محمود عزت
بقلم: محمود عزت
من وجهة نظره القاصرة هو العارف بكل شيء، والملم والفاهم لكل شيء، والقادر على فعل ما ولم ولن يفعله غيره. ثقته بقدراته المحدودة لا حدود لها!!
هو دائمًا على حق وكل الحق، ولا شيء سوى الحق!!
يحسب كل صيحة عليه هي العدو، إذا أتته أخبار عن شيء، ظل يُعمل الفكر فيها بغية استخلاص ما ينفعه منها.. ينفعه هو فقط.. ودونه لا يستحقون ما يتقاضونه من أموال أو غنائم نظير عملهم في خدمته..
فما هم إلا خونة.. أغبياء.. سفلة.. تحوط بهم الشكوك من أعلى رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، فلا يرى منهم إلا مساوءهم!
هكذا كان صاحب العزة والرفعة الذي رفعته الأقدار في غفلة على قمة الغابة، فهو ملك الغابة، فلا معتب لأوامره فيها، وإذا تفكر وتفكر فإنه واصل لا محالة إلى قرار بلا قرار.
فإذا نطق فلا منطق ولا مضمون ولا نهاية، فهو يتحدث ولا حرج! والحديث مسترسل بعيدًا بعيدًا ليخرج عن كل الإحداثيات بلا أساس ولا مغزى...فالمهم أن يتحدث ويستمع إليه الآخرون، بإهتمام صوري مفتعل، وبل ليستخرجوا من هذا الحديث دررًا فكرية وتخريجات ذهنية، وجواهر عقلية عبقرية!
كان لا يطيق الفاهمين المتمكنين، فهم أعداؤه المتربصين به بهدف إيقاعه في براثن عميقة، مثل أفكارهم المعقدة مثلهم، فهم أناس معقدون متقعرون، عندما يتكلمون يستخدمون ألفاظًا غريبة مستغربة، براجماتية، دوجماتية، ديماجوجية.
إنهم أنصاف مثقفين، يحفظون ألفاظًا رنانة...فالمثقف الحقيقى الواعي لابد أن تكون لغته بسيطة سطحية، ولا يُرهق رؤسائه بأفكار عميقة وألفاظ رصينة! "فالملافظ سعد!".
"ماذا يريد هؤلاء المعقدون؟ أيرغبون أن يفرضوا علىّ آرائهم التافهة، السخيفة، المعقدة، المقعرة؟...إنهم أعدائى يكرهوننى دون سبب الإ الحقد علىّ...يالهم من شرذمة من الحاسدين!".
هكذا كان يُحدّث ملك الغابة نفسه، شاخصًا بصره إليهم...وعلى فمه إبتسامة سخرية وإستهزاء، تعرفها عنه كل حيوانات الغابة، ثم ينفجر على حين غفلة قائلاً بصوت رقيق نسوي، يشبه ذلك الصوت الذى يصدر عن أنثى القط المتنمرة فى حالات تورثها الداخلية!: " ما هذه الأفكار التى تعرضونها علىّ...؟ كفاية بقى فلسفة وسفسطة...الأحرى بكم أن تسمعوا كلامى الثمين وتخرسوا ..
أنا من يملك الحقيقة الكاملة...أنا لدىّ شفافية، وإلهام، ورسالة إلهية، ونقاء...وأرى الأمور بوضوح...
أنا لست فى حاجة إليكم أيها المستشارين الأغبياء...من أنتم حتى تتحدثون...ألا تعلموا أيها المستشارين أن السكوت من ذهب؟!! إن مكانكم ليس هنا قرب عرينى- عرين ملك الغابة- بل مكانكم هناك..." مشيرًا بأناملة الناعمة الرقيقة الدقيقة إلى أعلى...
وهنا يفهم من يحضر هذه الواقعة من معاونيه- الذين انتقاهم يشبهونه أفقًا ضيقًا- رغبة سيدهم السامية فى هدم رؤية هؤلاء المستشارون مرة أخرى...ولابد من نفيهم إلى أعلى...إلى بعيد...حيث لا يراهم أحد، ولا يرون هم أحدًا، ومن باب أولى لا يراهم هو – أى ملك الغابة – ولا جنوده!
إذن فليكن ما يشاء ملك الغابة...
إذا جاء من يلهج بالثناء على كفاءة وكياسة أحد مرؤوسيه، ولا سيما هؤلاء المتقعرون المتفلسفون ذوى الأفواه الواسعة البليغة، وذوى المآرب الخسيسة الخبيثة- فى إفهام ملك الغابة ما لا يفهمه ولا يعيه، يتميز من الغيظ والغيرة، محاولاً إسكات أصوات الحق عن مرؤوسيه، الذين يكرههم كما تكره الفئران المذعورة القط المستأسد!.
دع الكلاب تعوى والقافلة تسير..
ومع ذلك فلكلٍ نهاية...والنهاية ليست بالضرورة موتًا طبيعيًا إكلينيكيًا...وإنما ربما سيكون موتًا معنويًا يترك الجسد حيًا والقلب ينبض، ويقضى على الروح الشريرة بطغيانها وشرورها وآثامها، فالعاقبة من جنس العمل...وكما تزرع تحصد!
فلتذهب ياصاحب الجلالة والعزة والرفعة إلى الجحيم، فذهابك ورحيلك هو الغاية.
وتأكد أن حيوانات الغابة لن تبكيك حزنًا...بل قد تبكيك فرحًا؛ لأنك لم تع دروس التاريج...فالأيام دول والدول تزول.
فلقد ذهب الإتحاد السوفيتي وتفتت. واستقلت الولايات المتحدة بالقوة الغاشمة الظالمة، وسينالها ما نال غيرها من القوى التى بزغت فى التاريخ القديم...الفرس والروم...وستنهار حضارتها كما انهارت حضارة إرم ذات العماد، والتى لم يُخلق مثلها فى البلاد!
وستنهار سيمفونية "العالم الجديد" للموسيقار "دو جفراك"!
http://www.copts-united.com/article.php?A=18746&I=464