عماد توماس
•يتفق التقليدان على أن الاجتهاد في حياة الصلاة هو بوابة النمو والنضوج في الحياة الروحية
•اعتبر وسلي كتابات مقاريوس، جزء هام من التعبير عن الكنيسة الأولى
•مثل هذه النوعية من الدراسات المقارنة الجادة ما تزال غير منتشرة ولم يتطرق إليها كثيرين في العالم
كتب: عماد توماس- خاص الأقباط متحدون
حصل الباحث اللاهوتي ثروت ماهر، على درجة الماجستير بامتياز في الدراسات اللاهوتية، عن رسالته التي كُتبت ونُوقشت باللغة الانجليزية تحت عنوان (هدف وملامح الحياة الروحية المسيحية: من خلال دراسة مقارنة بين تقليد آباء الصحراء الشرقيين "نموذج القديس مقاريوس الكبير"، والتقليد الوسلي "نموذج جون وسلى"). الرسالة قُدمت لقسم مسيحية الشرق الأوسط بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، وناقش الرسالة الدكتور وهيب قزمان عالم اللاهوت الابائى " الباترولوجى"، والدكتور مارك نايجرد منسق الدراسات العليا بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، والدكتور دارين أستاذ اللاهوت بذات الكلية.
محتويات الرسالة
استعرض الباحث في رسالته ملامح وهدف الحياة الروحية المسيحية، وفقا لاثنين من التقاليد المسيحية العظيمة في تاريخ الكنيسة. التقليد الأول هو التقليد المقاري كممثل لتقليد آباء الرهبنة الشرقية، والتقليد الثاني هو التقليد الوسلي لمؤسِسِه المُصلح الإنجليزي جون وسلي. ويركز البحث على ملامح الروحانية المسيحية، تلك التي تعكس بعمق الهدف الأساسي من الحياة المسيحية وفقا لمقاريوس ووسلي.
التقليد الأول الذي يستعرضه الباحث في رسالته، هو ما أطلق عليه الباحث "التقليد المقاري"، ويشمل حياة القديس مقاريوس الكبير وأقواله وفضائله، بالإضافة إلى عظاته الخمسين الشهيرة. والقديس مقاريوس أو الأنبا مقار عاش في القرن الرابع (٣٠٠– ٣٩٠م.)، ويعتبر واحدا من أهم آباء الصحراء والرهبنة الشرقية. ومن المعروف جيدًا أنه سار على درب الرهبنة التي بدأها القديس أنطونيوس الكبير، مؤسس الرهبنة.
التقليد الثاني الذي استعرضه الباحث، هو التقليد الوسلي، ويشمل حياة وكتابات المصلح الانجيلى جون وسلي ، الذي عاش في القرن الثامن عشر (١٧٠٣– ١٧٩١م.). كان وسلي لاهوتيًا لم يكتب لاهوتًا نظاميًا لكنه اهتم أكثر باللاهوت العملي في عظاته وكتاباته. هذا ويمكن النظر إلى كتابات جون وسلي كأفضل ممثل لهذا التقليد الوسلي.
ويرى الباحث، أنه بالرغم من مئات السنين التي تفصل مقاريوس عن وسلي، وعلى الرغم من كون واحد منهم من الشرق والآخر من الغرب ، إلا أنه يمكن رصد استمرارية تاريخ الفكر المسيحي واستمرارية تاريخ الكنيسة الحي فيما بين هذين التقليدين الشرقي والغربي. كما يؤكد الباحث أن اللاهوت الوسلي بتأكيده الواضح على ثنائية النعمة والاجتهاد في الحياة الروحية، يمكن اعتباره كحلقة وصل أساسية بين الفكر اللاهوتي الشرقي والفكر اللاهوتي الغربي. عين الباحث عدة مواضع من مذكرات وكتابات وسلي تؤكد على معرفة وسلي بالآباء الشرقيين، وخاصة القديس مقاريوس الذي اعتبر وسلي كتاباته كجزء هام من التعبير عن الكنيسة الأولى.
في الفصل الأول، قدم الباحث سيرة شخصية للقديس مقاريوس الكبير وللمصلح الانجليزي جون وسلى. كما استعرض الخلفية التاريخية للنقاش الأكاديمي حول العظات الروحية الخمسين الشهيرة لمقاريوس. وأكد الباحث أن جون وسلى كان يرجع لما كتبه الآباء الشرقيين وخاصة مقاريوس. فقد نشر وسلى ما أسماه بالمكتبة المسيحية وهى عبارة عن 50 مجلد تجمع أهم الكتابات التي شجع وسلي الوعاظ الميثودست على قراءتها ، وقد وضع وسلي في الجزء الأول منها مقتطفات من 22 عظة لمقاريوس وكتب وسلي سيرة ذاتية لمقاريوس كتقديم لهذه العظات. وختم الباحث هذا الفصل بتقديم لمحة تاريخية لتاريخ الدراسات الأكاديمية الوسلية، وخاصة تلك التي تناولت وسلي والآباء، حول العالم.
في الفصل الثاني، يتحدث الباحث عن هدف وسمات الحياة الروحية المسيحية وملامحها عند القديس مقاريوس، والطريق العملي للوصول إلى الهدف الرئيسي من الحياة المسيحية وفقا لمقاريوس. يوضح الباحث بالتفصيل مفردات البناء الروحي للحياة المسيحية وفقًا لمقاريوس، ومنها الاجتهاد في الصلاة، والفضائل المسيحية كالتواضع والتمييز والإفراز واحتمال التجارب والعطاء، وقراءة وفهم الكتاب المقدس، والانتباه للحرب الروحية.
الفصل الثالث، يتحدث فيه الباحث عن هدف وسمات الحياة الروحية المسيحية عند جون وسلى. يوضح الباحث كيف أن اللاهوت الوسلي يقوم على فهم الحياة الروحية كحياة قائمة على القبول الجاد والمسئول لنعمة الله. هذا القبول الجاد لنعمة الله يتجلى فيه التفاعل الإيجابي بين مشيئة الله الصالحة المرضية، وإرادة الإنسان المجتهد لتحقيق الهدف الأسمى من الحياة المسيحية. عرض الباحث بالتفصيل مفردات البناء الروحي وفقًا لوسلي، ومنها الاجتهاد في الصلاة والصوم، والعشاء الربانى، ودراسة الكتاب المقدس، والحرب ضد الخطية، والسعي نحو حياة التلمذة للمسيح، والمشاركة في أعمال الرحمة.
وفى الفصل الرابع يختم الباحث رسالته بتقديم أوجه التشابه والاختلاف بين فكر مقاريوس ووسلى. يوضح الباحث أن البناء العام للحياة الروحية المسيحية تبعًا للاثنين هو بناء واحد في إطاره العام وإن اختلفا في بعض التفاصيل التي حفظت لكل تقليد تفرده وتميزه. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتفق التقليدان على أن الاجتهاد في حياة الصلاة هو بوابة النمو والنضوج في الحياة الروحية، ومع هذا فإن حياة الصلاة تأخذ طابع تأملي عند مقاريوس أكثر منها عند وسلي.
يُرجع الباحث معظم الاختلافات بين التقليدين المقاري والوسلي إلى الاختلاف في القرينة التاريخية والظروف التي عاش فيها كلاً من مقاريوس ووسلي. ولكن على الرغم من هذه الاختلافات، فإن أوجه التشابه المتعددة، سواء في البناء العام للحياة الروحية أو في التفاصيل المتشابهة لحد التطابق في بعض الأحيان، تقف شاهدةً على تواصل تاريخ الفكر المسيحي عبر القرون والقارات. هذا التواصل الذي يشهد عن صدق وأصالة الاختبار الروحي المسيحي.
في ختام البحث، ينبر الباحث ويلفت النظر إلى أهمية هذه النوعية من الأبحاث اللاهوتية في توجيه ومساعدة الحركة المسكونية العامة سواء على مستوى الدراسات اللاهوتية أو على مستوى الممارسة العملية للكنائس. يؤكد الباحث أن الاتجاهات الروحية المسيحية المختلفة والمتعددة تحتاج إلى تقارب أقوى. وهذا التقارب ينبغي أن يُبنى على فهم عميق للفكر اللاهوتي لهذه الاتجاهات الروحية المختلفة. وقد أوضح الباحث في نهاية رسالته أن هناك أرضية مشتركة كبيرة تصلح للخدمة والتقارب المسكوني بين العائلات المسيحية.
توصيات
وقال الدكتور وهيب قزمان عالم اللاهوت الابائى لــ "الأقباط متحدون" أن المناقشين للرسالة أوصوا بأن يكمل الباحث دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في نفس المجال، حيث أن مثل هذه النوعية من الدراسات المقارنة الجادة ما تزال غير منتشرة ولم يتطرق إليها كثيرين في العالم. كما شجع المناقشون الباحث على ترجمة الرسالة إلى اللغة العربية ونشرها، لتكون في متناول القاريء المسيحي وينتفع منها أكبر عدد ممكن من القراء.
السيرة الذاتية للباحث
الباحث اللاهوتي ثروت ماهر هو خادم متفرغ للوعظ والتعليم والكتابة والبحث اللاهوتي. حصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة الزقازيق ثم بكالوريوس الدراسات اللاهوتية بامتياز من كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، ثم درجة الماجستير بامتياز من الكلية نفسها. ويعظ الباحث ويعلم في العديد من الكنائس والخدمات من مختلف الطوائف والاتجاهات، وجاءت رسالة الماجستير التي أعدها لتؤكد على هذا البعد المسكوني في الخدمة. للباحث العديد من المقالات الروحية والأبحاث اللاهوتية، كما نشر خلال العامين الأخيرين سلسلة من الكتيبات الروحية من أشهرها "متشفع أم مشتكي"، وآخرها "أن كنا لا نكل".
http://www.copts-united.com/article.php?A=19925&I=493