فقراء جنوب إفريقيا يودعون المونديال بـ"أوجاع" و"آمال"

العربية.نت - كتب:سمير محمود

بعضهم قال: كان الأجدى بناء مدارس وليس ملاعب
وأخيراً انتهت أفراح "المونديال الإفريقي" بعد شهر كامل تحولت فيه أنظار شعوب العالم إلى هذا العرس الكروي الذى أقامته بجدارة واحدة من أجمل وأغنى بلاد القارة السمراء.

ورغم ما قيل عن المتعة المفقودة فى أغلب مباريات كأس العالم 2010، ورغم ما تردد عن الكرة "جوبلاني" الأسوأ فى تاريخ اللعبة، ليس فقط بشهادة عمالقة الساحرة المستديرة، ولكن بحسابات وكالة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا)، التى دست أنفها فى الموضوع وراحت تدرس وتحلل الكرة وأبعادها وسرعتها لتؤكد أن مبتكرها الألماني لم يلعب الكرة أبداً فى حياته.

أسدل الستار على مليارات الراندات -عملة جنوب إفريقيا- التي أنفقت على البنية التحتية وشبكة الطرق و10 "استادات" تضارع أروع ملاعب الكرة فى العالم، وعلى راسها استاد "سوكر سيتي" أو "مدينة الكرة" في جوهانسبورغ.

 "العربية.نت" اقتربت أكثر من عوالم هذا البلد، ودخلت شوارع الضوء كما أمضت وقتاً طويلاً فى قلب عشوائيات كيب تاون وسويتو، رمزا مناهضة التمييز العنصري قبل الاستقلال، حيث تقول لوسيخو (25 عاماً)، والتي تقيم في أحد أحياء بريتوريا الفقيرة: "نعم بلدنا كان محط أنظار العالم على مدى الشهر، لكن بعد أن يرحل آخر فريق ومعه آخر مشجع، سيعود الحال على ما هو عليه، ليبقى السؤال ماذا أضافت لنا البطولة؟".

من جانبه، أكد أكين لواند (40 عاماً) أن الحركة التجارية والاقتصادية فى البلد ازدهرت قليلاً خلال فترة البطولة، لكن ماذا سنفعل باستادات تكلفت المليارات وتقف بعد البطولة بلا عائد ولا إضافة، مشيراً إلى تصريحات بعض المحللين الاقتصاديين الذين أكدوا أنه منذ استضافت اليابان بطولة عام 2002 بالاشتراك مع كوريا الجنوبية وهى تدفع إلى الآن فاتورة صيانة للملاعب التي بنتها لكأس العالم، والتى تفوق بكثير الأرباح المادية للمباريات التي جرت عليها. إذ تبلغ الخسائر السنوية لتلك المنشآت 6ملايين دولار، تعوضها الحكومة من عوائد الضرائب.

من جهته، شدد كبير الأساقفة في جنوب إفريقيا ديزموند توتو، والحاصل على جائزة نوبل للسلام وأحد أبطال حملة مناهضة التمييز العنصري، على أن استضافة كأس العالم سيكون لها تأثير كبير على السود بشكل يماثل انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وسيمنح كبرياءً جديداً لدولة لا تزال مقسمة.
 
 
"نجاح للأجيال القادمة"
هاجس الأمن كان أبرز المشكلات التي تهدد نجاح المونديال، ورغم ما بثته الصحف عن إنفاق 1.3 مليار راند من أجل أمن كأس العالم، إلا أن الأمر لم يخل من بعض التجاوزات وحالات الخروج على القانون التى رصدتها صحف ووكالات الأنباء العالمية.

ومع ذلك، وبحسب رأي كثيرين، فقد نجح هذا البلد الإفريقى بامتياز فى إقامة الحدث. ووفقاً لرئيس البلاد جاكوب زوما فإن بلاده حققت عائدات جيدة، قائلا : "يمكننا القول إننا حققنا عائدات جيدة على استثماراتنا التي تشمل 33 مليار راند (4.28 مليار دولار)، أنفقت على البنية التحتية للنقل والاتصالات والملاعب."

أما وزير ماليته برافين جوردهان فأكد أن البنية التحتية الهائلة التي أنجزتها جنوب إفريقيا لكأس العالم ستخدم البلاد لأجيال قادمة. كما أن هذه البنية ستكون جاذبة للاستثمار وتحسين مستوى معيشة المواطنين، مشيراً إلى أن المونديال وفر 130 ألف فرصة عمل في بناء الاستادات والمنشآت السياحة والصناعية المغذية لها، كما أنه أضاف إلى اقتصاد البلد مليار راند هذا العام، وهو نفس المبلغ تقريباً الذي أنفقته البلاد لاستضافة كأس العالم.

وأوضح الوزير أن الحكومة أنفقت 33.7 مليار راند في استضافة كأس العالم، تشمل 11.7 مليار راند تم إنفاقها على 10 إستادات، خمسة منها تم بناؤها من لا شيء وإنفاق 11.2 مليار راند لدعم شبكة الخطوط الحديدية.

وأشار إلى أن أرقام الخزانة العامة أظهرت أنه تم إنفاق وصرف 1.5 مليار راند في الاتصالات الهاتفية والتكنولوجيا الحديثة للبث، كما أن هذه الأرقام لا تشمل المبالغ التي أنفقتها المحافظات والتي ترفع إجمالي فاتورة الصرف على كأس العالم إلى ما يقارب 40 مليار راند.
 
 
"المساكن والمدارس أولى"
 في المقابل، أكد الكثير من قاطنى عشوائيات برويتوريا وسويتو، معقل مناهضة التمييز العنصري، أنه كان الأجدى بناء مئات المدارس والمساكن التي تحد دون شك من الفقر، وهو السبب الرئيس للجريمة في جنوب إفريقيا، وبناء الملايين من المنازل الجديدة لتحل بديلاً عن مدن الأكواخ التي تعود إلى حقبة الفصل العنصري، والتصدي لأعداد الإصابات المتزايدة بمرض نقص المناعة المكتسب (الأيدز). وأكد المنتقدون أن الكثير من الاستادات ستصبح سريعاً آثاراً غير مستغلة عقب البطولة.

غير أن مسحة الأمل والفخر لم تفارق وجه النادلة لين سينوك التي تعمل في أحد مطاعم جوهانسبورغ الكبيرة، حيث تقول: "مهما يكن من أمر خروج فريق بلدنا مبكراً من البطولة، وما يقال عن الفقر والجريمة وغيرها، فسيظل شرف استضافة البطولة فى القارة السمراء مقروناً بجنوب إفريقيا، وهذا فى حد ذاته علامة لن تسقط من ذاكرتي ولا ذاكرة الأجيال الصغيرة التى استيقظت على رؤية كبار نجوم العالم في بلدنا".

أما ساريتا ريمال فتقول: "شيء رائع أن يزور بلدنا وملاعبنا شخصيات بارزة بوزن الرئيس الأمريكى الأسبق كلينتون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهذا يعني أننا محط اهتمام العالم"، مشيرة إلى أنها تحتفظ بصورة خاصة وتوقيع من بعض نجوم السامبا الذين مروا بالمقهى الذى تعمل فيه.

وتختم حديثها لـ"العربية.نت" بالقول إن "تنظيم كأس العالم منحنا الفرصة بعد طول انتظار لتغيير الصور النمطية السائدة بشأن انتشار المجاعات والأوبئة والحروب، والتي لا تزال توصم بها القارة السمراء".