استقالة مدير المخابرات القومية الأميركية تكشف كواليس أضخم مؤسسة سرية لصناعة السياسة الدولية

AlAzma - كتب - نبيل شرف الدين

الاستخبارات أو المخابرات سمها كما شئت، لكننا سنتفق على أنها عالم سري محاط بهالات من الغموض، تُروى عنه الأساطير الحقيقية والخرافية، وظلت هذه المؤسسات "الشبحية" بمثابة "قدس الأقداس" في شتى أنحاء العالم، ولم يعرف الناس حتى المهتمين بالشأن العام أسماء رؤساء أجهزة المخابرات في بلادهم، إلا في ظل ثورة الاتصالات وما وفرته مصادر المعلومات والصحافة الغربية التي كانت أول من كشف عن هؤلاء الأشباح وأنشطتهم ومهامهم السرية، وفي هذا التقرير نسعى إلى إلقاء قدر من الضوء على عالم الاستخبارات الذي يبدو الخوض في تفاصيله كالسير في حقل ألغام .

وإذا كانت أجهزة الاستخبارات في شتى أنحاء العالم مجتمعاً سرياً يحيط به الغموض، فإن لهذه الأجهزة في أميركا وضعاً بالغ الخصوصية، ولعل كثيرين لا يعرفون أن مجتمع الاستخبارات الأميركية يضم 16 وكالة ، تخصص لها ميزانية مالية تتجاوز 40 مليار دولار أميركي سنوياً .
هذه المعلومات نعيد طرحها بمناسبة إعلان دنيس بلير مدير المخابرات القومية الأميركية عن استقالته من منصبه، وذلك في أول استقالة في صفوف كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، كما سرت شائعات عن خلافات بلير المستمرة مع "ليون بانيتا" مدير وكالة الاستخبارات المركزية "CIA"، غير أن بعض الجمهوريين يرون أن بلير اصبح كبش فداء للأخطاء الشائعة في صفوف كبار المسئولين بإدارة أوباما خاصة في مجال الاستخبارات .
وقال بلير في بيان أصدره مكتبه "مع بالغ الاسف أبلغت الرئيس أوباما أنني سأستقيل من منصب مدير المخابرات القومية اعتبارا من يوم الجمعة 28 مايو الجاري"، وعبر بلير عن فخره وسعادته بالعمل مع فريق الاستخبارات واصفا اياهم بـ"الأبطال الحقيقيين".
وبلهجة دبلوماسية تقتضيها التقاليد المرعية فقد أشاد أوباما بمدى "النزاهة الكبيرة والذكاء والالتزام" الذي يحمله بلير لوطنه وقيمه قائلا إنه أدى واجبه بشكل "رائع وفعال" في إدارة الاستخبارات القومية .

لكن في المقابل تحدثت مصادر إعلامية أميركية عن أن بلير فقد ثقة البيت الأبيض، حيث تعرض لانتقادات حادة عقب حادثة المحاولة الفاشلة لإسقاط طائرة ركاب كانت متجهة إلى "ديترويت" في ديسمبر الماضي، وأيضاً بعد واقعة القتل في "فورت هود" بتكساس في نوفمبر الماضي، كما تعرض لانتقادات قاسية بعد محاولة تفجير سيارة مفخخة في ساحة "تايمز سكوير" بنيويورك في وقت سابق من الشهر الجاري.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن منصب مدير الوكالة القومية للاستخبارات استحدث عقب هجمات 11 سبتمبر عام 2001، ومهمته في التنسيق بين مختلف وكالات الاستخبارات المختلفة في البلاد البالغ عددها 16 وكالة .

الأمن جنسية وليس مهنة

و"الخدمة السرية" مصطلح متعارف عليه بين العاملين في دوائر الاستخبارات، وفي البداية ينبغي التأكيد على الفرق الهائل بين طبيعة العمل والمهام التي تتصدى لها أجهزة المخابرات، وتلك التي تعنى بها أجهزة الشرطة السرية أو "المباحث"، والتي تتبع عادة وزارات الداخلية، لذلك فالأخيرة لا تنطبق عليها معايير "الخدمة السرية" بالمعنى المهني الصارم الذي تلتزم به دوائر الاستخبارات وفي الصدارة منها، مبدأ عدم إفصاح العاملين في هذا الحقل عن طبيعة مهامهم الحقيقية كاملة، وربما يعملون في مهن أخرى معلنة، فيما يعرف بـ "المهنة الغطاء"، بل ويجتهدون في عملهم الموازي هذا بكل جدية واحتراف، ويحققون فيه نجاحاً مهنياً دون الاتكاء كثيراً أو قليلاً على دعم الأجهزة التي ينتسبون إليها، ما لم يشكل هذا الدعم عنصراً حاسماً في أداء مهامهم السرية التي تحقق لجهاز المخابرات أهدافه ، وليس للأشخاص العاملين به مهما كانت وضعيتهم في الهيكل التنظيمي للجهاز .
وفضلاً عن ذلك فإن ضباط الاستخبارات يظلون حتى بعد تقاعدهم بمثابة "مرجعية مهنية" بالنظر إلى الخبرات المتراكمة لديهم التي يمكن توظيفها لصالح الأجهزة التي عملوا بها، وهذا خلافاً لرجال البحث الذين تنتهي صلتهم بعملهم بمجرد التقاعد أو حتى النقل إلى إدارات أمنية أخرى، لكن "الخدمة السرية" وكما يقال في الأوساط الأمنية "جنسية وليست مجرد مهنة" .
وهناك تقاليد غير مكتوبة في مجتمع الاستخبارات الدولي يشكل الالتزام بها معياراً هاماً في تقدير مدى حرفية هذا الجهاز أو ذاك، ومع ذلك فإن الكثير من هذه التقاليد تتغير مع التحولات الهائلة التي يشهدها العالم على الأصعدة السياسية والفكرية والتقنية، لكن تظل هناك "لغة ما" متداولة في أوساط الخدمة السرية، التي يمكن الزعم بكل اطمئنان أنها تحكم العالم، وتحرك الكثير من الدمى على مسرح السياسة والمجتمع .

ذئاب وفئران

ووفقاً لتقارير أمنية فإن مجتمع الاستخبارات الأميركي الذي يتألف من 16 وكالة، ويبلغ مجمل ميزانياتها السنوية نحو أربعين بليون دولار، حققت ما حققته من نجاحات مهنية هامة، بما في ذلك اكتشاف خلية التكنولوجيا النووية التي قادها العالم الباكستاني عبد القدير خان، غير أن هناك في المقابل سلسلة طويلة من الإخفاقات الاستراتيجية التي تراوحت بين العجز عن رصد اختبارات الهند النووية، بالإضافة إلى الفشل في القبض على أسامة بن لادن زعيم تنظيم (القاعدة) حتى الآن، هذا فضلاً عن الأخطاء الجسيمة في تقييم حالة برامج أسلحة الدمار المزعومة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين .
وفي شهادة أدلى بها أمام الكونجرس الأميركي، قال "فينسنت كانيسترانو" المدير السابق لدائرة مكافحة الإرهاب: "إننا أشبه بفئران تواجه الذئاب، فالجميع يعرفون أن الأنياب والمخالب أكثر إيلاماً من قرض الفئران، ويدركون أيضاً أن بوسع هذه الجماعات الصغيرة أن تلحق بأهدافها أضراراً بالغة، وأن تحافظ في الوقت نفسه علي سرّيتها، كما اعتبر أن طبيعة المواجهة لم تتغير منذ عهد نابليون، قائلاً إن "مهمتنا كانت وستظل دائماً المهمة نفسها، فنحن نمارس التجسس والعمل السري، بوسائل لا حصر لها" .
غير أن دوان كلاريدج الذي كان اول رئيس لقسم مكافحة الارهاب في (CIA) في سياق تعليقه علي سجل الوكالة في هذا الميدان لم تستطع خلال الأعوام الماضية اعتقال اكثر من 29 ارهابياً، مع أن وسائل الإعلام المرتبطة بها صوّرت ذلك بأنه انجاز هائل .
ويرى كلاريدج أن الميدان الذي حققت فيه (CIA) نجاحاً واضحاً هو مجال التنصت على الاتصالات ومراقبة الإنترنت وتوجيه الأقمار الصناعية للتجسس على هذا الهدف أو ذاك، ومن هنا فليس مستبعداً مثلاً أن تتنصت على اتصالات أبرز حلفائها مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق، تماماً كما تتنصت على مكالمات الزعماء الآخرين، أما داخل الولايات المتحدة فهذه المهمة يتولاها (FBI) .

