيرات بدون أي أثر مسيحي ظاهر مثل: "رسالة أغنسطس الطوباوي"، "تفسير حول النفس"، و"حديث لذارادشت" .
اكتشاف إنجيل بشارة "يهوذا"
وأشار الدكتور "عبد الحليم" إلى أن عام 1970 شهد اكتشاف مخطوطة غنوسية أخرى كانت قابعة فى احدى كهوف الصحراء بالقرب من "بنى مزار" بـ"المنيا"، وقام باكتشافها أحد الفلاحين، وكانت هذه المخطوطة المكتوبة بالقبطية الصعيدية "الإنجيل بشارة يهوذا" تقع فى (13) ورقة، وقد وُجِدت مع عدة وثائق قبطية غنوسية أخرى هي: "رؤيا يعقوب"، "رسالة بطرس إلى فيلـﭙس".
والحقيقة أن هذا الفلاح أدرك قيمتها، وباعها لأحد التجار الذى لم يستطع التصرف بها إلى أن تمكن من بيعها عام 2000 لتاجرة آثار من "زيوريخ"، وبعد تلك الرحلة القاسية التى تعرضت لها تلك المخطوطة، والتى أدت إلى تعفنها وتكسيرها إلى ألف قطعة اتفق المصريون مع مؤسسة "ناشونال جيوجرافيك" ومعهد "ويت" للإكتشافات الأثرية على أن يبتاعا هذه النسخة بمليوني دولار تُدفع مناصفة بين المؤسستين؛ ليقوما بعدها بترميمها، وترجمتها، وإعادتها إلى وطنها الأصلي "مصر" .
إنجيل "يهوذا".. ليس نصًا مسيحيًا
وأوضح الأستاذ الدكتور "عبد الحليم" أن مؤسسة "ناشونال جيوجافيك" قد قامت فى عام 2006 م بنشر الترجمة الإنجليزية لمخطوطة الإنجيل الغنوسي القبطي "انجيل بشارة يهوذا"، والذى أصبح مادة مثيرة للجدل الدينى؛ لأنها تتعارض مع الإيمان المسيحي، حيث أن إنجيل "بشارة يهوذا الإسخريوطي" ليس نصًا مسيحيًا، فهو نسخة قبطية صعيدية لأصل يوناني مفقود من نص غنوسي، كما أكد الباحثون بالإجماع، بعد دراسة دقيقة للمخطوطة، أن نسخته القبطية الحالية كُتِبَت في نهاية القرن الثالث، أو بداية القرن الرابع الميلادي، في نفس الوقت الذي اعترف فيه الإمبراطور قسطنطين بالديانة المسيحية دينًا من ضمن أديان الإمبراطورية الرومانية الأخرى (مرسوم ميلان عام 313 م)، ودعا فيه لعقد المجمع المسكوني الأول في "نيقية".
المخطوطة تخالف الأناجيل القانونية الأربعة
وأشار الدكتور "عبد الحليم" إلى أن إنجيل بشارة "يهوذا" مشابه لبعض النصوص التي تم العثور عليها في "مصر" عام 1945 م في "نجع حمادي" م ، مؤكدًا أن مترجم هذا النص البروفسور "كاسير" قد أوضح أن هذه الوثيقة لا يوجد بها أي معلومة تاريخية جديدة عن "يهوذا" سوى تأويل غنوسي لاحق للأحداث، لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على الأناجيل الأربعة، كما أن نص المخطوطة لا يروي قصة يسوع المسيح المعتادة من حياته وأعماله وأقواله، بل أن هذه المخطوطة تخالف الأناجيل القانونية الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا) بالعهد الجديد، فهى من تأليف مجموعة من الأشخاص الذين حاولوا أن يقوموا بعمل مزيج خاطئ من الأساطير اليونانية، وأديان الشرق الأقصى، والمسيحية؛ ولهذا رفضت الكنيسة الأرثوذوكسية كتاباتهم .
http://www.copts-united.com/article.php?A=20940&I=520