جرجس بشرى
عرض: جرجس بشرى
الكتاب الذي نستعرض أهم ماجاء فيه اليوم يحمل عنوان "الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي.. من بني سليم إلى المدينة المنورة" وهو كتاب مهم يرصد المواقف الجريئة لفضيلة الشيخ "محمد سيد طنطاوي" ويتناول سيرته منذ ولادته بقرية سليم الشرقية التابعة لمركز "طما" بمحافظة سوهاج حتى وفاته بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.
إنجازات الشيخ الراحل:
ويؤكد الكتاب المشار إليه أن من أهم الإنجازات العلمية لفضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي: كتاب "بنو إسرائيل في القرآن والسُنة"، وكتاب "الدُعاء"، وكتاب "معاملات البنوك وأحكامها الشرعية"، وكتاب "حوار هادئ مع بابا الفاتيكان"، و"موقف المسلم من الفتن" و "تنظيم الأسرة" و"المرأة في الإسلام" وغيرها من الكتب، كما أشار الكتاب الذي نحن بصدده إلى آخر بحث ألفه الشيخ الراحل بعنوان "مخاطر الإرهاب وآثاره" وكان مُقررًا أن يُلقيه في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية في مؤتمر "الإرهاب بين تطرف الفِكر وفِكر التطرف" غير أن المنية عاجلته، فألقاه نيابة عنه فضيلة الدكتور "علي جمعة" مفتي الديار المصرية، كما أشار الكتاب إلى أن شيخ الأزهر الراحل قام بتسجيل ما يقرب من (2000) حلقة في برنامج "مع القرآن الكريم خلال عشر سنوات منذ 1997 م إلى 2007 م، كما سجل (1000) في برنامج "في رحاب القرآن" للقناة الثقافية بتليفزيون جمهورية مصر العربية، بجانب مشاركاته المتعددة في المؤتمرات الدولية والمحلية.
النهج الوسطي للشيخ طنطاوي ومناصرة قضايا المرأة:
واعتبر الكتاب أيضًا أن شيخ الأزهر الراحل يُعد وأحدًا من أبرز دُعاة الوسطية في العصر الحالي، بالإضافة إلى أن فتاويه كان لها تأثير كبير، كما أُعتبر إمام دين معتدل، كما كان مُناصرًا لقضايا المرأة مما جعله هدفًا متكررًا للهجوم من قبل الإسلاميين المُتشددين، ففي عام 2000 م، وفي خِضم جدل عام بشأن تشريع يُسهل للسيدات الحصول على الطلاق في مصر، أفتى طنطاوي بأنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية ما يمنع المرأة من الحصول على الطلاق بسهولة، وتم إثر ذلك إقرار القانون المعروف باسم "الُخلع".
دورالشيخ الراحل في تدعيم الحوار بين الشعوب والأديان:
ويسرد الكتاب المُشار إليه وقائع كثيرة تؤكد على دور فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي في تدعيم أواصر العلاقة بين الشعوب والحوار بين الأديان ومحاولاته لنبذ التعصب الأعمي، حيث يؤكد الكتاب أن الشيخ طنطاوي هاجم مفاهيم التشدد والتعصب والعدوان والانتحار الذي يقوم به بعض المسلمين، والذي أدى لنكبات عدة للمسلمين وتشويه صورة الإسلام السمح، وأنه أصلح كثيرًا ما طرأ على علاقات المسلمين بالأقباط من توترات، ونشأت بينه وبين قداسة البابا شنودة الثالث علاقة مودة واحترام.
