23 يوليو دمرت مصر أم الدنيا
بقلم: سامى البحيري
من أجمل النكت القديمة والتى أتذكرها دائما فى ذكرى 23 يوليو عام 1952، هو أن مقدمة برنامج على الناصية آمال فهمى إقتربت من أحد المواطنين وقالت له: إحنا دلوقت بنحتفل بذكرى "ثورة" 23 يوليو، ياترى تقدر تقول لنا رأيك فى الثورة؟ فقال المواطن: الثورة دى حاجة عظيمة جدا، ياريت نعمل واحدة كمان؟
أما آن للمصريين أن يبدأوا بالإحتفال بيوم 23 يوليو الإحتفال اللائق وذلك بتنكيس الأعلام وتوزيع الكحك على الفقراء فى القرافة (المقابر) وقراءة الفاتحة على أرواح ضحايا هذا اليوم ومغامرات نظام حكم 23 يوليو من مغامرات فاشلة وتعذيب فى السجون وهزائم كاسحة لا مثيل لها فى التاريخ الحديث والقديم، هزائم أضاعت القدس والبقية الباقية من فلسطين وأضاعت كرامة شعب.
وحتى لا أتهم بأننى من الحاقدين على الثورة لأسباب شخصية، أود أن أقول أن أسرتنا لم تملك فى حياتها أى شئ لا أرض ولا بيت ولا سيارة ولا مصنع أو بنك أو حتى معزة، لذلك لم تأخذ منا "ثورة" 23 يوليو أى شئ (إيش تاخد الريح من البلاط).
وتعالوا نعمل مقارنة بسيطة بين يوم 23 يوليو عام 1952 وبين يوم 23 يوليو عام 2010 (بعد حوالى 60 عاما):
أولا: التعليم: التعليم المتميز هو ما يفرق بين الأفراد وبين الشعوب، التعليم فى مصر كان قبلة لكل العرب والجامعات والمدارس المصرية كانت منارة للمنطقة كلها، كل الأجيال قبل 1952 كانت تدخل المدارس الحكومية، وكان يدخل المدارس الخاصة أفشل التلاميذ والذين لم يتحصلوا على الدرجات العالية والتى تؤهلهم لدخول المدارس الحكومية، اما الآن فإن المدارس الحكومية أصبحت سبة ولا توجد أسرة مصرية متوسطة أو فوق المتوسطة أو تحت المتوسطة ترسل بناتها وأبنائها إلى المدارس الحكومية، وأسألوا كل أعضاء مجلس الشعب وأعضاء الحكومة إن كانوا يرسلون ذويهم إلى المدارس الحكومية والتى أصبحت مثل مزارع الدواجن لتخريج ملايين من الشباب كل سنة إلى مذبح ومسلخ البطالة، أما إسطورة التعليم المجانى فحدث عنها ولا حرج والتى أصبحت بسببها الدروس الخصوصية العبء الأكبر لكل أسرة مصرية لديها تلاميذ إبتداء من سن الحضانة وحتى طلبة كلية الطب، بإختصار أصبح التعليم فى مصر أضحوكة كبيرة وأصبحت البلاد حولنا تشك كثيرا فى كفاءة خريجى الجامعات المصرية، وبدون إصلاح حقيقى للتعليم الحكومى فقل على البلد السلام والرحمة،
ثانيا: الإقتصاد: قامت "ثورة" 23 يوليو بتطفيش الأجانب واليهود من مصر (وكانوا عصب الإقتصاد المصرى) فى الخمسينيات والستينيات بدون أن يكون هناك بديلا، ثم إخترعت بديلا فاسدا ولد هزيلا ومات هزيلا أسمته القطاع العام رجع بمصر عقودا من الزمان، ثم عادت مصر بعد خراب مالطة بإستجداء المستثمرين الأجانب للعودة إليها، طيب ما كانوا عندنا من زمان!!
كانت فى يوم 23 يوليو 1952 ودائع وسندات فى بنوك إنجلترا تقدر ب 500 مليون جنيه إسترلينى (يعنى بفلوس الأيام يمكن تقديرها ب 50 مليار جنيه إسترلينى)، اليوم مصر مدينة لطوب الأرض بما يعادل هذا المبلغ تقريبا (طوب الأرض يشمل الدين الداخلى).
مصر فى 23 يوليو 1952 كانت سلة غذاء المنطقة واليوم مصر تستورد معظم خبزها من أمريكا شحاتة!!
