عماد توماس
بقلم : عماد توماس
تحكى إحدى الروايات، عن مريضا هنديا ذهب إلى الطبيب للعلاج، وبعد إجراء الكشف عليه، أعطاه الطبيب روشتة علاج تحتوى على شريط "كبسول" يتكون من عشر كبسولات، قائلا له بصوت الواثق: خذ كبسولة صباح كل يوم وبعد أن تنتهي من تناول هذا العلاج خلال عشرة أيام ستتعافى بإذن الله.
اشترى المريض العلاج ورجع إلى بيته، تراءت له فكرة "جهنمية" : لماذا لا يتناول العشر كبسولات مرة واحدة، بدلا من الانتظار عشرة أيام واستمرار الألم هذه الفترة الطويلة، فكر قليلا ثم قرر أن يتناول العشرة كبسولات مرة واحدة!!
ساعات قليلة انتقل المريض إلى المستشفى يعانى من الألم الشديد في معدته، ولولا عناية الله لحدث له مكروها يتسبب في عدم عودته للحياة مرة أخرى.
***
لست أعلم إن كانت هذه الرواية حقيقية أم خيالية، لا يهم الأمر كثيرا، لكنها ذات دلالة مهمة.
يمكننا تشبيه المريض هنا بــ"مصر" ، فمصر مريضة وفى حالة إعياء شديد، تعانى من أمراض الصيف والشتاء، وتبدو المشكلة أكبر، لو كان الطبيب غير ماهر ووصف علاجا خاطئا، فربما يصاب المريض بما يسمى بــ"العاهة المستديمة" التي تلازمه طوال حياته، ويبدو أن مصر مصابه "بعاهة مستديمة" نتيجة تشخيصات خاطئة أحيانا، أو لعدم إتباع "روشتة" العلاج الصحيحة ، فتحتاج لسنين عديدة للتعافي والشفاء. مصر أدمنت الأطباء الكذوبين وترفض أي طبيب يبوح لها بحقيقة الداء، مثلما قال الشاعر اللبناني جبران خليل جبران عن الشرق!!
مصر لا تحتاج فقط للطبيب الماهر الذي يصف العلاج الصحيح، لكنها تحتاج لشعب يؤمن بقيم الديمقراطية والعدالة والحرية. فلا يمكن الحصول على الحرية والديمقراطية في يوما واحد أو جرعة واحدة مثلما فعل هذا المريض، فطريق الديمقراطية طويل يحتاج إلى الجهد والتكلفة والوقت.
***
في أحاديثنا اليومية إذا حاول احدهم خداعنا أو الضحك علينا نقول له "انت فاكرني هندي" وإذا قارنا بين حالنا في مصر وبين الهند، ستخزى النتائج الجبين، فالهند دولة نووية أجرت العديد من التجارب النووية، وتعتبر الهند من أسرع الدول في العالم نموا اقتصاديا، وهى الدولة الأكبر ثقافيا ولغويا وتاريخيا وعدد سكانها خمس عشر ضعف عدد سكان مصر، ولا نعتقد أنها تعانى من طوابير الخبز رغم الزيادة الهائلة للسكان.
يعزز الكاتب المبدع الدكتور خالد منتصر فى مقال له عن سر نهضة الهند إلى التعليم ، "فتحول الهندى من ركوب الأفيال إلى ركوب الفضاء ، صارت الهند تشجع طلابها على الاختراع وليس فقط على مجرد إكمال الدراسة والحصول على الشهادة، فمن بين خمسة أقمار صناعية أطلقتها الهند منذ أقل من شهر هناك قمر صناعى صممه طلاب كلية الهندسة وهو قمر «ستودسات» الذى حمل توقيع طلاب فى العشرينيات".
***
في محاضرته بمكتبة الإسكندرية ، قال العالم الجليل الدكتور أحمد زويل إن النهضة في بلادنا في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية يمكن أن تتحقق في فترة تتراوح من ١٠ إلى ٢٠ عاما، مستشهدا بدول مثل الولايات المتحدة واليابان، وتايوان، الذين استطاعوا في وقت قياسي تحقيق تقدم مذهل في مجالات العلم والتكنولوجيا. لست متفائلا برأى عالمنا الكبير ، فالواقع لدينا في مصر يختلف جذريا عن هذه الدول، التي تعتمد على أمانة ودقة البحث العلمي والفكر الحديث، وليس "الفهلوة" المصرية، والتلخيص المخل بالمضمون، والعامية البعيدة عن التخصص، والدليل حصوله على جائزة "نوبل" نتيجة أبحاثه بالولايات المتحدة الأمريكية وليس من مصر. بالإضافة إلى إن عادة الشعوب المتخلفة والتي نطلق عليها تأدبا "النامية" عملية التغيير تحتاج لسنوات عديدة، وليس مثلما فعل المريض الهندي.