أما عن دوره في تواصل الأديان، فأشار الكتاب إلى أن حرص طنطاوي على حضور مؤتمرات الحوار بين الأديان لم يكن عابرًا وإن اضطره ذلك لمُصافحة "شيمون بيريز" رئيس إسرائيل، وما تعرض له من هجوم عنيف تسبب في دخوله المستشفى، ذلك لأنه كان يؤمن دائمًا بضرورة العمل على نشر السلام والتعاون التام بين الأديان والثقافات، وأن من أشهر مقولاته في هذا الشأن: "إن حكمة المولى عز وجل اقتضت أن يخلق الناس مختلفين إلا أن اختلاف الأديان لا يمنع مطلقًا الحوار والتعاون فيما بينها، لأن الذي يحاسب على العقائد هو الله سبحانه وتعالى، فلكل إنسان الحرية في عقيدته لأن الإكراه في العقائد لا يأتي بمؤمنين صادقين بل يأتي بمُنافقين كاذبين".
وأوضح الكتاب الذي نحن بصدد استعراض أهم ما جاء فيه أن استقبال الشيخ الراحل محمد سيد طنطاوي قيادات مسيحية ويهودية وغيرها في دار الأزهر الشريف، وتحاوره معهم يؤكد على أن مبدأ الحوار مبدأ إسلامي أصيل "وجادلهم بالتي هي أحسن"، وأنه لاقى هجومًا كبيرًا وتعرض للنقد بل والأذى من خصومه وخاصة من أصحاب الجمود أو من الطامحين، ولكنه مع ذلك كان صلبًا في الحق متمسكًا برأيه ومؤكدًا رغبته في تغييره إذا أقنعه أحد بحجج سليمة وصحيحة.
** فتاوى جريئة للشيخ طنطاوي:
ويقول الكتاب إن الشيخ محمد سيد طنطاوي قد أفتى معتمدًا على سماحة الإسلام ويُسره وإدراك مغزى وجود مسلمين في دول غير إسلامية، فدعاهم لاحترام تقاليد وقوانين أوطانهم والتمسك بمبادي دينهم، والبعد عن الغلو والتطرف والتشدد كما في فتواه بأن النقاب عادة وليس عبادة، وفتواه باحترام القانون في فرنسا، وأشار الكتاب إلى أن الشيخ الراحل كان قد أصدر خلال قيامه بوظيفة الإفتاء كثيرًا من الفتاوى التي كان لها أثرها في المجتمع.
ومن هذه الفتاوى: فتوى تحريم مصادرة الأموال إلا عن طريق الهيئات القضائية، وفتوى إلغاء ضريبة التركات، وفتوى تنظيم النسل، وفتوى نقل الأعضاء، وفتوى شهادات الاستثمار، وأن التعامل فيها حلال، وفتوى التعامل مع البنوك التي تحدد الأرباح وأن هذا التحديد لا مانع شرعًا منه.
وقال الشيخ القرضاوي عنه بعد وفاته بحسبما ورد في هذا الكتاب: "لقد عرفت شيخ الأزهر منذ كان طالبًا في كلية أصول الدين، وقد دخلها عقب تخرجي منها عام 1953 م، لقد خالفته في عدد من القضايا، وبخاصة تلك التي تتصل بشئون الأمة وعلاقتها بالعالم من حولها، مثل استقباله لأكبر حاخامات إسرائيل في مكتبه، ومثل تبريره لفرنسا في منع حجاب الطالبات المسلمات في المدارس، بناءً على أن كل دولة حرة في اتخاذ ما ترى من قوانين، ناسيًا أنه ليس من حق أي دولة أن تسن قوانين تلغي الحرية الشخصية، وتناقض الحرية الدينية وهما من أقدس حقوق الإنسان.
** مكانة الشيخ طنطاوي عند المسيحيين المصريين:
استعرض الكتاب مقالاً للأستاذ "إميل أمين" عن رحيل الإمام الأكبر أكد فيه على أن في مقدمة من حزنوا على الشيخ طنطاوي، البابا شنودة الثالث الذي أكد على أن الحزن ملك كيانه على فراقه وأن رحيله خسارة كبيرة لا تعوض، وأن البابا قال بعد رحيله: "فقد كان رحمة الله عليه مجموعة من الفضائل وكانت له في قلبي محبة عميقة وكنت اعتبره أخًا لي وصديقًا، وكنا نتفق معًا في كثير من الآراء والمواقف، ولا أجد عزاء في فراقه".
