د. مينا ملاك عازر
بقلم : مينا ملاك عازر
توقفنا في المقال الماضي عند الوعد بلقاء في الجزء الثاني لنشرح لماذا أنا غير محبط بدرجة كبيرة، رغم الأدلة التي سقتها وتؤكد إنه لا توجد معارضة حقيقية، وكل ما نراه معارضة مصطنعة من النظام الحاكم؛ حتى إنني كدت أن أشعر إننا في مسرحية نعيشها. وفي بعض الأحيان نؤدي فيها بعض الأدوار التمثيلية، حيث نجد أنفسنا منجرفين وراء التيار في هجومه على أمور يريد النظام الحاكم الهجوم عليها حتى ننسى أمور أخرى، ونهاجم أمور يرضى النظام الحاكم بالهجوم عليها، لا لشيء إلا لأنه غضب على الشخص الذي يقف وراء تلك الأمور فيريد تصفيته. طبعًا ليس جسديًا ولكن قد تكون تصفية معنوية أو من ناحية المكانة والوضع.
وقبل أن ندلف لأسباب الأمل أريدكم أن تسامحوني على ما أعترف به الآن، واعدًا حضراتكم إنني سأتلافاه فيما بعد، وحتى أكون دقيقًا سأعدكم بأن أحاول ألا أقع فيه فيما بعد، واعترافي لكم كالآتي: أقر أنا كاتب هذا المقال إنني كثيرًا ما انجرفت مع تيار المعارضة المصطنعة في هجومي على بعض الأمور، ونسيت أمور أخرى أو غفلت عن أمور أخطر تدور في الخفاء، وكان هذا رغم عني، فالمصائب الكبرى التي تنكشف لنا تستحق الإهتمام، غير إنني سأحاول التمهُّل أكثر قبل أن أورط قلمي في الكتابة عن موضوع يستر وراءه مصائب أكبر.
أهم أسبابي التي لا تجعلني مفرط في الأحباط، تتمثل فيما أكتبه عن هذه النقاط، فهو يؤكد لي إنني لم أكن من هؤلاء الذين مشوا وراء النظام الحاكم من باب المعارضة لاكتمال الصورة السياسية في البلد، ولن أقول أنا وحدي من لم يسر وراء النظام الحاكم، فمن المؤكد أن هناك كثيرين من يفعلون مثلي، أو أنا من أفعل مثلهم، لكنهم غير ظاهرين لي في خضم التمثيلية التي نعيشها، وكلي أمل أن يظهروا ويخرجوا من الكواليس، وأرجوكم أن تساعدوني في الكشف عنهم بآرائكم.
ومن الأسباب أيضًا التاريخ، فالتاريخ يؤكد لنا أن الشعوب لا تستعبد طويلاًً، ولا يُضحك عليها مطلقًا، قد تتقبل أمر واقع لفترة ولكن لن تقبله على المدى الطويل، قد تلهيها في أمور غير ذات أهمية، أو قل ليست بأهمية الأمور الآخرى، لكن يصعب عليك الإستمرار في هذا الهزل طويلاً.
ودعونا الآن نلقي الضوء على بعض الشواهد التي تعطينا الأمل حينما ضحك علينا "ناصر" وأوهمنا أن ما جرى في 1967 مجرد نكسة، وتنحى في تمثيلية كبرى، خرج الشعب المصري يطالب بعودته، سواء كان الخروج مدبر أم لا لكنه خرج، المهم أن ذلك لم يطل، فسرعان ما تكشفت الحقيقة أمام الشعب المصري، وخرج يهاجم "ناصر" ويطالبه بالتنحي، بل قالوا لولده "يا حكيم قول لأبوك مصر مش عِزبِة أبوك"، مما يؤكد أن الشعب استفاق، بل إن الشعب الذي خرج يؤيد "ناصر" لم ترمش له جفن حين أطاح "السادات" بمراكز القوة التي خلفها "ناصر" من ورائه.
فالشعب المصري نفسه، أبى على مدار إثنين وثمانين عامًا أن يبقى تحت الإستعمار حتى استطاع التخلص منه بعد صراع مرير لم يفقد خلاله الأمل، صحيح فقد خلاله الآلاف من الشهداء، وعانى الكثيرون من مغبة المعتقلات وآلام التعذيب، لكنه لم ييأس.
الشعب المصري رغم أن "السادات" هو الذي عبر به بقرار سياسي وعسكري لا يوجد ما هو أروع منه في تاريخ "مصر" الحديثة، إلا أن الشعب المصري خرج وهب ورفض رفع الأسعار في عام 1977، رغم إنه لم يكن قد مر أكثر من ثلاث سنوات على نصر أكتوبر المجيد، لكن الشعب المصري استطاع أن يفرق بين النصر وبين أن يضحكوا عليه في قوته وحقه وحق عياله.
محاولات شباب ستة إبريل، الذين أظنهم ليسوا شباب موجه من نظام حاكم، محاولات تشهد لنا بالأمل، تشهد لنا بأن هناك فرصة لأن تفشل من النظام الحاكم المسرحية أو التمثيلية التي يخرجها وتؤديها المعارضة باتقان مذهل، وينقلب التمثيل لحقيقة، فهناك الكثير من الألعاب التي تبدأ على إنها ألعاب ولكنها تنقلب جد والمثل يقول من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
وكلنا نحلم بغد أفضل، لكن ليس كغد "موسى مصطفى موسى"، ولا حتى غد "أيمن نور"، ولكن غد تشرق فيه الشمس فنتبين الحقيقة من الزيف، لكن علينا أن نسعى لإشراق الشمس، علينا أن نحاول أن نزيل الغيوم بكتابات جادة، بكتابات معارضة عن حق، علينا ألا نخاف على مستقبلنا بل نتأكد أن "مصر" بلد كبير يمرض ولكنه لن يمت؟
المختصر المفيد، لماذا الخوف والشمس لا تظلم في ناحية إلا وتضيء في ناحية أخرى.
http://www.copts-united.com/article.php?A=19440&I=480