***
مخطئ من يظن إن عملية التحول الديمقراطي، يمكن إن تحدث في لحظة أو أيام معدودة، أو أن الحصول على الديمقراطية يتم بطريقة " أضغط على الزر" فنصبح عندئذ ديمقراطيين
طريق التحول الديمقراطي، طويل، ويحتاج لمزيد من دفع الثمن، ولأشخاص مستعدون لبذل الغالي والنفيس من أجل التحول الديمقراطي، الديمقراطية تبدأ من المنزل والمدرسة ودور العبادة. لن يحدث تحول ديمقراطي إلا عندما يؤمن رب الأسرة بحق ابنته أو زوجته في العمل والدراسة، لن يحدث تحول ديمقراطي إلا عندما تقوم المدرسة بحث التلاميذ على الابتكار والإبداع بعيدا عن الحفظ والتلقين، لن يحدث تحول ديمقراطي إلا عندما يؤمن رجل الدين بان لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأن التنوع سمة من سمات الكون.
***
في سلسلة مقالاته البديعة عن "رباعية الديمقراطية "طرح المفكر الكبير الدكتور مراد وهبه أربعة مكونات لازمة لتحديد مسار الديمقراطية وتأسيسها وهى : العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير والليبرالية، معتبرا انه من دون هذا المسار تتحول الديمقراطية إلي مجرد وهم !!
نعم، بدون هذه الرباعية لن يكون هناك ديمقراطية حقيقة، لا ديمقراطية بدون علمانية وتنوير، المعرفة الثقافية هى أساس التغيير الداخلي للشعوب، بدون أن يرتقى الإنسان ويرتفع وعيه الإنسانى والثقافى فلا أمل في اى تغيير.
***
يبدو سؤال منطقيا مطروحا : هل يمكن فرض قيم الديمقراطية في العالم العربي بالضغط الخارجي أم أن النظام السلطوي المستبد يمنع اى تحول ديميقراطى ويقف أمامه؟
رأيي الشخصي، إن عملية التحول الديمقراطي لا يمكن إن تتم بدون إرادة سياسية وإرادة مجتمعية. فهل شعوبنا العربية راغبة في الديمقراطية ولديها استعداد لدفع تكلفتها؟ أم تكتفي بدور النضال الافتراضي عبر الانترنت؟
التحول الديمقراطي القادم من الغرب، لن ينجح في بلادنا العربية، فلدينا ميراث من الغضب والسخط على الغرب، لا يمكن فرض قيم الديمقراطية عن طريق إغراءات اقتصادية أو معونات مادية أو منح تدريبية، "فما في القلب في القلب" لا يمكن تغييره قبل تغيير الذهن.
تخبرنا بعض الخبرات التاريخية إن التحول الديمقراطي في دولة مثل الهند حدث تحت سلطة الاحتلال البريطاني، وهو النموذج الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تطبيقه في العراق عن طريق الانتخابات، ورغم إننا لا يمكن اختزال الديمقراطية في صناديق الانتخابات ، إلا أنها آلية من آليات تطبيق الديمقراطية. قد تحدث عملية التحول الديمقراطي عن طريق ثورة شعبية مثلما حدث في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن أن تحدث عملية التحول الديمقراطي نتيجة تغيير في رأس الأنظمة والانتقال إلى مرحلة جديدة من تداول السلطة، وهى مرحلة تحدث في العالم العربي كل عشرات السنين. لكن يظل طريق التحول معتمدا على إرادة الشعوب فى النضال نحو الحصول على حريتها.
***
في تصريحات صحفية قال رئيس الوزراء المصرى احمد نظيف في عام 2005، إن الشعب المصري غير مستعد للديمقراطية، وهو قول يتجاهل تاريخ عريق لمصر ويستخف بالمواطنين المصريين ، فالديمقراطية ليست هبه من النظام يعطيها للشعب، أو منحة يمن بها الحاكم على المحكومين، لكنها فريضة سياسية وضرورة مجتمعية ، فالشعب المصري كان لديه حكم ديمقراطي في النصف الأول من القرن العشرين.
***
لا يمكن أن نقلل من قيمة الدور الذي يقوم به الإعلام الجديد من خلال الشبكات الاجتماعية وأهمها الفيس بوك والتويتر والتي كانت سببا في حشد الجماهير للتظاهر السلمي في قضية الشاب خالد سعيد، مما أدى إلى تعقب المتهمين وتقديمهم للمحاكمة.
خلاصة القول، طريق التحول الديمقراطي في مصر، يبدو طويلا ويحتاج لجهود كبيرة على مستوى القاعدة (المجتمع) و النخبة (المثقفين).
http://www.copts-united.com/article.php?A=20862&I=518