كُنّا وصرنا

زهير دعيم

بفلم: زهير دعيم
لو عاد اجدادنا الأوّلون من الماضي السحيق الى الحياة ، لأصيبوا بمسٍّ من الجنون وعادوا أدراجهم من حيث أتوا.... وكيف لا يعودون وبمقدورك اليوم وبقطعة من الحديد أن تتحدّث الى شخص يسكن في الطّرَف الآخَر من الكرة الارضيّة ؟! أو تشاهد مباراة لكرة القدم تجري في جنوب افريقيا وانت جالس على كنبتك أمام مرآه يدعوها البشر في الالفية الثالثة تلفازًا.
  الكلّ في كفّة والانترنت في كفّة أخرى ، فأنت يا صاحبي اليوم وفي غرفتك الصغيرة تشرف وتطلّ على الكون كلّه، بصغائره وكبائره ومكنوناته وكلّ حركة وسكنة فيه.
والآتي أعظم !!!!

ففي كلّ يوم اختراع جديد وما عاد البشر يستوعبون هذا الكمّ الهائل من هذه الاختراعات .
   الى سنوات خلت كنّا نشهد اختراعا ما في كلّ حقبة من السنين ، أمّا اليوم فعجلة الاختراع تهرول وتقفز وتثب ، ومن يدري ماذا سيكون غدا او بعد غد ؟.
  فما كان بالامس حلمًا ومستحيلا أضحى اليوم واقعًا ، ولا تستغربَنَّ إن أضحى غموض اليوم ومستحيله غدًا واقعًا ملموسًا ، فلا مستحيل تحت الشّمس!!!
   عظيم هو الانسان والأعظم منه هو الإله المُحبّ الذي جبله وخلقه ؛ فالإنسان بحدّ ذاته أعجوبة ، بل اعجوبة الأعاجيب.
   والسؤال الذي يطرح  نفسه هو : الى أين ؟ وهل السّماء هي الحدود؟ أم أنّ العقل البشريّ مهما سما وعلا وأجاد سيبقى في حدود المحدوديّة.
 لا شكّ أنّ التقدّم الحضاريّ أصاب كلّ مناحي الحياة بنوره ، فسلّط شعاعه على مجالات الطبّ والعلم والتربيّة والفنّ وكل ما نفتكر به.
  
حقًّا إنّنا نعيش اليوم في يمٍّ من الاختراعات وفي كمٍّ هائل من التطوّر ، ومع هذا فللعملة وجهان... والوجه السّاطع هو الاختراعات التي تُفرّح قلب الانسان!!! وتُخفّف من عنائه وتزيد من مساحة فرحه ، وتُلوّن أيامه وتزركشها ، ولكن هناك وجهًا آخَرَ للعُملة : الظلال ...السيئات ...النقائص ، فليس هناك شيء كامل ، وكذا الاختراعات والتقنيات ، فالانترنت قفزة هائلة وخطوة عظيمة ، ولكن في عين الوقت انّه يسرقنا من أنفسنا ومن أولادنا وحياتنا ، بل يسرقهم منّا، وقد يُغرقنا ويغرقهم في اوقيانوس من الشّرّ ، فالأنسان الذي كوّن الجمال وغنّى الحُبّ ورسم الظلال والشروق ولوحات الغروب ودبّج الأدب الجميل ، هو نفسه الذي أوجد السلاح المُدمّر والأفلام السوداء والحمراء التي تُلوّث العقول والنفوس وتشدّ الشباب الى الرذيلة. فمع التطوّر الآتي  الينا مع كلّ إشراقة شمس هناك غروب وضباب وحيْرة .
   أترانا نستطيع أن نحمي أنفسنا وأولادنا من فيروس التطوّر السلبيّ ؟ أترانا نستطيع ان نصون عائلاتنا وأخلاقنا من هوْسِ الحضارة ؟ أم أنّنا سنغوص فيها الى الركبتين ولات ساعة مندم.
 
ولكن الذي يحزّ في قلبي هو : اننا نحن الشرقيين شعب مُستهلك فقط !!! نأكل ونشترى ونقتني ولا نفكّر بالجوهر والفحوى والداخل والمضمون.
اني أرنو بشوق الى الساعة التي نستفيق فيها من هذا السبات ونعلنها حربًا شعواء على الجهل والركون الى  الغيبيات ونقول بالفم الملآن : سنعيد الأمجاد وسنعطي العالم من الاختراعات ما يرفع رأسنا عاليا ، فالشعب الذي لا يعطي الحياة ما تستحقّ لا يستحقّ الحياة !!
  دعونا في الشرق نتعبّد في محرابين : محراب الايمان ومحراب العلم ، فالواحد لا يعارض الآخَر بل يُكمّله، والنّاظر بإنعام الى السماء سيرى حتما عظَمَة الخالق من خلال مخلوقاته.