العربية.نت
قفزت إلى ذهنى بعد مرور عام على وفاة مايكل جاكسون ملك البوب، وريث الفيس بريسلي وزوج ابنته ، الذي سحر الناس برقصه وموسيقاه، مسرحية صلاح عبد الصبور واختلتطت تفاصيلها بمشاهد مسرحية يونيسكو 'الملك يموت' خاصة لحظة موت الملك ورغبته فى الخلود وصراخه متشبثا بالحياة، يملى على كاتبه الخصوصى ما يكتبه ليبقى خالدا ابد الدهر ، ذلك الخلود العبثى المستحيل.
كنت فى واشنطن قبل وفاة جاكسون بأيام، أما ساعة وفاته تحديدا، كنت بولاية بنسلفانيا زائراً لجريدة فلاديلفيا انكويرار العريقة، قرأت النبأ الصدمة –للأمريكيين وغيرهم- فى عيون النادلات بمطاعم المدينة، وفى قطار العودة الذى اقلنا الى (اليونيون ستيشين Union station ) فى طريقنا إلى واشنطن دى سى ، بكاء.. عويل .. وصراخ هنا وهناك تلمحه بسهولة قبل أن تدور عجلات المطابع أو ينقطع الإرسال بالفضائيات ليبث الخبر، وسط رفض صامت وصاخب فى وقت معا ، لفكرة موت الملك من الأساس!
ملك يونيسكو فى مسرحية "الملك يموت"، صرخ بكاتبه، لحظة موته، أن يكتب عنه كي يبقى اسمه خالداً، فيسمع جواب الكاتب "سيكون اسمك في صفحة من كتاب يضم ألف صفحة، والكتاب في مكتبة تضم ألف كتاب، والمكتبة في مدينة فيها ألف مكتبة، وغالبا ما تُحرق المكتبات".
مايكل جاكسون، آثار الجدل حيا وميتا، أراد الخلود وما بعد الخلود حيا، وقيل إنه يعيش فيما يشبه أنبوب معقم جراء إفتقاده للمناعة، أكلته الشهرة وصنعت هوسه بملايين ومليارات يتحكم فيها، وأخرى من البشر تهلل له فى كل مكان، فصار أيقونة من الهوس فى زمن الصورة وحضارة المشهد، هوس يصنع الجريمة أو يقود إليها بحتمية لا شك فيها، فهو يحجب وجهه خلال السنوات الاخيرة التى سبقت وفاته، حين يقابل القضاة والمحلفين فى قضايا اتهامه بالشذوذ الجنسي والاعتداء الجنسى على أطفال - يقال إنه برىء منها- بعد أن خضع لابتزاز مالى بلا حدود، وأهدر كثيرا من ثروته من أجل نيل البراءة.
جاكسون يجسد مأساة الملوك الجدد الذين صنعتهم سلطة النجومية وسحر الشهرة والمال وصراخ ملايين المعجين، فكانت النتيجة الحتمية، تدمير الفتى الأسود الساحر الذى ظهر قبل نحو ثلاثين عاما وسط اشقائه، وتألق ولمع فتملكته رغبة انتقامية من عبودية الزمن الفائت فاستبدل بجلده الأسود قناعا أبيض هو جلد أسياده.
ملك البوب أحد الملوك الجدد الذين تذكرنى مآساتهم بزمن ما قبل الاسلام، كفار قريش بحسب التصوير الدرامى المصرى السطحى، يصنعون آلهتهم من العجوة ويلتهمونها بسرعة الصاروخ، وهكذا المجتمع الاستهلاكي يصنع آلهته، ويفترسها بسرعة قياسية عبر فضائح تجترها آلة الاعلام الكاسحة عن شذوذ جنسى وتحرش بالأطفال، حديث الافتراس اليومى والوجبة المكررة عبر سنوات جاكسون الأخيرة وقبل وفاته.
لعبة إلكترونية لتخليد ذكراه
شركة Ubisoft أعلنت عن نيتها تقديم لعبة إلكترونية تخلد بها ذكرى ملك موسيقى "البوب" مايكل جاكسون، وهي اللعبة التي انتظرها عشاقه طويلاً، وأوضحت Ubisoft أنها ستقدمها في إطار راقص يضاهي ما كان يقوم به مايكل من حركات على المسرح أثناء تأديته لأغانيه المتنوعة. وهكذا يتجلى منطق المجتمع الاستهلاكى الذي يحاول أن ينهش آلهته ويفترسها حتى النهاية وإن حولهم الى دمى راقصة تباع وتشترى بحفنة من الدولارات، تحت هدف خادع هو التخليد.
