سامى دياب
بقلم. سامي دياب
أيـًا كانت محصلة الثورات التي تحدث فهي غير كافية، إن لم يكن هناك تغيير إيجابي حقيقي، إذ أن الثورات تتطلب تغييرًا جذريـًا في بنية المجتمعات وتوجهاتها، والتخوفات لدينا في مصر أن لا يكون التغيير المأمول جذري وشامل، ويشمل القشرة الفوقية للسلطة، وتستمر البطانة التي تتملق كل الأزمنة والأمكنة تمثل نوعًا من السلطه غير المباشرة، أو ظهور قوى غير قادرة على التعايش مع الواقع والتطورات الدولية.
فالتجربة الإيرانيه خير شاهد عيان على تمدد قوى تعيق عملية التحرر الكامل للشعوب؛ بالرغم من أن الثورة الإيرانية أحدثت تطورًا نوعيًا في حياة المواطن الإيراني، إلا أنها خلقت عدم استقرار في محيط دولة إيران، وحولتها إلى خطر يهدد شعوب المنطقه -الوطن العربي- وأدى ذلك إلى نشوب الحرب العراقية الإيرانية التي قُتل فيها أكثر من مليون ونصف المليون إنسان من الجانبيين، وتلك التجارب تجعلنا حريصين على أن التغيير كامل، ويشارك به كل أبناء الشعب، وذو قدرة على صناعة حرية شاملة للمجتمع بكل ألوان طيفه.
وقد حدثت عدة تجارب فريدة في عدة دول في السنوات الأخيرة نود أن نسترشد بها عن التجارب المُثلي، بالرغم من أنه مع قيام هذه الثورات ما زال الطريق طويلاً وشاقـًا أمام فكر النخبه السياسية؛ لتستطيع أن تكرس ثقافة اللاعنف والسلم عند القيام بثورة ما، وتكون الضابط المانع لكبح جماح القوى التخريبية أثناء الثورة، وخصوصًا في وقت تعمل آلة القتل على إسقاط المنظومة الفكرية الإنسانية التي تخلق الثقافة والفكر.
الثورة المخملية مفهوم جديد ظهر في العقود الأخيرة، وبرز في الأيام الأخيرة مع اتهام الحكومة الإيرانية للدول الغربية بالتخطيط لثورة مخملية في إيران؛ تهدف إلى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية عبر تحرك شعبي في الشوارع.
ويرى البعض أن الثورة المخملية بدأت مع بداية عهد جديد في مرحلة ما بعد الاشتراكية السوفيتية وتدشين مرحلة النظام العالمي الجديد والعولمة، حيث أحدثت سلسلة من الثورات المخملية نشرًا للديمقراطية حول العالم على مدى أكثر من ثلاثين عامًا.
"مصطلح الثورة المخملية": برز اسم الثورة المخملية في مطلع التسعينيات، عندما استطاع المجتمع المدني في أوروبا الشرقية والوسطى تنظيم اعتصامات سلمية للإطاحة بالأنظمة الشمولية، وسُميت الثورة المخملية أو الثورة الناعمة؛ وذلك لعدم تلوثها بالدم واستخدام العنف، مما دعم هذه التحركات.
"مفهوم المجتمع المدني": ووضحت أهميته في رسم السياسات الخارجية والداخلية لهذه الشعوب، دون حصرها في إطار حكومي، حتى أصبح دور المجتمع المدني كبيرًا في مقاومة الاستبداد والطغيان من خلال الفعاليات السلمية.
ونجد أن الثورات المخملية حدثت في كثير من البلدان، ففي "جورجيا وصربيا وأوكرانيا وروسيا ولبنان"، حيث سعت كل دولة منهم لإيجاد نظام تعددي ديمقراطي، بيد أن هذه الثورات كلفت أصحابها كثيرًا، حيث أن إعداد السكان سياسيًا واقتصاديًا وتهيئة النفوس للإطاحة بالحكم.
ففي "تشيكوسلوفاكيا" دلت الثورة المخملية على قوة إرادة الشعب التشيكي الذي بقي تحت سيطرة حكم شيوعي قاهر لأكثر من 40 عامًا, حتى تخلص فيما بعد منه، فقد كانت قبضة الحكم الشيوعي مُحكمة حتى عام 1989، عندما أصبحت الحركة الشعبية المعارضة قوية، وخلال الفترة بين 1977 حتى عام 1992, سُمِّيت هذه الحركة بـ "عَقْد الـ 77"، نسبةً لوثيقة أصدرها نفس الحزب عام 77، والتي تم توزيعها ذلك العام في تشيكوسلوفاكيا، في نهاية عام1980.
ومع تراجع شعبية الشيوعية الشرقية وجد أعضاء حركة الـ 77 فرصة مهمة؛ فقاموا بتنظيم قوى المعارضة ضد النظام الشيوعي الحاكم، حيث شاركت قوى فاعلة لتغيير الحكم من الشيوعية إلى الديمقراطية حتى قامت الثورة المخملية بين 16 نوفمبر و29 ديسمبر 89، وذلك بعد تنظيم المظاهرات الطلابية التي قوبلت بالرد العنيف من قوى الأمن، وغيرها من الفعاليات.
أما في عام 1993 فقد تم تقسيم الدولة إلى "تشيك" و"سلوفاكيا"، ويسمي التشيك الثورة بالمخملية بينما السلوفاك يسمونها بالناعمة، وأحيانـًا يُطلق على التقسيم اسم "الطلاق المخملي".
أما في "أوكرانيا" فنجد أن الأوكرانيين قاموا وحدهم بالثورة بمساعدة بسيطة من اصدقائهم الغربيين؛ وقد دخل انتصار الثورة -التي أُطلق عليها "البرتقالية" في اوكرانيا، والتي أطلق الليبراليون الروس عليها اسمًا آخرًا أكثر واقعية هو "الثورة المخملية"؛ لأنها كانت مثالاً يعطي الجماهير الأوكرانية شرعية عن الطريق السلمي للوصول إلى أهدافها.
ففي "روسيا" شكلت الثورة المخملية أساسًا للعمل الجماهيري السلمي الذي أقلق الروس وأقلق الكثير من الأنظمة، حيث دعم "الكرملين" مجموعات شبابية لمنع قيام ثورة مخملية.
أما في "إيران" فقد عبّر مرشد الثورة السيد "خامنئي" عن قلق النظام في إيران من مصير يشبه ما أحدثته الثورات المخملية في أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، فيما أكد النائب الأول للرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" الدكتور "براويز داودي" أن مؤامرة الاستكبار وقوى الغطرسة العالمية للتحضير بما أسماه الثورة المخملية في إيران خطأ تاريخي عظيم؛ قد اصطدمت بمشاركة ودور الشعب الإيراني في الثورة الإسلامية مما أدى إلى فشلها.
وقال "مهدي شمران" -رئيس مجلس بلدية طهران، والمحافظ النافذ لصحيفة "همشري"- أن المشاركة الفريدة من نوعها في ملحمة "انتخابات" 12 حزيران/ يونيو أظهرت أن شعار التغيير الذي رفعه الرئيس الأميركي "باراك أوباما" لا مكان له بين شعبنا.
وأضاف أن هوية إيران لا تسمح باستنساخ أعمى؛ فالثورات المخملية والملونة لا تجدي نفعا لدى شعبنا، واتهم وزير الخارجية الإيراني بريطانيا بلعب دور المخرب في الأحداث التي تشهدها إيران وقال: "إن الغربيين يحاولون فرض شروطهم ومواصفاتهم في الديمقراطية على البلدان الأخرى، ممشيرًا إلى أن الثورات الملونة أو المخملية يجب تحليلها من قبل الخبراء لمعرفة مَن يقف وراءها.
مضيفـَا أن هناك دولاً في العالم إذا لم تصل إلى أهدافها تتخذ أسلوب التصفية.
وقال الكاتب والصحافي "روبرت فيسك" في مقال له في صحيفة "الاندبندنت" البريطانية محللاً خوف السلطات الإيرانية من ثورة مخملية في ايران: خلال خطبته لصلاة الجمعة في جامعة طهران، أتى "خامنئي" على ذكر مخاطر ثورة مخملية، ومن الواضح أن القلق كان يساوره عند التفكير في الإطاحة بشكل ديمقراطي بحكومات شرق أوروبية وغرب آسيوية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
ويضيف "فيسك" أن الثورات المخملية أو الملونة هي وسائل لتداول السلطة من خلال اضطراب اجتماعي، وحدثت ثورات ملونة ومخملية في مجتمعات ما بعد الشيوعية في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا، ويرى "فيسك" أن المبادرة إلى ثورات ملونة كانت تتم عادة عن طريق الانتخابات ووسائلها هي كالتالي :
- يأس كامل يصيب نفسية الناس عندما يكونون متأكدين من خسارتهم في الانتخابات.
- اختيار لون خاص يجري اختياره فقط ليتفاعل معه الإعلام الغربي، واستخدم "موسوي الأخضر" كلون لحملته الانتخابية، وما يزال أنصاره يرتدون هذا اللون على أربطة الرسغ ومناديل الرأس.
- الإعلان عن أنه كان هناك غش مسبق قبل الانتخابات وتكرار ذلك بلا توقف بعدالانتخابات، والتساهل في نشر المبالغات عن ذلك من جانب الإعلام الغربي، خاصة في الولايات المتحدة.
- كتابة رسائل إلى المسؤولين في الحكومات، والإدعاء بحدوث تزوير في الانتخابات.
ومن المثير للاهتمام أنه في جميع هذه المشاريع الملونة -على سبيل المثال في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان- فإن الحركات المدعومة من الغرب كانت تحذر من الاحتيال قبل الانتخابات عن طريق الكتابة إلى الحكومات القائمة، وفي إيران الإسلامية كُتبت مثل هذه الرسائل فعلاً إلى المرشد الأعلى، كما ينقل "فيسك" ذلك في "الاندبندنت".
مَن يدعم الثورات الملونة؟
ويتهم البعض "جورج سوروس" (1930) بدعم الثورات الملونة، وهو رجل أعمال أمريكي من أصل يهودي، ورجل البورصة الأمريكي الذي يعتلي المرتبة الـ 99 في قائمة أغنى رجل في العالم، وتزيد ثروته على تسعة مليار دولار.
وظهر اسم "سوروس" أيضًا في دعم ما أطلق عليه "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا، التي نجحت في تنصيب "فيكتور يوشنكو" -الحائز علي لقب "إصلاحي" وفق التعريف الأمريكي- وكان ضمن أعضاء المجلس الاستشاري لمنظمة "المركز الدولي للدراسات السياسية" الممولة من قبل الحكومة الأمريكية عبر "مبادرة التعاون بين بولندا وأمريكا وأوكرانيا"، وهي مؤسسة تدعمها الوكالة الأمريكية للتنمية وتشرف عليها مؤسسة "فريدوم هاوس"، التي تقدم المنح للنشطاء.
واتهم الرئيس الجورجي المخلوع "إدوارد شيفارنادزة" رجل الأعمال الأمريكي ورئيس مؤسسة "المجتمع المفتوح" "جورج سوروس" بتقديم دعم مالي للجهات المناوئة له التي أجبرته على التنحي من منصبه، وقال "شيفرنادزة" -في لقاء مع التليفزيون الروسي- أن مخطط إقالته أعد له وعمل على تنفيذه بعناية فائقة "سوروس" نفسه.
وأضاف أن "سوروس" أعد خطة شاملة لإجراء انتخابات مبكرة ودعم فوز أشخاص جدد؛ سواء في منصب الرئاسة أو البرلمان، وأنه لم يبخل بالمال اللازم لتنفيذ مشروعه الذي وصفه بأنه "شبيه بالسيناريو اليوغوسلافي".
وكانت قوى المعارضة الجورجية قد أجبرت "شيفاردنادزة" -تحت ضغط جماهيري وصفته بثورة الورود أو الثورة المخملية- على التخلي عن منصبه وتقديم استقالته.
ومن خلال ما ذُكر نفهم أن الثورة المخملية كمصطلح مختلف عليه بين أن يكون حركة شعبية مدعومة من الخارج، أو حركة شعبية داخلية تهدف إلى إحداث تغيير جذري سلمي يحقق مطالب الشعب.
http://www.copts-united.com/article.php?A=20518&I=509