** المواطنة من منظور إسلامي:
جاء بالكتاب عدد كبير من كتابات الشيخ محمد سيد طنطاوي نذكر منها على سبيل المثال المقال الذي كتبه بعنوان "المواطنة من منظور إسلامي" وقال الشيخ طنطاوي في هذا المقال:
"المواطنة المقصود بها عددًا من الناس يسكنون في مكان واحد بصفة دائمة، وبناءً عليه فجميع سكان مصر من مسلمين ومن مسيحيين ومن غيرهم،،، ما دام الكل يحمل الجنسية المصرية، فهم جميعًا يعتبرون مواطنين مصريين بصرف النظر عن دياناتهم وعقائدهم.. وأشار فضيلته أن الرسول (ص) عندما استقر بالمدينة المنورة اهتم بإمور ثلاثة هي إنشاء المسجد الذي يجمع أصحابه من المهاجرين والأنصار على آداء شعائر الإسلام وعباداته، وغرس الإخوة الصادقة بين المهاجرين والأنصار، الإخوة التي تجعلهم كالبنيان المرصوص وهم قد أصبحوا جميعًا يعيشون في بلد واحدة وهي المدينة المنورة، وكذلك عقد معاهدة مع جميع سكان المدينة من اليهود وغيرهم تتضمن هذه المعاهدة أن المدينة المنورة وطنهم جميعًا، لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، وأن على سكانها جميعًا ــ دون تفرقة ــ أن يدافعوا عن مدينتهم إذا ما تعرضت لأي عدوان.
وقد ذكر فضيلة الشيخ أن هذه الوثيقة أو المعاهدة تأتي على رأس أعظم الوثائق التي تثبت أن سكان كل مدينة أو وطن، هم الذين تنطبق عليهم صفة المواطنة لتلك المدينة أو لذلك الوطن، بصرف النظر عن عقائدهم أو مذاهبهم، ونقصد بالمواطنة (بحسب الشيخ طنطاوي): المجتمعات الإنسانية التي تسكن في وطن واحد، والمواطنة بمعنى تآلف الناس وتعاونهم في بلد واحد أو في موطن واحد دليل على سلامة العقول والوجدان.
رحيل الشيخ:
يقول الكتاب إن الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، توفى صباح يوم الأربعاء 24 ربيع الأول 1431 هجرية، الموافق 10 مارس 2010 م في الرياض عن عمر يناهز 81 عامًا، إثر نوبة قلبية تعرض لها في مطار الملك خالد الدولي عند عودته من مؤتمر دولي عقده الملك عبد الله بن عبد العزيز لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها عام 2010.. وقد صُليّ عليه العشاء في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وورى الثرى في مقبرة البقيع.
*الشيخ طنطاوي يتبرع بكل أمواله :
أوضح الكتاب المُشار إليه أن فضيلة شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي تبرع بكل ما رزقه الله تعالى من أموال وصلت إليه عن طريق مؤلفاته وبحوثه وأحاديثه عبر الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة داخل مصر وخارجها، وأنه من واقع المستندات الرسمية فقد بلغت هذه التبرعات حتى نهاية شهر ديسمبر 2009 م سبعة ملايين وخمسة وسبعين ألف جنيه، وهي مسجلة بالشئون المالية بمشيخة الأزهر الشريف.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يأتي ضمن سلسلة "قمم مصرية" والتي تصدر عن المجلس القومي للشباب. وقد قام بإعداد الكتاب لجنة البحوث بالإدارة العامة لبحوث الدعوة تحت إشراف فضيلة الشيخ سالم عبد الجليل.
http://www.copts-united.com/article.php?A=19027&I=471