بقلم : زاهي حواس
ما زلت أعتبر الكشف عن جبانة العمال بناة الأهرامات أعظم الاكتشافات الأثرية التي قمت بها في حياتي، وهو الكشف الأغلى بالنسبة لي.. والسبب أني قبل الكشف عن مقابر العمال بناة الأهرامات بهضبة أهرامات الجيزة، حيث هرم الملك «خوفو» العظيم الأعجوبة الوحيدة على وجه الأرض الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة، وإلى جواره هرما ابنه الملك «خفرع» وحفيده الملك «منكاورع»، كنت أتصدى لكل المزاعم اليهودية بأن بناة الأهرامات كانوا يهودا عاشوا في مصر وسخرهم الفراعنة في بناء الأهرامات، وكنت أستحضر الأدلة العلمية على عدم وجود يهود في مصر في فترة بناء الأهرامات، وكيف أن السخرة يمكنها أن تشيد أثرا كبيرا، ولكن لا يمكنها أن تشيد أثرا جميلا بالغ الإعجاز.
كما كنت أتصدى أيضا لمن يقول إن أصحاب هذه الحضارة هم علماء قارة الأطلانتس المفقودة.. لكن بعد الكشف عن جبانة العمال ومقابرهم لم أعد في حاجة إلى أي دليل.. وكيف ونحن الآن نعرف أين عاش هؤلاء العمال بمختلف طوائفهم، والمكان الذي دفنوا فيه وشكل مقابرهم وما أعدوه لأنفسهم من عتاد جنائزي، وكذلك الألقاب والأعمال التي أسندت إليهم في مشروع بناء الهرم؟
ولكن المفاجأة الكبرى أن الكشف عن هذه الجبانة أثبت بالدليل القاطع أن المرأة الفرعونية شاركت الرجل في بناء الهرم، وكانت مسؤولة عن كثير من الأعمال، وكانت المرأة الفرعونية تعمل في صناعة الخبز والجعة والطعام للعمال.. إضافة إلى أعمال مجهدة كطحن الحبوب وجميع أعمال المنزل.
ومن الألقاب التي تم الكشف عنها في جبانة العمال لقب سيدة تدعى «نفر حتب إس» وتعمل «قابلة» أي تقوم بمساعدة النساء أثناء الولادة. وكذلك ألقاب مثل «كاهنة حتحور»، وكانت «حتحور» رمزا للأمومة والحماية في مصر القديمة وكان لها دور كبير في عقيدة الملك. وتعكس مقابر النساء الدرجة الاجتماعية المساوية للرجل التي نالتها في مصر القديمة، وما زلت أذكر يوم أن قمنا بالكشف عن مقبرة أحد الموظفين ويدعى «بتتي» وبتنظيف المقبرة والكشف عنها أسفل رمال الصحراء.. وجدت بنفسي داخل فناء مفتوح عن يميني نصّا للرجل صاحب المقبرة يتوعد فيه كل من يحاول أن يمس مقبرته بأذى قائلا: «إن فرس النهر سوف يقتله.. والتمساح سوف يهشم عظامه.. وسوف يفترس الأسد لحمه...»، وهذا النص اسمه «نص اللعنة»، التي اعتقد المصري القديم في مفعولها السحري، وأن هذه الحيوانات المكتوبة والمرسومة سوف تتحول إلى حقيقة وتفترس كل من يحاول الاعتداء على المقبرة.!
وكانت المفاجأة أن الزوجة قد وضعت لنفسها نصا مواجها للنص الذي كتبه زوجها، وبدلا من أن تكتفي بفرس النهر والتمساح والأسد، أضافت: أن الثعبان سوف يبث سمه في جسد المعتدي ثم يأتي العقرب ويفرغ هو الآخر سمه لتشتعل النيران داخل جسده بعدها يفتك به فرس النهر فيفصل عظامه عن لحمه ويقوم التمساح بالتهام العظم بينما الأسد يتولى أمر اللحم..
على أي حال لقد اعتدت في محاضراتي دائما أن أخاطب السيدات الجالسات بالقول إن هذا دليل آخر على أن المرأة في كل زمان ومكان أشرس من الرجل عند الانتقام.. وإن كان هذا الكلام طبعا لم يعجب النساء!
نقلاً عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=20094&I=497