د. عاطف نوار
بقلم : عاطف نوار
خرج شيوخ المسلمين بمجموعة من التشكيكات الواهية فى قدسية الكتاب المقدس أملا منهم أن يثبتوا أنه ليس كتابا إلهيا.. و ذلك حفظا لماء الوجه لما أبدوه من عجز فى الرد على تساؤلات القمص زكريا بطرس ..
لقد انتهج شيوخ الإسلام منهاج السطحية و التلفيق مصدرين الفتاوى الإرتجالية العارية من الدليل و البرهان و قاموا بتفسير نصوص الكتاب المقدس حسب أهوائهم و تحت قيادة سطحيتهم .. فابتعدوا عن كتب التفسير المتخصصة فى الكتاب المقدس و اسلموا أنفسهم لفكر منحرف مرفوض و تفاسير هوجاء خاطئة هم أنفسهم غير قانعين بها..
كان يتعين عليهم أن ينتهجوا النهج العلمى و البحثى مثلما يفعل جناب القمص .. فهو لايفسر و لايفتى إرتجالا.. بل يأتى بما فى كتب التفسير و التراث الإسلامية و يتساءل عما بها .. لقد اختاروا نشيد الأنشاد مصدرين فتاوى شخصية مرسلة و ملفقة دون الرجوع لكتب تفسير الكتاب المقدس و ادعوا أنه سفر جنسى .. و لكن هيهات .. إن نشيد الأنشاد سفر من أسفار الكتاب المقدس و المدرج تحت مجموعة الأسفار الشعرية .. و الشعر كما عرفه ستدمان هو اللغة الخيالية الموزونة التي تعبّرُ عن المعنى الجيد والذوق والفكرة والعاطفة وعن سرّ الروح البشرية .. و الشعر نوعان إما موزون و له قافية ويسمى نظم .. و إما غير موزون و بدون قافية و يُعرف بالنثر ..
ونشيد الأناشيد هو نثر وجدانى .. و الشعر الوجدانى هو لغة خيالية لتصوير الوجدان .. إذن فسفر النشيد هو لغة خيالية تشبيهية استخدمها الوحى الإلهى ليُقرب و يسهل للعقل البشرى طبيعة علاقة الحب بين الله الغير مرئى و النفس البشرية ..
و السيد المسيح أكد هذا فى العهد الجديد حيث كان يُعلم الجمع من الشعب بأمثال و تشبيهات تُقرب لهم معنى و طبيعة ملكوت السموات "من أجل هذا أكلمهم بأمثال ، لأنهم مبصرين لا يبصرون ، وسامعين لايسمعون ولا يفهمون" (مت 13 : 13) و أيضا " لكي يتم ما قيل بالنبي القائل : سأفتح بأمثال فمي ، وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم" (مت 13 : 35) .." قد كلمتكم بهذا بأمثال ، ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال ، بل أخبركم عن الآب علانية" (يو 16 : 25).."هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال ، وبدون مثل لم يكن يكلمهم" (مت 13 : 34).." وجعل يسوع يكلمهم أيضا بأمثال قائلا" (مت 22 : 1).. "وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا "(مر 4 : 33).
و قبل أن يبدأ السيد المسيح كلمة فى أى مثل كان يقول كلمة " يشبه " "يشبه ملكوت السماوات إنسانا زرع زرعا جيدا في حقله" (مت 13 : 24) و أيضا " يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى(مت 25 : 1) .. إن السيد المسيح له المجد أوضح فى مثل العذارى الحكيمات معانى سفر النشيد عندما شبه لقاء النفس البشرية لله بعد الموت الجسدى بلقاء العذراء لعريسها معبرا عن عمق و حميمية الحب بين الله و النفس البشرية.. كل هذا تشبيهات و أمثلة لتقريب المعنى..
و لقد علمنا فقهاء البلاغة العربية ركنا هاما لدراسة النصوص و هو ما يُعرف " بجو النص النفسى " .. و الجو النفسى للنص نعرفه من المفردات السائدة على النص .. و بمعرفة الجو النفسى للكتاب المقدس يُمكننا الحكم على الجو النفسى لسفر النشيد إذا كان كلاما خارجا جنسيا أم نثرا خياليا يُعبر عن حميمية علاقة الله بالنفس البشرية .... فبقراءة الكتاب المقدس فيما يتعلق بالجنس نجد أن هناك تحفظات و محاذير على البشر حتى المتزوجين منهم
1-فكل مافى الكتاب المقدس يدعو للطهارة حتى فى النظرة حيث وصل بنا الكتاب المقدس إلى أعلى مستويات العفة والقداسة حيث قال الرب يسوع المسيح " أما أنا فأقول لكم : إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها ، فقد زنى بها في قلبه (مت 5 : 28 ).
2- حثنا الكتاب المقدس على البُعد عن الزنا واصفا إياه بأنه عداوة لله " أيها الزناة و الزوانى أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله ؟ فمن أراد أن يكون مُحبا للعالم فقد صار عدوا لله " (يع4:4 ).. و إمعانا فى الحفاظ على الطهارة أوصانا الكتاب المقدس بالهروب من الزنا فى مراحله الأولى حيث يكون شهوة فقط "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها و اتبع البر و الإيمان و المحبة و السلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقى " (2تى2 :22 ) .. إلى درجة عدم مُخالطة الزناة " كتبت إليكم فى الرسالة أن لا تخالطوا الزناة " ( 1كو5:9 )
3- لقد ارتقى الرب يسوع بالبشر موجها غريزتهم الجنسية إلى الإنضباط و التعفف فحدد زوجة واحدة للرجل واصفا الزوج و الزوجة بالجسد الواحد
†وقال : من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ، ويكون الاثنان جسدا واحدا (مت 19 : 5)
† يكون الاثنان جسدا واحدا . إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد (مر 10 : 8))
† من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ، ويكون الاثنان جسدا واحدا (اف 5 : 31)
لم يسمح السيد المسيح له المجد بانتين و ثلاثة و أربعة و ما اُتيح من نساء ..لقد منع الطلاق إلا لعلة الزنا .. فالزنا هو الذى يكسر وحدانية الجسد الواحد .
4- و إمعانا فى تأكيد قدسية الكتاب المقدس أوصى الزوجين بالحفاظ على طهارة المضجع " ليكن الزواج مكرما عند كل واحد ، والمضجع غير نجس . وأما العاهرون فسيدينهم الله" (عب 13 : 4) و لقد شبه معلمنا بولس حب الرجل لزوجته كحب المسيح لعروسته الكنيسة " أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة و أسلم نفسه لأجلها (اف 5 : 25) ..
5- أعلن لنا الله فى كتابه المقدس مكانة الزناة و مكانهم " و أما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت ، الذي هو الموت الثاني ( رؤ 21 : 8) .. وفى العهد القديم حرق الله سدوم و عمورة بسبب الزنا.
لم يُذكر فى الكتاب المقدس كله كلمة ككلمة " نكاح " مثلا .. فسفر النشيد تشبيه عميق للعشق بين الله و النفس البشرية .. و ليس كما تخيل حضرات الشيوخ بفكرهم و إرتجالهم.
6- عندما تكلم رب المجد يسوع عن الحياة الأخرى أُخبرنا بالطبيعة الطاهرة النورانية التى سيوجد عليها البشر " فى القيامة لا يزوجون و لايتزوجون بل يكونون كملائكة الله فى السماء" ( مت22:30 ) .. و ليس بالحور العين و الولدان المخلدين ..
مما سبق أيها القارئ الحبيب .. نرى أن الجو النفسى فى نصوص الكتاب المقدس مقدس و طاهر و نقى لا يتناسب مع كون سفر النشيد جنسيا كما أفتى شيوخ الإسلام .. إن علماء الإسلام لم يقرأوا كعادتهم تفاسير الكتاب المقدس عمامة و سفر النشيد خاصة .. فمن أين أتوا بالتفاسير النجسة التى تدعى أن سفر النشيد جنسى ؟ .. أنصح شيوخ الأسلام بأن يقرأوا و يبحثوا جيدا فى الكتب المتخصصة قبل أن يفتوا .. ألا يعتمدوا على سطحية مستمعيهم من البسطاء و عدم مراجعتهم لما يقولون .. فهناك من العقول المستنيرة التى تبحث و تنقب و تمحص و تكشف الأكاذيب بنعمة الله .. أرجو أن يقرأوا و يعوا لتستنير أذهانهم لئلا ينطبق عليهم قول الكتاب المقدس " كل شيء طاهر للطاهرين ، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا ، بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم" (تي 1 : 15) .. و من ثم يفقدون مصداقيتهم .. و للنشيد بقية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=18412&I=457