ميرفت عياد
بقلم: ميرفت عياد
لحظات قاسية مررت بها عندما استيقظت ذات صباح مبكرًا، وذهبت مع زوجي لنستقل سيارتنا القابعة في الجراج، وقبل وصولنا إلى السيارة سمعنا صوت طفل رضيع يصرخ بصوت عالٍ، نظرت إلى زوجي مستغربة ومتسائلة: تُرى.. ما هذا؟ فأخذنا ننظر يمينًا ويسارًا نبحث علنا نجده، فلم نجد شيئًا، ووقفت بجانب السيارة وأنا أسأل زوجي: أين هذا الطفل المكلوب؟ ولماذا يصرخ متألمًا بهذا الشكل؟
وفجأة.. وجدت زوجي ينحني تحت السيارة ويمد يده ليخرج لي مفأجاة لم أكن أتوقعها، فهذا الطفل -الذي لم يتجاوز عمره أيامًا- يقبع تحت السيارة.. يصرخ من شدة الجوع والبرد، وكان منظره مؤلم للغاية، ووجهه أحمر من شدة البكاء، ويداه باردتين من شدة الجوع والبرد، وعندما ضممته إلى حضني.. هدأ واستكان، وتساءلت: أي قلب أمٍ قاسٍ قذف بك تحت السيارة بدون ذرة شفقة أو نزعة ضمير؟ ولماذا يدفع طفل برئ ثمن ذنب لم يرتكبه ويجني ثمار بذور زرعها غيره في لحظة من لحظات الشر والفجور؟
وتذكرت كيف تنبح الكلاب عندما يقترب أحد من صغيرها، فهل يعقل أن تكون غريزة الأمومة في الحيوان أقوى وأشرف منها في الإنسان؟
وفيما تتصارع بداخلي الأفكار.. قال لي زوجي: يجب أن نسلمه إلى قسم الشرطة، لكى تقوم بإيداعه في إحدى دور الأيتام، والحقيقة أنني أشفقت عليه من هول المصير الذي ينتظره، ولكن لم يكن بيدي شيئًا من أجله لأفعله،
وفيما نحن في الطريق.. أخذت أنظر إلى وجهه الملائكي الذي سوف تُذبح براءته في إحدى الملاجىء، ووجدت نفسي أقول له: لست وحدك يا بني من لفظته أمه، فمصر هي الأخرى أم قاسية، لفظت أولادها ووضعتهم تحت عجلات الفقر والقهر والفساد، تحت عجلات التلوث الذي ينهش أجسادهم وعقولهم، وضعتهم تحت عجلات الكبار وأصحاب النفوذ، وضعتهم أيضًا تحت موجة من موجات الهوس الديني ليطحن الشعب بعضه ويُلهى عن أفعال حكومتها الرشيدة، فالعجلات كثيرة.. عد ولا حصر.. وكلها تؤدي إلى سحق لشعب بأكمله.
وهنا وصلنا إلى قسم الشرطة، وأخذ مني العسكري الطفل ووضعه على المكتب.. كمَنْ يتسلم حافظة نقود تم العثور عليها ملقاه في الشارع، حقًا.. فإذا كان هذا الطفل هان على أمه التي حملته في أحشائها تسعة أشهر، ألا يهون على ذلك العسكري الذي من المؤكد أنه يقبع في بيته عدد وفير منهم!!
وخرجت من القسم وأنا أتخيل ذلك المصير المرعب لهذا الطفل الذي ستطحن برائته قسوة الأيام.
http://www.copts-united.com/article.php?A=19295&I=477