بقلم: خيري منصور
كم هو عدد المفردات التي ينبغي للعالم العربي أن يحظر تداولها ليوم واحد فقط درءاً للاحباط؟ الايرلنديون قرروا أن لا يستخدموا كلمة الكساد لأربع وعشرين ساعة فقط في مختلف وسائل الاعلام ، كي يجعلوا الناس يتنفسون بلا ضيق واختناق ليوم واحد فقط ، رغم ان استبعاد مفردة ما أو حتى حذفها من القواميس لا يلغي دلالاتها ، لكن المسألة رمزية وتوصيف الكساد تجاوز الحدود كلها وصار الناس الذين يعانون منه بحاجة الى معرفة أسبابه لتخطيها..
ومفردات مثل الفساد والكساد والظلم والغلاء والاحتلال والتلوث والطغيان والكبت بمختلف تجلياته هي المنظومة الشائعة الآن في مناخاتنا العربية صحفيا وثقافيا ، وحظر استخدامها أو تداولها ليوم واحد فقط سوف يترك فراغا لا يقوى أحد على ملئه ، لأن الحياة العربية تحولت الى متوالية من الشكوى ، بحيث لا يجتمع اثنان الا وكانت الشكاوى المتبادلة ثالثهما ليس لأن العرب ماسوشيين يتلذذون بالبحث عن مصادر الألم والبؤس ، بل لأن واقعهم بما آل اليه في العقود الاخيرة أصبح اسما آخر للجحيم ، فتضاعف عدد المهاجرين وارتفع منسوب العصيان على القوانين وما كان مستهجنا من الجرائم أصبح مألوفا ، وأوشك الناس ان يتأقلموا معه،
الايرلنديون عرفوا في أدبياتهم معنى اليوم الواحد منذ كتب جيمس جويس عن أهل دبلن خلال أربع وعشرين ساعة فقط ، لكن العرب يتعاملون مع الزمن بالجملة ، وما يستحق ان يوزن ويقاس بميزان الماس يوزن بميزان البصل ، لأن الوقت أرخص من أي شيء آخر ، ويكفي أن نتذكر صيغة المواعيد الاجتماعية ومنها مثلا.. القاك غدا بعد الظهر ، أو قد أمر عليك في المساء ، رغم ان فترة ما بعد الظهر تمتد لأكثر من عشر ساعات وكذلك المساء المفتوح حتى الهزيع الأخير من الليل،
ما الذي سوف يتبقى ليتحدث عنه فقهاء التخلف اذا حظر استخدام مفردات مثل الكساد والفساد والظلم؟ بالطبع لا يتبقى غير النميمة في بعديها السياسي والاجتماعي ، فما يقال على مدار الساعة ليس تحليلا لظواهر أو تفكيكا لأحجيات بقدر ما هو نميمة متبادلة ، يتحول فيها الفاعل الى نائب فاعل وتنسب الأفعال كلها الى مجهول،
لقد وجد الايرلنديون ما يقولونه لبعضهم خلال ذلك اليوم الذي حظر فيه استخدام كلمة كساد ، لكننا كعرب قد لا نجد ما نقوله اذا حظرت المفردات الخمس التي تتشكل منها حياتنا ، فلا كلام الا عن الغلاء والواسطة والفساد متعدد الرؤوس والديون وأصبحنا جميعا علماء وضليعين في ثقافة البؤس ومحاصيل الشقاء ، واذا كان دانتي قد كتب عن الجحيم أضعاف ما كتبه عن الفردوس في كوميدياه الالهية ، فان العربي الآن لا يجد ما يكتبه عن الجانب المبهج من الحياة لأن البهجة هي المحظورة ولأن الكوميديا العربية صفراء،،
نقلا عن "الدستور" الأردنية
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=19512&I=482