تراجع

بقلم: نعم الباز

ماذا حدث لمصر؟.. ما هذا التراجع الفكرى؟ ما هذه التناقضات التى يعيشها المجتمع..؟ مصر بلد الأديان.. بلد الاستنارة وفلسفة الرضا والعمق فى العلاقات.. لقد تغيرت كيمياء المصريين بلا جدال.
الشارع المصرى إما منتقبات ومحجبات وإما سافرات إلى حد عدم (الستر)، والشباب إما ملتحون وصلت ذقونهم لمنتصف الصدر.. أو رقعاء فاتحو الصدور يمضغون اللادن ويضعون السلاسل فى الصدور!
والتراجع المظهرى يقف خلفه تراجع فكرى شديد الضراوة.
فى بادرة ثقافية رفيعة المستوى، أعاد د.أحمد مجاهد رئيس الثقافة الجماهيرية، طباعة السفر العظيم (ألف ليلة وليلة)، ذلك الكتاب الذى يعيشه الشرق مليئا بالدراما المتشابكة والتى تثرى الوجدان وتغذى أكثر من وسيط ثقافى، سواء سينما أو مسرح أو مسلسلات أو كتب متفرقة.. تماما كروايات شكسبير.. وكأن الرجل لوث ماء النيل.. قامت الدنيا ولم تقعد وكأننا شعب يعيش فى قمقم أو يعيش فى كهف وسوف يفقد بصره لو خرج إلى الشمس!!

وأحيانا يشعر الكاتب بفراغ الساحة من قضايا ملحة فيكتب معلقا على حدث قديم، أو ساردا ذكريات لها إسقاط على الحاضر ولكن أن يفرغ كاتب قلمه فى هجوم على إعادة طباعة ألف ليلة وليلة، والتى كانت قد تعددت طباعتها دون أدنى ضجة من قبل، ولكن هذا العصر جد غريب!
حتى أسماء الأفلام أصبحت تعترض عليها الرقابة.. وقد علمت أن فيلم الفنان أحمد حلمى الأخير (عسل إسود) كان اسمه (مصر هيه أوضتى»، ولكن الرقابة رفضت!!
وأن مصر أكبر من هذا الاسم!! مع أن هذا الاسم حميم وظريف جدا وليس معناه أن مصر اضمحلت وأصبحت حجرة، ولكن هذا معناه إحساس شخص ما فى زمن ما، وبالرغم إننى لا أعرف القصة إلا أن الاسم كان شديد الحميمية، شديد الجاذبية، وياريت أحمد حلمى يكتب فى الإعلانات (عسل إسود- مصر هية أوضتى سابقاً).. ولا أجد أى مبرر للرقابة لترفض الاسم سوى الاستمرار فى التراجع مع التمادى فى أفلام مسفة شديدة الإسفاف ومليئة بالإيماءات الجنسية والخيانة الأخلاقية.

ومع عودة لثلاثين عاما إلى الوراء نجد تقديم فكر الانحراف بشكل له فلسفة خاصة فى التوصيل، فقد قدمت الفنانة الكبيرة فاتن حمامة مع الفنان الكبير محمود يس فيلم الخيط الرفيع، وكانت فاتن تعيش معه بلا زواج أى رفيقته، ولكن بلا عرى ولا أى إيحاءات.. كان الفيلم يناقش مشكلة المرأة التى تضحى بكل شىء حتى بحقها فى حياة زوجية تحفظ كرامتها فى المجتمع ولكن زوجها كان مشغولا بطموحاته. الفيلم كان عن قصة بالغة الأهمية الاجتماعية لإحسان عبدالقدوس، الذى استطاع أن يفتح قلب المجتمع بكل قطاعاته.
الفيلم هو «الخيط الرفيع».. ولم تعترض الرقابة على أى ناحية من نواحى الفيلم وقبله كان فيلم «لا أنام» وكان مليئا أيضا بالعلاقات المحرمة ولكنه كان يناقش مشكلة بنت متعلقة بوالدها بعد وفاة أمها واستطاعت الدراما أن تمسك بتلابيب المتفرج وعقله لتوصل له ما تريد من قيم وأهمية الحفاظ عليها.
علينا أن نعطى لأنفسنا فرصة للتفكير فى عمل جهاز يشمل مصر كلها مثل جهاز الثقافة الجماهيرية وهو القناة جيدة التوصيل للثقافة والفنون المدعمة من الدول إلى الناس الغلابة الذين أصبحوا يبحثون عن (كابل) يسرقون به بضع قنوات فضائية.

هل كتاب «ألف ليلة وليلة» يثير الأحاسيس ويدفع إلى التحرش مثل المحجبات اللاتى يرتدين الجينز الملتصق بالجسم وكأنه مرشوش عليها؟ محجبة تغطى رأسها حتى لا يغرى شعرها أحدهم بالتحرش بها وتترك جسدها مجسما، كأنه تمثال يغرى باللمس. بل بالتحرش!.
ولعل الدكتور أحمد مجاهد يحاول إغراء وزير الإعلام أنس الفقى الذى شغل جهاز الثقافة الجماهيرية من قبل، وأبلى فيه بلاء حسنا لعله يغريه بعقد زواج شرعى بين الثقافة والإعلام، بعرض كتب الثقافة الجماهيرية فى البرامج الثقافية فى التليفزيون.
إن التليفزيون جهاز شديد الجاذبية لدرجة أن ألمانيا استخدمته فى عام ١٩٨٣ فى إعادة مملكة القراءة إلى الشعب الألمانى، حيث زرت فى ذلك العام مدينة ماينز، وهى مدينة ملك الطباعة جوتنبرج، وهناك تكونت مؤسسة أطلقوا عليها «المؤسسة الألمانية للتحريض على القراءة»، فاعتمدت فى تحريضها الناس على عمل برنامج يعرض الكتب الكاسدة فى السوق، بحيث تعرض لمدة شهر يوميا وبأسلوب تقديم جذاب فكانت النتيجة أن التوزيع ارتفع ٢٠٠٪.
لعلنا نستطيع اجتذاب الشباب لمملكة الحرف، بعد أن ذابوا وتاهوا بين الرسائل على البرمجيات، وقليلها جاد وكثيرها هزل.. ترى هل تتغير مصر؟ أملى كبير.. وبمجهود كبير منا أيضا.. أعاننا الله وإياكم على زرع الأمل وحصد الرجاء.

neam.elbaz@yahoo.com
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع