الكتف بالكتف.. مع امرأة متوحشة

بقلم: مشعل السديري

قال لي وهو يحاورني بطريقة منطقية حسدته عليها ولا أدري من أين أتى بها، قال لي: إنني على ثقة من أنه إذا اضطر الناس إلى الاختيار بين الحياة في مكان لا ينقطع فيه ضجيج الأطفال وبين مكان لا تسمع فيه أصواتهم، فإن كل الأشخاص الراسخين ذوي الطبيعة الطيبة، سوف يفضلون الضجيج الذي لا ينقطع عن السكون الذي لا ينقطع.
وبعد أن أنهى كلامه الذي توقعت أنه لن ينقطع، قلت له: خلاص انتهيت؟! قال لي: نعم. قلت له: إنني قبل أربعة أيام ذهبت إلى أحد أصدقائي وكان أطفاله الثلاثة المزعجون يملأون البيت صراخا، ولا أنسى نظرته الأليمة عندما قال لي: (يا من شراله من حلاله علّة).
فرد علي قائلا: أكيد صاحبك لا طبيعة طيبة لديه، ولا أنت كذلك، فما أزفت من (قديد إلا عسفان).

* * *
كانت (البرنسيسة) - أي الأميرة (مرغريت) - وكانوا يدلعونها بـ(ميري)، وكان عمرها آنذاك ستة أعوام، جالسة مع جدها الملك البريطاني على مائدة الطعام، فصاحت بغتة: جدي، جدي.
فنهرها جدها وأفهمها أن (الإتيكيت) والتقاليد يقضيان على الأطفال بأن لا يتكلموا على المائدة مع من هم أكبر منهم دون استئذان. فخجلت المسكينة وسكتت. وبعد أن انتهوا من تناول الطعام، أخذها جدها على حدة يسألها عما كانت سوف تقول، فأجابته:
آه يا جدي، ولكن ما الفائدة الآن فقد أكلتها.
- أكلت ماذا (يا بعد عمري)؟!
- الذبابة التي كانت بطبقك، فإنني أردت أن أنبهك إليها، ولكنك هزأتني.

واتجه الملك ركضا إلى الحمام وأفرغ كل ما في بطنه، وبعد التفحص اتضح أن كل شيء قد خرج ما عدا الذبابة، التي التجأت إلى مكان آمن في معدته، ومعها حق في ذلك فمن تحصل لها على معدة ملك وتتركها بالساهل؟!
الذي حدث لجلالته، إنما هو فقط من بركات (الإتيكيت)! وإنني بهذه المناسبة أهدي هذه الحادثة التي كتبتها (لأميرة بنت ناصر الصايغ)، وهي أجمل من كتب عن (الإتيكيت) في كتابيها الممتعين: «فتياتنا والإتيكيت»، و«شبابنا والإتيكيت»، وقد أهدتني الكتابين، واستفدت منهما كثيرا، وأخذت أطبق تعاليمهما وأسير على خطاهما، خصوصا إذا كنت جالسا يوما على مائدة السفرة، وكانت تجاورني (الكتف بالكتف) امرأة متوحشة وتزدرد الطعام ازدرادا دون أن تمضغه.

* * *
«إن العينين هما دائما أرق من القلب»
- وألعن كذلك.

m.asudairy@asharqalawsat.com
نقلا عن الشرق الأوسط

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع