يوسف سيدهم
بقلم: يوسف سيدهم
كلما سنحت الفرصة لتسليط الضوء علي صورة إيجابية في حياتنا المعاشة أسرع لاستثمارها، ذلك لأن السلبيات غالبة وتشكل السواد الأعظم مما أكتب حتي أنني أخشي تصدير مزاج عام يتسم بالإحباط واليأس للقراء الأمر الذي يتناقض تماما مع توجهي نحو حتمية العمل علي علاج المشاكل وإيجاد حلول بناءة لها.
رسالة تدعو للارتياح والتفاؤل وصلتني من الأستاذ هاني سمير نصر الله الذي يقطن عين شمس الشرقية في ضواحي القاهرة لكن مسقط رأسه قرية نجع حمد-طهطا- سوهاج...الرسالة جاءت لتكسر مسلسل المشاكل والمتاعب التي يتهمني البعض بأني دأبت علي الكتابة فيها، وتقدم نموذجاً لما نتمني أن تكون عليه العلاقة الحياتية اليومية بين المصريين...العلاقة الحياتية اليومية التي تتجاوز الرسميات والمجاملات والمناسبات لتمتد إلي البساطة والتلقائية المنزهة عن القصد الزخرفي أو الغرض...فماذا تقول الرسالة:
أود أن أسجل صورة مشرقة لوضع عايشته عسي أن تبعث الغيرة في قلوب البعض ويحذون حذوها.أسكن في القاهرة بضاحية عين شمس الشرقية وأسافر بين الحين والآخر إلي قريتي ومسقط رأسي نجع حمد بطهطا من تخوم سوهاج، حيث تعودت علي زيارة الأب الكاهن راعي الكنيسة في منزله كلما أتاحت لي الظروف...وفي المرة الأخيرة لدي ذهابي لزيارته تصادف لقائي بمجموعة من المسلمين الذين ذهبوا لزيارته في ذات الوقت وكانت المجموعة تضم بعض أئمة المساجد في القرية. وتوقعت أن يغلب علي الزيارة الطابع الرسمي وزخرف الحديث،فإذا بي أفاجأ بما يؤكد المعرفة الوطيدة واللقاءات المتكررة بينهم وبين الأب الكاهن، حيث فاضت الجلسة بالمحبة والمودة وروح المرح، كما عرفت أنهم تعودوا تبادل الزيارات في منازل بعضهم البعض وأن المشاعر الدافئة الحميمة تربطهم...وقد أشاد الأب الكاهن بحديثهم وبخطبهم التي يلقونها في مساجدهم، تلك الخطب التي تخلو تماما من أي عبارات جارحة أو كارهة، بل علي العكس توصي بالمحبة والاحترام للجار - مسلما كان أو مسيحيا - دون أدني تفرقة.
هكذا مضت الزيارة، وكما سارت تغلب عليها المودة انتهت بروح طيبة مرحة وخرج الأب الكاهن يودع أصدقاءه داعيا بدوام المحبة التي جمعت بينهم...وقفت أتابع وأتأمل هذا المشهد الذي حدث في يوم عادي بعيداً عن أي مناسبة فانتفي عن الغرض والزخرف ووددت لو كانت معي كاميرا لأصور اللقاء الجميل وأحتفظ به للذكري، لكني اكتفيت بأن أدعو أن يبارك الرب في أمثالهم ويكثر منهم فهذا ما تحتاجه مصر لبعث الأمل في غد تبرأ فيه من أسقامها.
لست أقص عليكم وضعاً عجيباً نادر الحدوث في قريتنا،إنما هو وضع طبيعي معاش أرويه وأرجو أن تنشروه حتي لا يقال إنكم تندفعون لنشر الوقائع السلبية والسلوكيات القبيحة فقط، فكل مكان به الخير والشر، وكما تنشرون عن الشر بغية علاجه يجدر بكم أن تسلطوا الضوء علي الخير لبعث الطمأنينة في النفوس.
شكراً لكاتب الرسالة الأستاذ هاني سمير نصر الله علي مبادرته الطيبة التي أثق أنها ستنزل منزلة حسنة لدي الكثير من العقول والقلوب...لست أعرض رسالته لأتنكر لمعاناة وعذابات الكثيرين الذين أكتب عن مشاكلهم، ولكن لأطمئن هؤلاء أن الطبيعة المصرية الأصيلة والوديعة والسمحة لاتزال قابعة في أعماق الشخصية المصرية وإن كان قد علق بها بعض الغبار الذي أطفأ بريقها فبجهادنا كلنا معا-مسلمين ومسيحيين- سوف ننجح في استعادتها وعزل من يحاولون تغييبها...نحن نحتاج إلي مثل هذه الأمثلة كلما ضاقت صدورنا تحت وطأة الواقع حتي نتسلح بها في معرض جهادنا لتغيير الواقع، وكما كتب كثيرا كثيراً عن الأمور السلبية المسكوت عنها، لا يجب إغفال الأمور الإيجابية بحيث تصبح مسكوتاً عنها.
http://www.copts-united.com/article.php?A=18487&I=458