مجمع المخابرات الأميركية

ويكاد يسود اتفاق بين خبراء الأمن على أن صناعة المخابرات واحدة من أضخم الصناعات الدولية السرية ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا وأكثرها ربحا أيضاً، ففي بعض الأحوال فإن عائدها الاقتصادي لا يقدر بأي ثمن، ويذهب الخبراء مثلاً إلى تقدير عائدات إسرائيل من عمليات التجسس بأكثر من أربعة مليارات دولار سنوياً من حصيلة بيع صور منشآت وثروات الدول العربية والأفريقية للمشتركين في البرنامج الفضائي الإسرائيلي .
وكما أسلفنا في صدارة التقرير ، فإن مجتمع الاستخبارات الأميركي يتألف من 16 وكالة، تشرف وزارة الدفاع (البنتاجون) على ثمانين بالمائة منها، وربما يكون من المفيد التعريف بأبرز تلك الوكالات وهي :
ـ وكالة المخابرات المركزية (CIA)، أنشئت عام 1947 ويعمل فيها نحو 17 ألف موظف، وتقدر موازنتها السنوية بنحو 4 بليون دولار، وعملت بنشاط مكثف ضد الشيوعية، كما ساعدت على وقوع انقلابات عسكرية ثم غيرت مهامها بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1989 لتركز على التجسس الاقتصادي، وتعمل على جمع ومطابقة وتحليل المعلومات التي يمكن أن تؤثر على الأمن الأميركي .
ـ وكالة الأمن القومي (NSA)، أنشئت عام 1952 ويعمل فيها 21 ألف شخص بالمخابرات المرتبطة بالقطاع الإلكتروني، ومكلفون بفك أسرار الرموز والتنصت وقراءة الرسائل الإلكترونية، وتقدر موازنتها السنوية بنحو 3،6 بليون دولار، ولأنها سرية جدا تفسر رموزها (NSA) بعبارة NO SUCH AGENCY أي: "لا وجود لهكذا وكالة" .
ـ وكالة مخابرات الدفاع (DII) تأسست عام 1961 وتضم أكثر من سبعة آلاف مدني وعسكري في العالم، وهي متخصصة في جمع المعلومات العسكرية في الخارج .
ـ مكتب الاستطلاع الوطني، وقد تأسس في العام1960 ويتخذ من "شانتي" في ولاية فيرجينيا مقرا له، ويدير مجموعة الأقمار الصناعية المخابراتية الأميركية، ويقدم إلى الإدارة الأميركية ووزارة الدفاع والـ (CIA) الصور التي تلتقطها تلك الأقمار، مع تحليل مضمون .
ـ مكتب التحقيقات الاتحادي (FBI) الذي أنشئ في العام 1908 وأصبح للعاملين فيه الذين يبلغ عددهم 11400 منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر دور متزايد في جمع وتحليل المعلومات المخابراتية .
ـ وزارة الأمن الداخلي التي تأسست عام 2003 لتجمع نحو 17 ألف موظف من 22 وزارة ووكالة اتحادية مرتبطة بالأمن القومي، ومن بين مهامها جمع وتحليل المعلومات من مختلف المصادر من بينها وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الاتحادية.
ـ كيانات استخبارية أخرى تلعب أدواراً في العمل السري بكل من فروع الجيوش الأميركية، مثل سلاح البحرية وسلاح الجو والبر ومشاة البحرية (المارينز) وهذه يعمل فيها مجتمعة أكثر من 50 ألف شخص وتقدر موازنتها بنحو 11 بليون دولار.

ويرى خبراء في الأمن أن تحول وكالة المخابرات المركزية (CIA) من كونها إحدى مؤسسات الحرب الباردة، إلى ذراع استخباري رشيق سريع الحركة فيما بعد الحرب الباردة، وهو الأمر الذي فرض مهام بالغة التعقّيد، خاصة في ظل عجز الإدارات الأميركية المتعاقبة عن صياغة استراتيجية فعالة لاجتثاث الإرهاب العابر للحدود .

بين الأمن والسياسة

ولعله من نافلة القول في هذا السياق التأكيد على أهمية العلاقة بين أجهزة الأمن المعنية بجمع المعلومات ومركز السلطة السياسية، وتثور أسئلة من نوع: هل تكتفي تلك الأجهزة بمجرد تقديم المعلومات (كمادة خام) فقط ؟، أم أنها تقدمها مشفوعة بالرأي والتحليل والاستنتاجات أيضاً ؟ .
ويؤكد خبراء الأمن أن تلك الأجهزة لا تكتفي عادة بتقديم المعلومات، بل تعمد إلى مطابقة وتحليل المعلومات، بحيث يمكن المفاضلة في ما بينها، كما تزداد أيضاً أهمية المعلومات كلما ازداد عدم يقين صانع القرار، مما يؤدي إلى حاجته إلى معلومات أكثر، يجب أن تكون وثيقة الصلة بالأهداف التي ينشد تحقيقها على الصعيدين السياسي والاجتماعي .
ويحدث كثيراً أن يقفز رجال المهام السرية إلى دائرة الأضواء السياسية والدبلوماسية، ولعل أحد الأمثلة العربية على ذلك هو الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للمخابرات السعودية، الذي انتقل بعد سنوات طويلة من رئاسة ججهاز الاستخبارات في بلاده للعمل سفيراً في لندن وواشنطن قبل أن يستقيل .
وليس في قصة الأمير تركي الفيصل غرابة، فقد سبقه إلى هذا الطريق عشرات قدموا من دهاليز المخابرات، إلى صخب السياسة، كما أن كثيرين من قادة وضباط المخابرات أصبحوا رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء وسفراء، فمن المعلوم على سبيل المثال لا الحصر أن الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، كان رئيساً لجهاز المخابرات في بلاده قبل أن يتولى سدة الحكم، واشتهر كأحد أبرز قادة أجهزة الاستخبارات البارعين في المنطقة بأسرها .
وعبر هذا الطريق عشرات قدموا إلى صخب الدبلوماسية من دهاليز المخابرات، وكثيرون من قادة وضباط المخابرات الذين أصبحوا رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء وسفراء، إما تقديراً لدورهم في خدمة بلادهم، وأحياناً كان بهدف إعدادهم مستقبلاً لأدوار أكثر أهمية، بعد أن أثبتوا جدارتهم في العمل السياسي والدبلوماسي بنفس الكفاءة التي أثبتوا بها قدراتهم في الخدمة السرية .

النموذج السوفيتي

وهناك قائمة طويلة تضم عشرات الساسة الذين كانوا رجال مخابرات، لعل أشهرهم الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين الذي كان مديرا للمخابرات الروسية قبل أن يوليه الرئيس الأسبق بوريس يلتسين رئاسة الحكومة عام 1999 ورشحه أيضا لخلافته في الكرملين، وقبل بوتين اعتلى السلطة بعد موت بريجنيف اثنان من قادة جهاز المخابرات السوفييتية KGB وكاد ثالثهما هو حيدر علييف رئيس KGB الأسبق أن ينازع جورباتشوف، ويعتلي الرئاسة قبله، لولا أن لعب العامل القومي دوره فأقصاه خارج اللعبة، إذ انه من أصول آذرية، ومع ذلك أصبح علييف رئيساً لأذربيجان، وتولى ابنه حكم البلاد بعده .
أما يفيجيني بريماكوف الذي كان ضابط استخبارات محترفاً لسنوات طويلة صال وجال في منطقة الشرق الاوسط خلال عمله تحت غطاء الصحافة باعتباره مراسلاً لصحيفة (برافدا)، ثم رقي ليصبح مديرا لجهاز المخابرات السوفيتية (KGB)، ثم وزيرا للخارجية فرئيسا للوزراء، وعين بريماكوف ـ قبل انهيار الاتحاد السوفيتي ـ عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وهي أعلى درجة في الهرم السياسي حينئذ، ومع خبرته السياسية اصبح مؤهلا للصعود إلى القمة، وهكذا بدأ صعوده في الشئون الخارجية مستشارا لغورباتشوف الذي أرسله الى صدام حسين خلال أزمة الخليج لإقناعه بالانسحاب من الكويت.
وعبثاً حاول الثعلب العجوز بريماكوف إقناع صدام بأن الدنيا تغيرت وأن الحرب الباردة انتهت وتبدلت قواعد اللعبة ، وأن المجتمع الدولي جاد بالفعل في ضربه، لكن صدام لم يستمع لأحد، فكان ما كان وما يعرفه الجميع ويتحملون نتائجه حتى اليوم .
وفي نهاية الحقبة السوفيتية كان يسيطر على زمام الأمور في وزارة الخارجية وزير وصف حينئذ بأنه "يرى الدنيا بعيون واشنطن" وهو كوزيريف الذي وصف ـ لفرط إعجابه بالسياسات الاميركية ـ بأنه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الكرملين، ومن هنا نشبت خلافات ضارية واندلعت معارك بين أركان الحكم، انتهت بإطاحة كوزيريف، ليجد بريماكوف بعدها نفسه مسئولا عن إدارة أخطر أجهزة الاستخبارات في حينها وهو جهاز المخابرات الخارجية بعد انفصاله عن جهاز المخابرات المعروف بـ (KGB) .
أما في العام 1996 فقد أصبح بريماكوف وزيرا للخارجية ليصبح هذا الرجل الأسطوري الذي يراه محللون سياسيون خليطاً نادراً من الصحافي والباحث والسياسي والشاعر والمعلم ورجل المخابرات في آن واحد، فضلاً عن سمعته كرجل للمهام الخاصة والسرية التي بدّلت وجه العالم .
وقبل بوتين وبريماكوف بسنوات طويلة قفز يوري اندروبوف رئيس الاتحاد السوفييتي الراحل إلى الكرملين من الـ (KGB) ليتولى الرئاسة بعد "ليونيد بريجنيف"، لكن القدر لم يمهله طويلا للبقاء في منصبه الذي وصل اليه في خريف عمره وبعد أن اعتلت صحته .

ولم يكن هذا التقليد حكراً على الدول الشيوعية فحسب، بل امتد إلى الغرب أيضاً، وأبرز الأمثلة على ذلك هو الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) الذي كان مديراً لوكالة المخابرات الأميركية (CIA) سنوات طويلة تحول بعدها إلى العمل السياسي كنائب للرئيس رونالد ريجان، ثم رئيساً للولايات المتحدة .
أما في إسرائيل فيكاد يكون جهاز المخابرات بأفرعه المتعددة مصنعاً للساسة الإسرائيليين، فإيهود باراك رئيس الحكومة الأسبق كان مديراً للاستخبارات العسكرية (أمان) قبل ان يتقلد عدة مناصب سياسية، وأيضا إسحاق شامير الذي قضى أعواماً طويلة في الموساد قبل أن يصبح وزيراً، ثم رئيسا للوزراء .
وفي الختام يبقى التأكيد على أن الحديث بشفافية كاملة حول طبيعة عمل تلك الأجهزة الحساسة أمر غير محبذ بل وغير مسموح به، ليس في المنطقة العربية فحسب، لكن في كافة أنحاء العالم، فطبيعة عمل أجهزة الخدمة السرية تعتمد على التكتم وأجواء السرية، وبالتالي لا يمكن البوح علانية بكل ما تقوم به، كما تنبغي الإشارة أيضاً إلى أن وسائل هذه الأجهزة في سبيل أداء مهامها، لا تختلف كثيراً بين الدول الديمقراطية والأنظمة الشمولية، ذلك لأن الخدمة السرية كما أسلفنا "جنسية وليست مجرد مهنة" .