فضائيات مأجورة تشعل الفتنة الطائفية فى وطن يئن من كثرة جراحه !!

محمد بربر

إختفاء دار الإفتاء أفسح المجال أمام عمائم التطرف لتبث سموم وتملأ بطون !!
على الهواء مباشرة ... اسأل استشير !!
هناك علاقة وثيقة بين فوضى الإفتاء وفوضى الإعلام .
الفتاوى المسيسة .. حين يصبح المفتى حامى حمى النظام !!
أسئلة جنسية واستعراض لقدرات الرجل فى علاقته الحميمية !!
زيرو تسعمية والهواتف الإسلامية

تحقيق : محمد بربر - خاص الاقباط متحدون
فتاوى صادمة متضاربة لا يقبلها عقل أو منطق، تتناثر فى فضائيات مأجورة تسعى – مع سبق الإصرار والترصد – لقتل إعمال العقل, وعمائم تتخذ من الإعلام مشروعًا ربحيًا وكأن الدين قد أصبح فى عصرنا "بيزنس".

بات الأمر إذن كارثة تهدد وطنًا بأجمعه, وتنسف المرجعية الدينية.
بل خلقوا فتاوى من أجل إرضاء شخص معين، أو فئة معينة, فى الوقت الذى تغيبت فيه المنظمات التى من شأنها رصد تلك الفتاوى، ومراقبة الفضائيات الدينية.

وبعدما تفاقمت الأزمة, وصرنا نسمع فتوى تخالف أخرى، صرنا نسأل ما مدى حرمة "قيام مكوجي ذكر بكي بنطلون المرأة", أو "هل دخول الحمام بالقدم اليمنى مكروه؟"، أو "هل إرتداء المرأة البنطلون يثير غرائزها الجنسية؟".

ولا ندرى أيهما حلال من حرام, ولا يزال  شيوخ المساجد يتحدثون عن ثلاث قضايا لا رابع لها: أيام الإسلام الأولى، وعذاب القبر، والجنة والنار.

 أما ما يتعرض له المسلم في حياته اليومية من مشاكل وعقبات وتحديات، فغائب تماماً عن خطبهم وكلامهم وتفكيرهم, وكان النائب "مصطفى الجندى" عضو مجلس الشعب، قد تقدم بقانون يقضى بمعاقبة كل من يفتى بدون ترخيص، بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.

إذن هناك من يفتى بغير علم, ولابد من عقاب.
وفى هذا التحقيق كان علينا أن نرصد,  ونقرأ, ونواجه, ونحاور, بحثًا عن الحقيقة، والحقيقة – للأسف – صادمة !!

فتاوى تشعل الفتنة الطائفية
التقينا النائب "مصطفى الجندى"، الذى صرّح لنا – فى حماسة شديدة – قائلاً :
" كل هؤلاء الدعاة الذين نراهم لا يصلحون أصلا للفتوى, وعلى من يبادر بتقديم النائب "مصطفى الجندىالفتوى للناس أن يكون لديه الأهلية الكاملة, وما جعلنى أتقدم بهذا القانون هو كثرة الجهلاء الذين يخرجون علينا بفتاوى تثير مشكلات وتشعل فتن, والمصريون جميعًا نسيج واحد, وملعون من يحاول تفرقتنا".
واقترح "الجندى" آلية لضبط إصدار الفتاوى، حيث ستعقد لجنة لإختبار من يريد الإفتاء، ويكون أعضاء اللجنة هم شيخ الأزهر, ومفتى الجمهورية, ورئيس مجمع البحوث الإسلامية, بالإضافة إلى رئيس محكمة النقض.

و أكد "الجندى" أهمية التصدى لزيف من يدعون المعرفة،  وخاصة شيوخ الفضائيات، ثم تساءل فى دهشة " كيف تسأل سيدة الشيخ على الهواء فى مسألة كان العلماء قديمًا يدرسونها شهرًا حتى يفتون فيها، وهو – أون لاين – يقدم لها الجواب ؟؟ ".

أين دار الإفتاء المصرية !!
إذا أردنا أن نعرف ما سر تراجع مكانة وقيمة دار الإفتاء المصرية، علينا أولاً أن نفهم مراحل صناعة الفتوى, حيث تتكون الفتوى من أربعة أركان رئيسية هي :
• تصوير المسألة.
• تكييفها.
• الحكم فيها.
• إيقاعها على الواقع.
 وكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى علم وقيم وتدريب.

 إذن لابد من تدريب وتقييم مستمر لمن يمتلك حق إصدار فتوى, وكان هذا الأمر حقًا مشروعًا لدار الإفتاء المصرية، والتى أُنشئت عام 1895 م، وتولى الإفتاء فيها عبر مختلف القرون خيرة العلماء, وكان للدار منهجية وسطية، وله قدرة على ادراك مصالح الناس, قبل أن تخرج علينا القنوات الدينية بقنابل من الأدخنة المسمومة مستترة تحت اسم "فتاوى".

على الهواء مباشرة ... اسأل استشير !!
إن الإستهانة بالدين إلى درجة أن يرتضي الناس أن يأخذوا أمر دينهم عبر مكالمة هاتفية مع قناة فضائية، مصيبة , وإذا كان الجمهور العريض لا يعرف, فله نصيبه من الخطأ.
 غير أن الخطأ الأكبر يتمثل فى دعاة باتت كل أحلامهم تكوين ثروات طائلة على حساب المشاهدين.
والمدهش أن المسائل التي تتطلب الفتوى عبر الفضائيات، تحتاج إلى نوع تفصيل، يتجاوز في كل الأحوال وقت المكالمات الهاتفية, والعجيب المريب، أننا لم نسمع ممن أفتونا عبر الفضائيات عبارة لا أعلم مرة واحدة.

من جانبه أكد  الدكتور "على جمعة" مفتى الجمهورية على رفض "فوضى الفتاوى" قائلاً :
" هؤلاء الذين يتحدثون بغير علم أحدثوا فوضى في الخطاب الديني، وليس في الفتاوى الحقيقية، فهذا يتحدث في الدين، وحينما نستمع إليه نعرف أننا أمام شخص متشدد، وحينما نحوّل المؤشر نجد آخر متسيبًا، وآخر وسطًا، أو نجد من يحصر الدين في الروحانيات، وآخر يحصر الدين في السياسة وهكذا، فالناس تحيرت وتبلبلت من اختلاف الآراء في الخطاب الديني، فأطلق الناس على هذه الحالة ‘فوضى الفتاوى" لكنها في الحقيقة ليست فوضى في الفتاوى وإنما في آراء من يطلقونها فهي تعبر عن آرائهم الشخصية."

هل كل داعية يصلح أن يكون مفتيًا ؟
وأضاف الدكتور"جمعة":علينا هنا أن نفرق بين الداعية والمفتي، بإعتبار أن كل مفتٍٍ يمكن أن يصلح داعية، وليس كل داعية يصلح أن يكون مفتيًا، ومن يجيد التحدث في الرقائق والسيرة لا يشترط أن يصلح للإفتاء الذي له مواصفات خاصة، لن تتوافر أبدًا فيمن قرأ كتابًا أو كتابين، ثم خرج على الناس متحدثا، وظن أنه أعلم أهل الأرض، بل وقادر على أن يناظر كبار الفقهاء المعاصرين، ليس هذا وحسب، بل والتشكيك في أقوال القدامى، ولكن القادر على الإفتاء حقًّا هو من أعدَّ نفسه، وتسلَّح بالعلم والفقه وفهم الواقع.

الفتاوى المسيسة ... حين يوظف الدين لخدمة النظام
وأشار "جمعة" إلى أنه بمنتهى السهولة, يحوّل أصحاب العمائم والجلاليب القصيرة الفتاوى، إلى أداة تخدم ما يسعون نحوه, حين يوظفون الدين من أجل الوصول لأغراض شخصية, ومن أجل إرضاء السلطان , وهم لايفهمون أن السلطان ميت والدين باق.

 وأوضح " جمعة" أن المشكلة الحقيقية، تكمن في استخدام العناصر والجماعات والتنظيمات المعارضة، أو المتمردة للفتوى؛ لكسب الأنصار والمؤيدين وتعبئتهم، وكذلك لإدانة بعض السياسات والمواقف الرسمية ومناهضتها.

وفى المقابل، نجد الفتاوى المسيسة التي يصدرها بعض المفتين الرسميين والموالين، بغرض مواجهة المعارضين والمنتقدين للأنظمة الحاكمة، أو لكبح بعض التحركات الشعبية المزعجة  .

وتفاقمت هذه المشكلة بعد أن فتحت وسائل الإعلام أبواب الكلام لكل من هب ودب, مع كثير من التضخيم والتلميع.

وأكد "جمعة" أن هناك علاقة وثيقة بين فوضى الإفتاء وفوضى الإعلام, وللأسف الشديد، وما زاد الطين بلة، هو وجود مفتين حكوميين موظفين للفتوى، يتقمصون شخصية الحاكم أو الحكومة، ولا يفتون إلا في اتجاه واحد محدد ومحسوم سلفًا؛ مما يجعل من الفتوى وظيفة مهنية خاضعة حتمًا للتوجهات والتعليمات المعتمدة سياسيًا ورسميًا.

أما الدكتور "سعيد عبد العال"،عميد كلية الشريعة جامعة الأزهر، فقد حذّر من الحصول على الفتاوى السياسية من خلال الفضائيات، فغالبًا ما يتأثر المفتي بنظام القناة التي يعمل فيها، وهذا النوع من الإفتاء- أي السياسي- في غاية الخطورة، ففيه إرضاء للوضع السياسي؛ ولذلك هذه أمور يجب أن يكون الناس في حذر منها، ولا يتلقى الناس الفتاوى السياسية، أو التي تتعلق بشئون الرعية من خلال الفضائيات.

الفتاوى الجنسية ... خواء فكرى وانحدار ثقافى
وقال "عبد العال"، وكأن الإنسان كائن لايفكر إلا فى افتراس الآخر جنسيًا وفقط, وكأنما هو طاقة جاهزة للإشتعال فى أى وقت, وكأن المرأة فريسة تخشى الرجل أو تستعد لإنقضاضه فى أى لحظة, هؤلاء المدعون  يخرجون علينا، ليزيدوا من الجهل المجتمعي، من خلال فتاوى لا علاقة لها بجوهر الدين وروحانيته, بينما تبحث الدول المتقدمة سبل استثمار الطاقات البشرية وتشجيع الإبداع والعلوم والآداب , نجد فى هذه القنوات أسئلة جنسية يستعرض أصحابها علاقاتهم الخاصة, ونلاحظ طرح هذه الأسئلة على الملأ في الفضائيات، وليس في حديث خاص، كأن تتصل امرأة بقناة معينة تطرح سؤالاً عن حقها في الغضب من زوجها وامتناعها عن معاشرته لأنه لا يقبل أن يمارس معها الجنس الفمي الذي لا تستمتع من دونه! ، وهكذا يصبح دور من يقوم بالإفتاء هو حل المشكلات الجنسية بدلاً من شرح الأمور الجوهرية في الدين, في حين يغيب تماما عن الساحة أساتذة أجلاء وعلماء دين مثقفون يُشهد لهم بالرصانة وتوخي الحذر في الإجابة عن أي تساؤل، وكأن هذه القنوات التجارية بفقهائها تقدم جرعة جنسية شرعية بديلاً عن قنوات الإثارة المعروفة.

ويكفى أن أهديك نوعية من تلك الأسئلة الإستفزازية لتحكم – بنفسك – على سخافة فتاوى الفضائيات الجنسية 

زيرو تسعمية والهواتف الإسلامية

وأضاف "عبد العال"، لاتندهش حين أخبرك أن الفتوى أصبحت تيك أواى, أطلب ما شئت وستأتيك فورًا , ولا تحمل هما فالأمر هين, وما أكثر المنافذ التى أصبحت تبيع الفتوى, فمن أرقام تبدأ بزيرو تسعمية، ويطول معها الشرح والتوضيح والإنتظار، وبالتالى تصبح التكلفة عالية ويملأ الشيخ الجليل جيوبه من مشروعه الجديد, مرورًا برسائل المحمول التى لايزيد سعرها غالبًا عن 75 قرش , وما عليك إلا إرسال رسالة قصيرة فيها سؤالك ليأتيك الجواب فى الحال, والحسّابة بتحسب، هذا بخلاف برامج الفضائيات والإعلانات وحضور المناسبات الدينية مقابل مبالغ طائلة, ولا تندهش – مرة أخرى – حين أخبرك أن الدكتور "أحمد عمر هاشم" يحضر أى مناسبة نظير مبلغ مادى لايقل عن ثلاثة آلاف جنيه، وربما يزيد فى الحفلات العريقة .

فتاوى قادرة على هدم بلد بأكمله
ومن جانبه يرى الدكتور "فتحى الشرقاوى"، أستاذ علم النفس  أن لجوء الكثيرين إلى قنوات أخرى للإستفتاء طبيعي، لا سيما أن ذلك يتزامن وسلسلة إحباطات طويلة أصابت الشباب، ومع غياب الأزهر، سواء كجهة رقابية على مطلقي الفتاوى السطحية، أو لدرء خطرها للقيام بالدور المنوط به.
ويشير "الشرقاوى" إلى إن ظاهرة الركض وراء الفتاوى "العجيبة والقادرة على هدم بلد بأكمله"، تنتشر في شكل واسع في المناطق العشوائية والفقيرة، حيث القاطنون يكرهون أوضاعهم المعيشية، ويزيد من بؤسهم انسداد الأفق. وهم يتشوقون إلى من يمد لهم يد العون، حتى لو كان التطرّف وراء تلك اليد.

وفى رده على سؤال حول شيوخ الفضائيات أجاب الدكتور "محمود حمدى زقزوق" وزير الأوقاف المصرى قائلاً " لا أرى برامج الفضائيات «خالص» وإنما من يسمعها يحكى لى عنها، وأسوأ هذه الفتاوى أن أحد الشيوخ يتحدث عن «مواصفات النقاب»، ويقول إنه لا يجوز أن يظهر منه بياض عين المرأة ولا رموشها، ولكن فقط سواد عينيها، «حاجة غريبة الشكل يعنى بقى هى مش هتقدر تحرك عينها» فهذا شىء غريب نسمعه، وهم شغلوا الناس بأمور تافهة وهامشية شكلية، لا أصل ولا وجود لها فى الدين "

أما فضيلة شيخ الأزهر الجديد  الدكتور "أحمد الطيب" وفى مداخلة هاتفية له مع برنامج " القاهرة اليوم "، وصف ما يذاع، وما تبثه الفضائيات الدينية بالـ "هرطقات" كما وعد "الطيب" بوجود ضوابط يتم وضعها لظهور هؤلاء المشايخ التي تصنعهم القنوات على حد قوله، مشيراً إلى أن هناك أموال يتم دفعها لهذا العمل لكى يتحرك، لافتًا إلى أن الأزهر بحاجة إلى دعم من أجل التصدي لذلك.