أحاديث جرماين جاكسون - مسلم - شقيق النجم الراحل عن ملك البوب وحبه للإسلام وعدم ممناعته لاعتناقه، بل والجزم بأنه لو اعتنقه ما مات، تثير شهية الكثيرين فى أمريكا وخارجها. قال جرماين: إن شقيقه لم يكن ضد اعتناق الإسلام موضحا "كل حراسه الشخصيين كانوا مسلمين لأنه كان يثق بالإسلام، فهؤلاء الأشخاص قادرون على التضحية من أجل شخص آخر ويسعون إلى أن يكونوا أفضل الاشخاص على الإطلاق ليس من اجل مايكل جاكسون بل من أجل الله. عندما تكون محاطا بأشخاص كهولاء تدرك أن الله يحميك".
قلت فى نفسى لماذ كل هذا الحب، حين أبصرت على الرصيف المقابل بأكبر شوارع العاصمة الأمريكية، إمراة بدينة تبكى بلوعة، وأخرى تخلع ملابسها حدادا، وثالث تنحدر أصوله من قارة العبودية القديمة وإن احتضنته الجنسية الأمريكية، وقد ثبت الرجل ناظريه بصحف الصباح يحملق بالمجان فى الخبر الذى سحق كل الأخبار، وصورة ملك البوب وقد نسخت ما سبقها من صور، وغطت على نبأ وفاة الممثلة الأمريكية الشهيرة فرح فاوست (62 عاما) فى -26-6-2009 أى بعد جاكسون بيوم واحد، وعلى فضيحة سيناتور كبير هو حاكم ولاية كارولينا الجنوبية، مارك سانفورد، الذى بكى كطفلة صغيرة، بعدما أرسل، عن طريق الخطأ، رسالة إلكترونية إلى صحيفة "ذا ستيت" المحلية، كان يقصد توجيهها إلى عشيقته.. فكانت الفضيحة التي قصمت ظهره، كما غطت الوفاة على حدث عايشته لحظة بلحظة وشاركت فى تغطيته وهو حادث تصادم مروع بين قطارين للمترو الأحمر والأزرق .
هكذا سيطر الحدث وأجبر "الواشنطن بوست" على وضع "بانر" كبير أمام مدخلها بمقرها الرئيس فى واشنطن ، للصفحة الأولى التى تحمل نبا الوفاة .
مجموعة من المتهمين بقتله
كانت وفاة جاكسون المفاجئة في سن الخمسين يوم 25 يونيو/حزيران 2009 قد أشاعت في لوس أنجليس حالة من الحزن في جميع أنحاء العالم على النجم الذي صعد سلم الشهرة وهو طفلوالذي كان يتدرب لإقامة سلسلة من الحفلات يعود بها مجددا إلى الأضواء بعد أن تحطمت سيرته جراء أحداث غريبة ومزاعم تحرش بالأطفال.
وبعد مرور عام على وفاته ومع انتظار الطبيب الشخصي لجاكسون المحاكمة بتهمة جنائية لتسببه في موته بإعطائه مخدرا قويا يساعده على النوم تتركز الذكريات على الفنان الحائز على 13 جائزة جرامي والذي هز العالم برقصه.
وترعى كاثرين الأم "80 عاما: عشاء لجمع الأموال يباع خلاله كتابها الذي يضم صورا عائلية شخصية والذي يحمل عنوان "لا يمكن أبدا أن تقول وداعا".
إذن ماذا حدث مايكل جاكسون؟. الكل يحملق ويترقب، الكل يتهم العزلة وسجن العقاقير والخوف من الموت والمعجبين ورهافة الحس قبل الطبيب الخاص بأنه وراء فعل القتل لا فعل الوفاة، الكل نسى جريمة المال والشهرة والسلطة التى ما أن تتألق فلا تشبع ولا ترتوى ولا تكتمل أضلاعها إلا بالغياب أو التغييب، تغييب أصحابها بالموت، وهكذا غاب ملك البوب.
http://www.copts-united.com/article.php?A=20015&I=495