سويسرا لا تكتفي بلعب دور المتفرج في الشرق الأوسط

SwissInfo

منذ سنوات، تنكبّ الدبلوماسية السويسرية على بحث السُّـبل الكفيلة بتخفيف الحصار المفروض على قطاع غزّة، وهي القضية التي عادت إلى صدارة الاهتمام، منذ الهجوم الدموي على أسطول الحرية وإجراءات التخفيف المحدودة اللذان قُـرِّرا من طرف حكومة نتانياهو.

مئات الفلسطينيين ينتظرون إمكانية العبور إلى مصر في أعقاب الهجوم الدموي الذي نفذته وحدة عسكرية إسرائيلية على "أسطول الحرية" الإنساني الذي كان متجها لكسر الحصار المفروض منذ عام 2006 على قطاع غزةيُمكن اختصار الطموح الحالي للدبلوماسية السويسرية في الشرق الأوسط، في أن تكون "عنصرا مفيدا". ومع أن هذا الهدف يبدو متواضعا بالنظر إلى تحرّكها السابق لفائدة "مبادرة جنيف" السلمية في عام 2003، إلا أنه يتسم بالواقعيّة بحُـكم التعدّد والنوعية اللذان يميزان الفاعلين المعنيين مباشرة بالنزاع المُـزمن القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وإذا ما اقتصر الأمر على مسألة الحصار المفروض على قطاع غزة، فإن هذا الطموح السويسري قد يُـؤتي ثماره، إذا ما دخلت آلية مراقبة عبور البضائع باتجاه قطاع غزة، التي بلورها الأوروبيون حيّـز التطبيق في قادم الأيام.

مقاربة إنسانية
هذه الآلية المقترحة التي غذّتها الخِـبرة السويسرية، تمّ التطرّق إليها مجدّدا من طرف الرئاسة الإسبانية للإتحاد الأوروبي، إثر الإعلان يوم الخميس 17 يونيو، عن بعض الإجراءات الإسرائيلية، الرامية إلى تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة. وجاء في بيان صادر عنها (أي الرئاسة الإسبانية) "إن الاتحاد الأوروبي سيعمل الآن من أجل الحصول على تواجُـد أوروبي في معابر الدخول إلى غزة، لتسهيل دخول البضائع والأشخاص وللتأكيد لإسرائيل أيضا، بأنه لا وجود لعمليات تهريب".

من الناحية العملية، تشتغل الدبلوماسية السويسرية منذ سنوات على هذه المسألة، مثلما يذكّـر السفير جون دانييل روش، مبعوث الحكومة الفدرالية الخاص للشرق الأوسط. وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قال السفير: "منذ بداية حصار قطاع غزة (الذي بدأ في يونيو 2006 إثر اختطاف مسلحين للجندي الإسرائيلي جلعاد شليط وتم تشديده منذ سيطرة حركة حماس في يونيو 2007 على القطاع بعد حصولها على الأغلبية في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006 وتاليا إثر حسم الصراع بين فتح وحماس في غزة لفائدة هذه الأخيرة – التحرير)، ونحن نتساءل حول كيفية تأمين إمداد سكانه واقتصاده".

من جهة أخرى، يشدد جون دانييل روش على البُـعد الإنساني للمقاربة السويسرية، ويقول: "تمخّـضت مشاوراتنا في مرحلة أولى في عام 2007 عن تحليل قانوني لواجبات إسرائيل، باعتبارها قوة محتلّـة لغزة"، لكن أطراف النزاع، اختاروا من جانبهم المواجهة العسكرية، التي تُـوِّجت في ديسمبر 2008 بعملية عسكرية إسرائيلية ضخمة ضد القطاع (أسفرت عن مقتل أكثر من 1300 شخص وسقوط مئات الجرحى، أغلبيتهم الساحقة من الفلسطينيين وعن تدمير جزئي أو شامل لأكثر من 1000 مبنى).

وعلى إثر هذه الكارثة الإنسانية الجديدة، أطلقت الدبلوماسية السويسرية فكرة أخرى، مثلما يوضِّـح جون دانييل روش: "لمواجهة توقّـف عملية إعادة بناء غزة، اقترحنا السنة الماضية تشكيل آلية مستقلة لإدارة إعادة البناء في غزة"، نظرا لأن الحصار استمرّ ميدانيا في تضييق الخناق على القطاع، بعد مرور أكثر من عام على الهجوم الإسرائيلي.

في الأثناء، أسندت الأمم المتحدة مهمة جديدة إلى الكنفدرالية. ويذكِّـر جون دانييل روش أنه "عندما تلقّـينا في نوفمبر 2009 تكليف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدعوة إلى مؤتمر حول تطبيق معاهدات جنيف في الأراضي المحتلة، اتّـضح لنا أن أولوية الطوارئ الإنسانية، كانت غزة".

وفي سياق متصل، أدّى البروز المفاجئ لـ "أسطول الحرية" في المياه المضطربة للشرق الأوسط وعملية التصدّي الدموية لها من طرف كوموندوس إسرائيليين (أسفرت عن مقتل 9 من النشطاء الأتراك المؤيدين للفلسطينيين)، إلى تغيير جوهري للمعطيات الدبلوماسية وشدّد، تبعا لذلك، على صوابية التمشّـي السويسري.

انطلاقا من المعطيات المستجدّة، انكبّـت وزارة الخارجية السويسرية على دراسة الوسائل الكفيلة، بإقرار نظام دخول إلى قطاع غزة، يُـمكن توقّـعه ومستديم ويسمح لسكان القطاع ولاقتصاده بالتطور، مع ضمان أمن إسرائيل.

ويضيف جون دانييل روش بأن "نتيجة أفكارنا، قُـدِّمت خلال الأسبوعين الماضيين إلى مختلف شركائنا، سواء كانوا في واشنطن أو في بروكسل، ونحن على اتصال دائم معهم، لتحسين هذا الأنموذج".

معركة دبلوماسية
على صعيد آخر، يثير القرار الذي أعلنته إسرائيل يوم الخميس 17 يونيو بتخفيف الحصار المفروض على غزة، تساؤلات حول مدى قُـدرته على تخفيف الضغوط الدبلوماسية الكبيرة التي تتعرض لها حكومة نتانياهو، خصوصا وأن الكرة الآن أصبحت في ملعب الجهات الراعية لعملية السلام، وهي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا.

ويلاحظ إيف بيسّـون، الدبلوماسي السويسري السابق والمراقب النبيه لما يحدُث في الشرق الأوسط، أنه "في كل مرة تُـصبح فيها الضغوط الدبلوماسية قوية جدا، تُـرخي إسرائيل العنان قليلا على المستوى الإنساني، (وهي تقوم بذلك)، كي لا تتنازل عن أي شيء على المستوى السياسي".

وبالفعل، رحّـب الاتحاد الأوروبي بقرار إسرائيل واعتبره "خطوة في الاتجاه الصحيح"، فيما أوضح رئيس الدبلوماسية الإسبانية ميغيل أنجيلو موراتينوس، أنه "بدلا من وضع قائمة بالبضائع المسموح بها، يُـمكن على العكس من ذلك، إعداد قائمة بالبضائع المحظورة، حيث يُـمكن أن تُـمنع بضاعتان أو ثلاثة ويُـسمح للباقي بالدخول بدون صعوبات"، ويبدو أن تغييرا من هذا القبيل، يتلاءم تماما مع انتظارات الدبلوماسية السويسرية.

على العكس من ذلك، قلّـل وزير الخارجية الفرنسي من أبعاد القرار، واعتبر أن الخطوة الإسرائيلية "غير كافية"، وهي وجهة نظر تُـشاطره فيها عدة أطراف، تشمل البرلمان الأوروبي والمملكة الأردنية والسلطة الفلسطينية.

من جهتها، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن قرار تل أبيب "يُظهر بوضوح ان اسرائيل ليست لديها النية في انهاء العقوبة الجماعية بحق الأهالي المدنيين في غزة بل تخفيفه فحسب. هذا غير كاف"، وطالبت الدولة العبرية بأن "تحترم تعهداتها كقوة احتلال بموجب القانون الدولي وأن ترفع فورا الحصار".

وكان صائب عريقات، المسؤول عن ملف المفاوضات في السلطة الوطنية الفلسطينية، قد أوضح أن "الرئيس محمود عباس، يطالب بالرفع الكامل للحصار عن غزة، وهذا ما طلبه من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومن الاتحاد الأوروبي"، لكن المُـلفت أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أكّـدت قبل أيام أن محمود عباس صرّح للرئيس الأمريكي وللأوروبيين، أنه لا يريد رفعا شاملا للحصار الإسرائيلي "تجنُّـبا لتقوية إسلاميي حماس".