د. مينا ملاك عازر
بقلم: مينا ملاك عازر
قرأت مقالاً عن المتآمرين على ثورة يوليو، فقررت أن أكتب وأرد، رغم أنني كنت قد قررت الإمتناع عن الحديث عن أي شيء يتعلق بـ"ناصر"؛ لعنف مريديه، ومشايعيه، وأدائهم اللفظي العنيف، ورفضهم لنقده، وتأليههم إياه، وديكتاتوريتهم التي فاقت كل حد؟!.
ولا تنسوا أن الديكتاتورية كانت من الأسباب التي قال رجال الثورة إنها قامت للقضاء عليها، ولما العجلة دارت مع ثوار يوليو، مارسوها ضد كل من يعارضه، أو يقول شيئًا يسيء له، وكأن "ناصر" أُنزَل!.
المقالة التي قرأتها كانت تدور حول تآمر أعداء ثورة يوليو عليها، وأشارت أن هناك من زيّف التاريخ، وعند هذه الكلمة قررت الرد، ودعونا نبدأ بتساؤل بريء: إن كان هناك من زيّف تاريخ ثورة يوليو، فماذا فعلت ثورة يوليو نفسها؟ ولأوضّح سؤالي إليكم ما يلي:
لم تبدأ ثورة يوليو باسم ثورة، بل قال "السادات" في بيانها الأول: إنها حركة قام بها الجيش، ولكن مؤرخي ثورة يوليو أرادوا التزييف فأسموها ثورة، ولم يكتفوا بذلك، بل أضافوا للجيش الشعب، وكأن الثورة التي هي في الأصل ليست ثورة، قام بها الجيش والشعب معًا.
وأنا لن أنفي ذلك أو أؤكده، لكن لنا فقط العودة للبيان الأول للحركة المباركة، هل أتى فيها ذكر الشعب؟ "السادات" قال: إنها حركة قام بها رجال منا؛ لإصلاح أمور داخل الجيش، إذن من الذي زيّف التاريخ؟
ولن أقف عند هذه الأمور البسيطة، والتي تحمل في طياتها الكثير من المعاني العظيمة، وسننتقل لنقطة ثانية في التزييف.
قالت ثورة يوليو إنها قامت لإقامة حياة ديموقراطية سليمة، والسؤال: هل الحياة قبل الثورة لم تكن ديموقراطية؟ وفيها تم الإطاحة برئيس وزراء في الإنتخابات النيابية التي تشرف حكومته عليها؟ أليس هذا مؤشر للديموقراطية السليمة؟ هل وصول الوفد صاحب الشعبية الكاسحة لسدة الحكم في كل انتخابات نزيهة تجرى دون تدخل من الملك، لا يعكس أنها كانت حياة ديموقراطية سليمة؟
دعك من هذا، فأراك تشير لتدخل الملك في بعض الإنتخابات، لكونه نوعًا من أنواع الإساءة للحياة الديموقراطية. لكن السؤال الحقيقي أين الحياة الديموقراطية السليمة التي وعدت بها الثورة؟
أول شيء ألغت الأحزاب، فكيف يكون هناك انتخابات؟ وبالتالي كيف يكون هناك تداول للسلطات؟ وبالتالي كيف يكون هناك حياة ديموقراطية سليمة؟!!
دعك من هذا، قالوا إنهم سينفذون الإصلاح الزراعي، وإنهم أول من فعل ذلك، ونسوا أن الملك "فاروق" هو أول من وزع أراضيه الزراعية على فلاحيه.
للآن أنا لم أعرف من الذي زيّف التاريخ؟ ولكن سأسوق لك الآن مثالاً صارخًا على تزييف التاريخ، حضراتكم تعرفون أن عيد الجلاء هو يوم 18/6 من كل عام، مع أن عيد الجلاء الحقيقي هو 11/6 ذكرى خروج آخر جندي إنجليزي من مصر.
أراك تسألني إذن من أين جاء 18/6؟ تأتيك الإجابة ببساطة أن 18/6 ذكرى إقامة الجمهورية، حيث أعلن الرئيس "نجيب" قيام الجمهورية يوم 18/6/1953، ولكن "ناصر" في إطار محوه لذكرى "نجيب"؛ قرر أن يحتفل بعيد الجلاء في 18/6 لينسى الناس عيد إعلان الجمهورية ومعلنها.
وعلى ذكر معلنها الراجل البسيط الذي وُضِعَ في وش المدفع، ولم ينل في النهاية إلا جزاء سنمار- أقصد اللواء "محمد نجيب"- دعني أسألك: من أول رئيس جمهورية لـ"مصر"؟ ستقول لي "محمد نجيب"، أقول لك: أنت تعرف هذا الآن لكن في وقتها قام رجال الثورة بتظبيط التاريخ، وقالوا أن أول رئيس لـ"مصر" هو "ناصر"، ولما تُضيّق عليهم الخناق، يقولون لك: نقصد أول رئيس مصري، مع أن "محمد نجيب" رئيس مصري.
وحتى لو سلمنا بأنه لم يكن مصريًا، وهذا تسليم جدلي ليس أكثر، لماذا قبل ثوار يوليو لمدة أكثر من سنتين- هي مدة رئاسة "نجيب"، وقيادته للبلاد، سواء كان رئيس للجمهورية أو من قبلها رئيس لمجلس قيادة الثورة- لماذا قبل ثوار يوليو بأن شخص ليس مصري يسوس البلاد؟! وأين كانت هذه التهمة كل هذه الفترة؟!.
دعوكم من هذا كله، ولنا أن نسأل من الذي قال أن "مصر" كان وضعها الإقتصادي سيئ قبل الثورة، مع أن "أمريكا" و"إنجلترا" كانتا مديونتان لـ"مصر" حتى أنهما لما قام "ناصر" بتأميم قناة السويس، كانت من العقوبات التي فرضوها علينا أنهم جمدوا أرصدتنا في بنوكهما.
والسؤال الأخطر: ما هو الوضع الإقتصادي الذي آلت إليه "مصر" بعد ثورة يوليو بسنوات؟ هل صار أفضل كما وعدت الثورة في بداية قيامها؟!.
وننتقل الآن للحقيقة الجديدة، من الذي زيّف التاريخ، وأشاع شائعة الأسلحة الفاسدة، مستغلاً القضية التي أُثيرت أيام الملك، وتم التحقيق فيها ولم تثبت الإدانة على أحد، مع العلم أن الملك لم يجرؤ التدخل في سير التحقيقات، بمعني أنها كانت تحقيقات نزيهة بجد؟!
دعونا نسأل: لما أتى رجال الثورة للحكم لماذا لم يقيموا تحقيقات تحت إشرافهم ليدينوا أحد؟؟ وإن أدانوا أحد هل تضمنون لنا نزاهة هذه التحقيقات التي تجري تحت سلطة رجال يريدون إشاعة ذلك؟!.
وأخيرًا وليس بآخر، نتساءل من الذي بذر في قلوب وعقول الشعب المصري بذور نظرية التآمر غير ثورة يوليو، التي أوهمت الشعب المصري أن "أمريكا" و"إنجلترا" و"فرنسا" والكل كليلة، يتآمرون عليهم، ويكرهونهم، ويحاولون هدم حضارتهم التي لم نر منها سوى مصانع الحديد والصلب، والسد العالي.
أما عن مصانع غزل المحلة، فهي لم تكن من ثمار الثورة كما أشاعوا، وإنما انهيارها وترديها هو الذي من ثمار الثورة، فمصانع غزل المحلة من ثمار "طلعت باشا حرب" مثلها في ذلك مثل "بنك مصر"، وللأسف لم تترك لنا الثورة، ولم تقدّم لنا سوى تعليم متدهور، ومصانع حالها يرثي له العدو، وأراضي زراعية محصولها من القطن طويل التيلة الذي كنا نتميز به مديون للسوفيت لسد نفقات حروب كثيرة، مثل حرب "اليمن"، وفضيحة يونيو 1967، التي أثبتت لنا كذب وبهتان ما قالته وأدعته ثورة يوليو حين قامت، وقالت: إن من أهدافها قيام جيش وطني قوي. أنا لا أنكر قوة الجيش، حيث كان لديه السلاح، لكن لم يكن لديه القيادة الرشيدة التي تحسن توجيهه فخسرنا جيشنا وخيرة جنودنا، والآن بعد هذه الأمثلة التي سأكتفي بها تُرى في رأيكم من الذي زيّف التاريخ؟!.
http://www.copts-united.com/article.php?A=20551&I=510