بين ثقافة الثأر والفتنة

مجدي ملاك

بقلم: مجدي ملاك
مقتل قبطين فى يوم عييد القيامة ليس بالامر السهل أو الهين على المستوي الاسري لهم ، أو على المستوي المجتمعي ، وبالطبع قضية الثأر هنا هى قضية مجتمعية مصرية قديمة يعاني منها المجتمع المصري منذ وقت طويل ، ولكن لا يجب ان نتقبل الامر كما نقراءه بل علينا تحليل مضمون الخبر وتفصيله لنرى ما إذا كانت القضية تندرج تحت بند ثأر فقط ، ام ثأر واشياء أخري ، فالواقعة كما ذكرت تعود لعام 2004 ، عندما قتل مسلم للعائلة على يد قبطي ، وكما ذكر فشلت جميع محاولات الصلح بين العائلتين على الرغم من الجهود التى تمت بين الجانبين من أجل اتمام ذلك الصلح ، ولكن بأت كل محاولات الصلح بالفشل ليبقى الثأر هو المتبقى من العائلة ، ولكن من المعروف فى قواعد الثأر انه يتم الثأر من شخص مقابل شخص ، ولا يتم الثأر بقتل فردين مقابل فرد واحد ، ولكن هذا ما حدث حينما تم قتل شخصين بمجرد خروجهم من باب الكنيسة ليفقدوا حياتهم ويصاب شخص ثالث .

القضية بالطبع تلعب فيها قضية الثأر الدور الاكبر ، وللكن تدخل فيها عوامل أخري لا يجب علينا إذا كنا نريد ان نكون منصفين ان ننكرها ، فالقضية تدخل فيها وبلا شك ، عوامل دينية ربما لا تكون ظاهرة ، ولكن من يعرف مجتمع الصعيد معرفه جيدة يعلم أن هناك كم من الضغينة بين المسلمين والمسيحين وصل الحد به ، الى وجود عدد كبير من حوادث الفتنة الطائفية بين الجانبين فى الفترة الاخيرة ، وبالطبع الحديث عن الثأر أو الفتنة فكلاهما ثقافة أصبح يتميز بها المجتمع المصري بها فى الفترة الاخيرة ، وكلاهما لا توجد عوامل له من أجل الحد أو التقليل منه ، فالثأر ثقافة مرتبطة بالتخلف والافتقاد للتنمية ، وعدم الثقة فى قدرة القانون على إعطاء الحق لأصحابة بشكل سريع ، يعمل على اعطاء الثقة للمواطن بأن القانون فوق الجميع ، اى ان عامل الثقة فى القانون ، والقائمون على القانون مفقودة وهو الامر الذي يجعل من النظر للقانون كفيصل بين المتنازعين ، نظرة تحتيه يري فيها كل طرف أن القانون للشخص الاضعف الذي لا يستطيع أن يأخذ حقه بنفسه ، وهو أمر ايضاً يمكن ارجاعه لنسبة الامية الكبيرة ، وغياب الثقافة الحقيقية التى تستطيع نقل تلك المجتمعات نقلة حضارية كبيرة تعمل على التقليل من تلك الحوادث .

وإذا كانت هذه ثقافة الثأر ، فثقافة الفتنة لديها قاسم كبير مشترك معها ، فهى ايضاً تنم عن غياب ثقافى ، وعن تنامى لكراهية نتيجة مناهج تعليمية ، ونتيجة وجود شحن ضد الاخر فى مختلف المؤسسات داخل تلك المناطق ، هى ايضاً تتعلق بشعور الكثير بأن القانون لا وجود له طالما تعلق الامر بشئ يخص الدين ، فذلك مبرر كبير يجعل لديهم شعور بان تساهل الدولة سيكون اكبر من توقعاتهم طالما اعتقدوا انهم يدافعون عن دين الله من وجه نظرهم ضد الكفار كما تعلموا ويسمعون كل يوم ، فالقواسم المشتركة بين ثقافة الفتنة وثقافة الثأر كثيرة ، فيجمعهم ايضاَ القدرة الكبيرة على استحضار كافة الوسائل التى تحقق غرضهم فى الاعتداء على الاخر ، وكأن ما يستخدم من ادوات هو امر شائع داخل تلك المناطق ، وهو ما يعزز التحليل القائل بضعف قدرة الدولة على السيطرة على تلك المناطق ، يجمعهما ايضاً غياب كبير لثقافة التسامح التى يجب ان تسيطر على مجتمع يريد ان يعطي مثلاً للاخر فى تسامحه ودليل على تقدمه الانساني ، يجمعهما غياب القدرة على التأثير من جانب الدولة ، فتلك المشكلة تعود لعام 2004 ، وهو ما يعني ان الدولة فشلن بكل اجهزتها طوال خمسة سنوات فى اقناع كل من الطرفين بضرورة التصالح ، ولم تستخدم الدولة كما تستخدم حينما تريد ، فتاوى تشير إلى غضب الله ممن يثأر لذاته .
اعتقد ان المشكلة الكبيرة تتمثل فى تناقضات ثقافية يعيش فيها المجتمع المصري ، نتيجة غياب ملهم واحد لتلك الثقافة ، وتعدد مصادر الهامه وتناقضها فى نفس الوقت ، فالعيب ليس فى تعدد مصادر الالهام ، ولكن فى التناقض الذي يدفع المجتمع المصري الى تناقضات كبيرة ربما يصعب تفسيرها .

نعم اعلم تماماً ان قضية القتل الاخيرة هى بالاساس قضية ثأر ، ولكننا لا يمكن ان نفل تلك الثقافة عن ثقافة الفتنة ، فكلاهما بمزيد من التحليل ستجد ان لهما نفس المصادر الثقافية والبيئية الخصبة التى تساعد على انتشراهما بشكل كبير ، والمؤسف اننا نرى كيف تنمو وتترعرع بيننا ، ولكننا نعتبرها من القضايا المسكوت عنها التى يعنى الحديث فيها الدخول فى صميم ثقافة استبدادية ، نواقصها تجعلنا نشعر بضرورة التغطية عليها ، ولكن اعتقد إذا استمرينا فى هذا الغموض وعدم المكاشفة وبشكل صريح أن ثقافة الثأر وثقافة الفتنة كلاهما نتاج ثقافة منحدرة ساعدنا ونساهم كل يوم فى تنميتها ، فسوف تستمر الازمة ، وسوف نظل نخدع  انفسنا بالسؤال عن اسبابها لاننا نعشق تبرير الذات .

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع