هل أموت من أجل البيضاء أم السمراء؟!

بقلم : مشعل السديري

هناك بعض المأكولات يتهافت على أكلها «علية القوم»، لا لشيء إلا لأنها قليلة أو شبه نادرة أو أن سعرها باهظ الثمن، رغم أن في أكلها بعض المحاذير والمخاطر.

مثل نوع فريد من الأسماك في اليابان وهو قليل جدا واسمه «Fuju» - أي «السعادة» باللغة اليابانية - وهو لا يقدم إلا في عدد محدود بأرقى المطاعم والفنادق، وليس باستطاعة أي طباخ أن يطهوه إلا إذا كان متمرسا ولديه عدة أعوام في التعامل معه، إذ إن في جسم تلك السمكة منطقة فيها «سم زعاف» أين منه سم الثعابين، ولا بد من إزالة تلك المنطقة باحترافية دقيقة، لأنه لو بقي منها جزء لا يزيد حجمه عن «رأس الدبوس» لسوف يؤدي حتما بمن أكله إلى القبر رأسا، وهذا هو ما يحصل أحيانا، فحسب الإحصاءات فقد مات باليابان في السنة الماضية وحدها 172 ما بين رجل وامرأة بسبب أكلهم لهذه السمكة.

أما عن سعرها فحدث ولا حرج، إذ إن الطبق الواحد منها يكلف من دون مبالغة آلاف الدولارات، ويقال إنه أغلى طبق مطلوب في أي مطعم بالعالم، وزيادة منهم في الاحتفاء بتلك السمكة يرشون عليها في ذلك الطبق نثرات رقيقة من الذهب.

وقد سألت أحدهم عن طعمها عندما عرفت أنه سبق له أن أكلها، فقال لي: إذا كنت تريد الصراحة فطعم سمك الهامور والسلطان إبراهيم والناجل ألذ منها بكثير، وللأسف فإنه ما نابني من طلبها غير بعثرة نقودي، فقلت له: احمد ربك أن خرجت سالما بعد أن أكلتها، ولولا ذلك لزاد عدد ضحاياها وأصبح 173.

وهذا ينطبق بشكل أو بآخر على «الكمأ»، بالجزيرة العربية، وهو يختلف نسبيا عن الكمأ الأوروبي الذي ينبت تلقائيا تحت جذور بعض أشجار الغابات، وهو لا يخلو من بعض الأنواع السامة.

لهذا ارتفعت أثمانه بشكل جنوني، وأصبح سعر الكيلوغرام منه أغلى من سعر «الكافيار»، إلى درجة أنهم سموه «الألماس الأسود»، وأذكر أنني في أحد الأيام التقيت أحدهم بباريس، ولا أدري من هو الذي ضربني على يدي وتهورت وعزمته «عزومة مراكبية» معتقدا أنه سوف يعتذر تأدبا، غير أنني تفاجأت بموافقته السريعة، ويشترط في نفس الوقت الذهاب إلى مطعم معين ذكر لي اسمه، واستسلمت وذهبت معه، وعند الطلبات اختار نوعا من اللحم عليه شرائح من الكمأ، وكان هو أغلى الأصناف، في حين أنني اكتفيت بسلاطة «الشيف». انتهينا من ذلك العشاء غير المبروك «وكعيت اللي كعيته»، وافترقنا وما هي إلا ساعة وقبل أن أخلد للنوم في غرفتي، إلا وهو يتصل بي قائلا: أرجوك الحقني يبدو أن لدي تسمما. وفعلا ذهبت اليه على عجل، وما إن شاهدته حتى كدت لا أعرفه، فقد احمر وجهه وانتفخ جسمه وكان يهرش «كالغوريللا» في كل مكان من أعضائه، ذهبت به للمستشفى وسارعوا بحقنه بثلاث إبر، وظل على هذه الحالة المزرية يتردد على المستشفى يوميا لمدة أسبوع كامل.

إنني أشبه الواحد من هؤلاء «المتنطعين» بالرجل المتزوج من امرأة جميلة ولديها من الصفات الحسنة الشيء الكثير، وبدلا من أن يحمد ربه على ذلك ويقنع بما أعطاه، تجد أن عينه دائمة الزوغان، وهي لا تقع إلا على امرأة أخرى إما بيضاء سامة كسمكة «السعادة»، أو سمراء سامة كحبة «الكمأ».

وما أكثر الرجال الذين ماتوا مسمومين من جراء ذلك، والعياذ بالله. 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع