"خالد" و"أبانوب"...الدين لله والموت للجميع

إبرام مقار

بقلم: ابرام مقار 
منذ مذبحة "نجع حمادي" والتي راح ضحيتها "أبانوب" ورفاقه ليلة عيد الميلاد وهم خارجون من كنيستهم، وشرطي تصادف وجوده مكان الحادث، لم يأت شئ آخر يهزنا من الداخل مثل ما حدث مع الشاب المصري "خالد سعيد"، والذي نشر الإعلام المصري غير الحكومي صورًا لجثته وهي كاملة التشوه من فرط الإعتداء عليه، والضرب من قبل اثنين "مخبرين" من الأمن للإشتباه فيه كما ذكرت معظم الصحف المصرية، وليخرج علينا بيان من وزارة الداخلية يقول: إن المجني عليه مشتبه فيه، وإنه قاوم أثناء القبض عليه، وكانت المفارقة الغريبة أن يقول البيان أن سبب الوفاة هو ابتلاع المخدارات فأصابه الإختناق.

 ومن حقنا أن نتساءل: ما علاقة الإختناق بتكسير الرأس والجمجمة، والتي شاهدها الجميع في صور القتيل بعد الحادث؟!! ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فبعد الحادث، وبعد الضغط الإعلامي، بدأت المرحلة الثانية بعد تشويه الوجه إلي مرحلة تشويه السمعة، فقالوا: إن هذا الشاب ذو الوجه الملائكي هو تاجر مخدرات، وبعد أيام قالوا: إنه متهرب من الخدمة، وثبت عكس ذلك، وأن "خالد" أدي الخدمة العسكرية.

 واستمرارًا في حملة التشهير، قالوا: إن له محضر سرقة من قبل، والغريب أن الأمن يقبض علي نشطاء تظاهروا أمام قسم الشرطة لفتح التحقيق في مقتل الشاب "خالد سعيد"،  فلا حتي قتلوا القتيل ومشوا في جنازته، بل قبضوا علي من مشوا في جنازته.

للأسف أيام الإحتلال قال "مصطفي كامل": لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا،  والآن، وبعد انقلاب العسكر في 1952، ذلك الإنقلاب الذي لم يطح بالملك بل أطاح بالدولة المصرية بأكملها، لسان حال "أبانوب" و"خالد" يقول: لو لم نكن مصريين لصارت لنا كرامة، ولنلنا معاملة آدمية، ولازلنا ننعم بالحياة.

أيام الإحتلال كنا نقول: الدين لله والوطن للجميع، أما الآن فالدين لله والموت للجميع.

"أبانوب" ورفاقه قتلة غياب الأمن، و"خالد" ورفاقه قتلة حضور الامن، ولا أعلم هل لم يعد هناك أمن ولا أمان مع من وظيفتهم أن يحفظوا الأمن، ولا هناك عدل في دار العدالة.
 
نفس مشاعر الأسى انتابتنا، بصرف النظر عن الإختلاف في المعتقد لشباب لهم كل الحق والعيش في أمن وأمان، إن كنا ندافع عن الأقباط وغيرهم من الأقليات المضّطهدة في "مصر" لأننا نثق أن الترحيب بالإنتهاكات لمن يختلف معك في العقيدة هو "وحش مفترس" سيأكلك بعد أن يأكله، ونثق أن الجميع يدفع الثمن غنيًا كان أو فقيرًا، مسلمًا كان أو قبطيًا، والجميع يدفع ثمن الترحيب، سواء الخفي أو المعلن، أو حتي الصمت علي ما يحدث بحق المختلف معه.

من يبدي سعادته من عدم اختيار الأقباط في الوظائف الهامة، أو من لاذ الصمت عند هذه التصرفات، لا يحق له أن يشكو من اقتصار التعيينات على أولاد المسئولين، وانتشار الواسطة والمحسوبية.
 من رحّب أو لاذ الصمت عند الإفراط في حكم قضائي جائر ضد الأقباط، أو أي طائفة في المجتمع، لا يحق له أن يشكو الآن من تسييس القضاء، وكذلك الأحكام المتشددة الخارجة عن القانون.

 من يرحب بإختلال ميزان العدالة ضد الأقباط أو غيرهم، لا يحق له أن يطالب بميزان عادل مع المحامين علي سبيل المثال.
 من رحّب أو لاذ الصمت بتنحي "القانون" واللجوء إلي "العرف" وجلسات الصلح التي تحدث بحق الأقباط بعد الإعتداء عليهم، لا يحق له أن يبكي علي غياب القانون في مكان آخر.

 دماء "أبانوب" ورفاقه، و"خالد" ورفاقه تصرخ إلي النظام؛ ليخرج من قصره، وألا يكتفي فقط بالمشاهدة، وكأنه يشاهد فاصل من مباريات مصارعة الثيران علي الطريقة الأسبانية لكسر الملل، وأن يعيد للمصري كرامته وأمانه الذى ضاع بالداخل والخارج.

دماء "أبانوب" و"خالد" تصرخ للشرفاء من هذا الوطن؛ لنبذ التطرف والبلطجة، ونبذ التلوين بين قبطي ومسلم، ومصري ونوبي، وغني وفقير، وأقلية وأغلبية، فالمجتمعات التي تحترم الأقلية بالطبع ستحترم الأغلبية. وحقوق وحرية وعدل ورفاهية وصلاح ورخاء الأغلبية، تبدأ من إعطاء هذه الحقوق للأقلية. كفي عداء, ولا سبيل الإ التعايش،  وها هي دماء "أبانوب" ورفاقه من ضحايا التطرف وبأيدي مصرية، ودماء "خالد" وغيره ممن سبقوه ممن قُتلوا بأيدي مصرية أيضًا، وها هي دمائهم تصرخ من الظلم، فدافعوا عن الاثنان، فالهدف هو "مصر" ثم "مصر".