مصر وحتى 23 يوليو عام 1952 كانت قبلة المهاجرين فى البحر المتوسط من إيطاليا واليونان وقبرص والأرمن والشراكسة وألاوزبك وغيرهم كانوا يحضرون للعمل فى كل المجالات إبتداء من جرسونات المطاعم وحتى إنشاء البنوك ومرورا بمحلات البقالة، وكونوا نسيجا جميلا مع باقى الشعب المصرى، والآن الشباب المصرى يغرق فى عرض البحر محاولا الهجرة غير الشرعية إلى اليونان وإيطاليا، وآخرين يغرقون فى عبارة طلبا للرزق عبر البحر الأحمر، وأنا أعرف أسرا مصرية غنية كانت تستقدم مربيات من سويسرا لتنشئة الأولاد والبنات، والآن وزيرة العمل المصرية قامت بزيارة بلاد الخليج لإستجداءفرص عمل للخادمات المصريات بعد أن أثبتت بنات الفليبين وإندونيسيا تفوقا ساحقا على المصريات، يعنى رضينا بالهم والهم مش راضى بينا،
ثالثا: النواحى الإجتماعية: هل نتحدث عن الفساد أم عن الرشوة أم عن أنواع جديدة من الجرائم دخيلة على الشعب المصرى أم عن إنعدام القانون تماما حتى أنه أصبح فى أجازة، لقد جاءت "ثورة" 23 يوليو لتطهير البلد من الرشوة والفساد، فجاءت بأجيال أكثر فسادا حتى أن فسدة الماضى يعتبروا ملائكة بالنسبة لفسدة الحاضر، وأصبح الفساد أكبر مؤسسة فى البلد وليس إستثناء،
هل نتكلم عن التسامح الدينى قبل 23 يوليو تلك الحركة "المباركة" والتى جاءت ليست على ظهر دبابة فحسب ولكنها جاءت على ظهر دبابة وهى تلبس عباءة الإخوان المسلمين، فالضباط الأحرار كان معظمهم منضم إلى جماعة الإخوان ولم يكن بينهم مسيحى واحد! فى الوقت الذى كان مسيحى يقوم برئاسة الوزارة ويهودي يرأس وزارة المالية وذلك بالطبع قبل 23 يوليو 1952،
والحقيقة لو قمت بالإستمرار فى ذكر ماقامت به تلك الحركة "المباركة" فى هدم مصر أم الدنيا لأخذت أكتب حتى 23 يوليو عام 2014 (موعد كأس العالم بالبرازيل!!)، (والله مش عارف لو الحركة ما كنتش مباركة كان إيه إللى حصل أكثر من كده)، وأخطر ما هدمته 23 يوليو هو هدم المواطن المصرى من الداخل، وأصبح مهزوما مهموما ينتظر الفرج من الحكومة فى كل شئ،
وأنا لا أبرأ هذا الشعب الغلبان فهو الذى هتف لزعماء الحركة "المباركة" ورفعهم إلى مراتب الآلهة، وكما قال نجيب محفوظ فى رواية الكرنك (كلنا مجرمون وكلنا ضحايا)،
…
طيب ما العمل الآن هل نظل نبكى على اللبن المسكوب وهل نظل نجلد الذات فى كل سنة عندما نحتفل بهذه الحركة "المباركة"
والحقيقة أن الطريق واضح ولكن شاق وطويل ووعر أيضا:
(1) التعليم.. التعليم... التعليم ولن أزيد، ممكن أن نذهب لليابان أو ألمانيا أو أمريكا وننقل مناهجهم العلمية ونعود بها ونطبقها حرفيا بدون أى فذلكة، كل الناس فى مصر تريد أن تدخل أولادها مدارس أجنبية، فلماذا لا ننقل تلك المناهج ونقوم بتعريبها أو حتى بدون تعريبها ونجعل من كل مدارسنا مدارس لغات (واللى عاوز يتكلم عربى يتكلم فى البيت).
(2) التسامح وبس مش حأقول أكثر من كده، ماالذى جعل رجل سويسرى وزجته يحضران إلى الإسكندرية فى الأربعينيات ويقومان بإفتتاح بنسيون سويسرى هناك، إلا إذا كان الجو العام يرحب بهم وبلد أمان وبلد فيها فلوس، حتى الآن الأخوة فى بلاد بر الشام ولبنان يقولون: "وين مصرياتك" يعنى أين نقودك!!
(3) تبادل السلطة: بلاش ديموقراطية فى المرحلة الحالية، خليها تبادل سلطة وبعدين الديموقراطية حتيجها لوحدها، ليس من المعقول أن متوسط من فى السلطة يقترب من 80 عاما وكأنه لا يوجد شباب فى تلك البلد، إن تمسك الجالسون على الكراسى بها سوف يحولها إلى كراسى متحركة على عجل، مش معقول ألم تسمعوا عن سن المعاش أو عن الإستجمام والتمتع بالحياة بعد العمل الشاق، أنا عارف أنكم تحبوننا ولا تقدروا على بعادنا وترجون أن تسلموا علينا صباح مساء ولكن "كتر السلام يقل المعرفة".
(4) التنمية وتحديد النسل: لا يمكن فصل التنمية عن تحديد النسل، لأن القنبلة السكانية تأكل كل موارد التنمية.
لو حققنا تلك المطالب الأربعة فى خلال ربع القرن القادم، أعتقد أننا ممكن أن نلحق بركب العالم ولو فى السبنسة!!وبمناسبة 23 يوليو : تعيشوا وتفتكروا، ولا أراكم الله مكروها فى عزيز لديكم!!
samybehiri@aol.com
نقلاً عن إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=20655&I=512