نبيل المقدس
بقلم : نبيل المقدس
التبني هو رغبة لكل من الزوج والزوجة في أن يمارسا حياة الأمومة والأبوة في حالة تعذر إحداهما في الخلفة لأسباب كثيرة ومختلفة ... لكن بسبب ملء قلوبهما بالمحبة لم يرتضيا أن يتركا بعضهما البعض فيتوجهان إلي تبني ابناء بدلا من الإنفصال . كما نجد أنه ليس كل من أحب الآخر يرضي أن يلتجيء إلي تبني أطفالا ... وهذا طبقا لطبيعة الشخص نفسه .
اي ما اريد قوله أن التبني ليس فرضا او واجبا علي كل من لم يهبهما الله بابناء ... لكن علينا أن لا نتجاهل غربزة الأمومة عند الأم , وغريزة الأبوة عند الزوج التي تجعلهما يتلهفان أن يتبنيا أطفالا لإشباع غريزتهما. كما علينا أن لا نتجاهل هؤلاء الأطفال الذين اتحرموا من حنان الوجود في اسرة يحتمي فيها مثلما يحياها غيره من الأطفال .
عندما تكلم الكتاب المقدس عن التبني الجسدي فقد تكلم عنه ليس من المنظور التشريعي , لكن من منظور احداث سمح بها الله لكي تخدم قصة الفداء ... فنجد في سفر الخروج عندما " أمر فرعون جميع شعبه قائلا : كل إبن يُولد تطروحنه في النهر و لكن كل بنت تستحيونها." خروج 1 : 22 . وأثناء هذه الفترة " ذهب رجل من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي , فحبلت المرأة وولدت إبنا .....
ولما كبر الولد جاءت به إلي إبنة فرعون فصار لها إبنا, ودعت إسمه موسي وقالت : إني إنتشلته من الماء." خروج 2 : 1 - 10 . من خلال هذا المقطع نجد أن الله رق قلب إبنة فرعون لكي تقبل أن يصير موسي إبنا لها. حتي أنها قامت بعد ذلك بتربيته تربية حسنة ترقي بمستوي أبناء ملوك و فراعنة مصر , فإرتوي من الثقافة المصرية الكثير في وقت كانت مصر غنية بالعلوم والفنون والثقافة عامة.
ونجد في سيرة أستير أن مُردخاي إبن عمها كان يُشرف علي تربيتها لأنها كانت يتيمة الأبوين , فتبناها عندما تم سبيهما مع جُملة المسبيين الذين أسرهم نبوخذ نصر ملك بابل , وبسبب شدة جمالها إختارها الملك مع أخريات أن ينتقلن إلي قصر الملك حيث عُهد بهن إلي هيجاي , الذي أحبها ... ومن شدة خوف مُردخاي عليها كان يتمشي كل يوم أمام فناء جناح النساء ليتحري عن سلامتها وما يحدث لها... وبعد أحداث متلاحقة والمذكورة في الأصحاح الثاني من سفر أستير , أصبح لها الفضل في القضاء علي خطة هامان الشرير وإنقاذ قومها من الهلاك .
أما في العهد الجديد فقد تمت أعظم عملية تبني والتي بها تم الخلاص لجميع الأمم ... حيث ولدت السيدة العذراء إبنها البكر من الروح القدس ... و قام يوسف خطيب مريم بتبني الطفل وإعتبره إبنا له أمام الناس خوفا من بطش اليهود علي زوجته طبقا للشريعة اليهودية .
أما كلمة التبني التي جاءت في رسائل بولس فهي لا تعني كلمة التبني بالمعني الحرفي الذي نفهمه فقد جاءت في اللغة اليونانية Huiothesis تتكون من مقطعين في اللغة اليونانية ... المقطع الأول بمعني الإبن Son والمقطع الثاني بمعني مُعَيّن Placed فتصبح الكلمة التي كان يقصدها بولس الإبن المُعَيّن Son Placed , ولأنه لا توجد كلمة في الإنجليزية تُعطي هذا المعني الدقيق , فتغاضوا عن هذا بوضع كلمة أكثر قربا لها في المعني وهي "Adoption " والتي تعني بالعربية "التبني" . فقد إستخدم بولس كلمة التبني Adoption في الإنجيل خمس مرات في خمس آيات :
رومية .. 8 : 15 " إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف بل أخذتم روح (التبني) الذي به تصرخ يا أبا الآب."
رومية .. 8 : 23 " وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح , نحن انفسنا ايضا نئن في انفسنا متوقعين ( التبني) فِداء أجسادنا.
رومية .. 9 : 4 " الذين هم اسرائيليون ولهم ( التبني) والمجد والعهود والإشتراع والعبادة والمواعيد."
غلاطية .. 4 : 5 "ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني "
أفسس .. 1 : 5 " إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته."
كما أن الرسول بولس إقتبس كلمة Son placed من الثقافة الرومانية ... فعندما يصل الإبن في العائلة إلي السن القانوني 21 سنة , يأخذُهُ والدهُ إلي منتصف سوق المدينة , حيث يكون أغلب سكانها متواجدين , ثم يجلسهُ علي كرسي , ويعلن لهم أنه أعطي جميع إمتيازاته لإبنه من توقيعات وتعاملات مع الآخرين , أي يصبح مُعيّن من قبل أبيه. هكذا الشخص الذي يقبل الرب يسوع المسيح مخلصا له سوف يكون من أبناء الله مُعيّن , متخذا جميع المزايا الذي أعطاها الله لإبنه .
ففي كورنثوس الثانية 6 : 18 يقول الوحي "وأكون لكم وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر علي كل شيء." ومن أروع ما خطه الوحي عن التبني الروحي كان علي لسان يوحنا في 1 : 12 - 13 " وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا ن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين بإسمه, الذين وُلدوا من دم ولا مشيئة جسد ولا مشيئة رجل من الله ."
أعطانا الله روح البنوة في إبنه يسوع المسيح , وجعل لنا الحق في الميراث الأبدي ... اليس من حقه أيضا أن يرانا نُطبق ما فعله معنا مع الآخرين ... أليس من حق هؤلاء الأبناء الذين لم يسمح الله لهم بفقد عواهلهم باي طريقة , بأن يحييوا بين أحضان عائلة سوية مثل الذين سمح الله لهم بعائلات ؟؟؟!
انا لااريد التعمق في موضوع التبني وشروطه وقوانينه الكتابية أو المدنية ...
لكن كل ما يهمني أن التبني هو عمل يُسر به الله لمن له الثقة في أن يقوم بهذا الواجب , وهي واجبات ليست سهلة , فهي تعتمد أولا علي مدي قوة حنان وعواطف الذين يتبنون أطفالا , وعلي مدي عطائهم المفروض أن يكون بلا حدود , وعلي مدي الحب الذي يمتليء به قلوبهم لكي يستطيعوا أن يسكبوه لهؤلاء الأطفال والذين يحسبون عليهم ليس من دمهم .
و لكن أكرر ما قاله السيد المسيح في متي 25 : 41 " ابتعدوا عَنِّي يَامَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ ِلإِبْلِيسَ وَأَعْوَانِهِ! 42 لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي،
وَعَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي، 43 كُنْتُ غَرِيباً فَلَمْ تَأْوُونِي، عُرْيَاناً فَلَمْ تَكْسُونِي، مَرِيضاً وَسَجِيناً فَلَمْ تَزُورُونِي! 44 فَيَرُدُّ هَؤُلاَءِ أَيْضاً قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً أَوْ عَطْشَاناً أَوْ غَرِيباً أَوْ عُرْيَاناً أَوْ مَرِيضاً أَوْ سَجِيناً، وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ 45 فَيُجِيبُهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا! 46 فَيَذْهَبُ هَؤُلاَءِ إِلَى الْعِقَابِ الأَبَدِيِّ، وَالأَبْرَارُ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ! »
التبني يُسر به الله ... وهو يتخذ أشكالا كثيرة ... فمن العائلات التي لم يوهبهم الله نعمة الأطفال , وكانا مملوئين محبة وعطف فلهم حرية التبني إذا شاءت ... ومنهم من لديه وزنة العطاء يختار ابنا أو بنتا من إحدي الملاجيء , ويتبناها ماديا مع استمرار وجودها في الملجيء . هناك الكثير من انواع التبني . فكل ماهو نابع من القلب من محبة لا نتواني في القيام به من أجل هؤلاء الصغـــــــــار ....!!!
اختم واقول : يا إبني ... انت علي طول ضنايا ... حتي ولو إتخذتك إبن بالتنبي !!!!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=19410&I=480