مجدي جورج
بقلم: مجدي جورج
كانت القاهرة فيما سبق بمثابة "هوليود الشرق الأوسط" وكان معظم الفنانين والفنانات العرب يفدون إليها أملاً في نوال جواز المرور إلى قلوب عشاق الفن من خلال المحطة المصرية. وكانت الأفلام المصرية والأغاني المصرية وبالتالي اللهجة المصرية لها وقع جميل على أذان المشاهد والمستمع العربي في كل مكان، وكان التليفزيون المصري بحق وحقيق تلفزيون ريادة فعلاً (هذا الوضع انتفى الآن فلم يعد لذلك الأمر أي محل من الإعراب) وكانت مصر بهذه القوة الناعمة بالإضافة إلى مصادر القوة الأخرى التي تملكها لها الزعامة الحقيقية في المنطقة.
ولكن مع الوفرة النفطية التي حدثت في السبعينات في دول الخليج، ومع الانكفاء على الذات الذي قمنا به في مصر بدأ الغزو الوهابي يسحب البساط من تحت إقدامنا رويدًا رويدًا وبدأت القوة الوهابية تحاول تحطيم القوة المصرية كي تحتل مكانها. ولتحطيم هذه القوة المصرية كان لابد من تحطيم القوة الناعمة المصرية وعمادها الفن المصري ولتحطيم الفن المصري لجاءوا للعديد من الوسائل التي كان من أهمها:
1- شراء العديد من ولاءات الفنانات المصريات بأموال البتر ودولار وإقناعهن إن الفن حرام وأنه لمن الأفضل لهن التحجب والبقاء في منازلهن، فرأينا العديد منهن ينسحبن من حياة الفن ويعتزلن كشادية وسهير البابلى وسهير رمزي وعفاف شعيب وشمس البارودي وغيرهن، ولم يقف الأمر على النساء فقط بل قاموا بتحجيب الرجال (فالحجاب ليس غطاء الرأس فقط بل هو في بعض الأوقات تحجيب وتعطيل للعقل) أيضًا واقنعوا بعضهم أن الفن حرام فرأينا ابتعاد وجدي العربي ورأينا اعتزال حسن يوسف إلا بعض المشاركات في الأعمال الدينية.
2- محاولة أسلمة الفن نفسه، فقد لجأ بعض المحامين المحسوبين على التيار الإسلامي إلى محاصرة الفن والفنانين بقضايا الحسبة العديدة التي أقاموها ضدهم وأصبحت هذه القضايا سيف مسلط على رقبة أي مبدع إذا هو خرج عن إطار أفكار هؤلاء الإسلاميين ومن أشهر هؤلاء المحتسبين الجدد نبيه الوحش المحامى والشيخ يوسف البدري.
3- لم يقف مخطط تدمير الفن المصري على ما سبق، ولكنهم إذا كانوا قد نجحوا في أسلمة الفن وإغراء العديد من الفنانين والفنانات بالابتعاد والاعتزال إلا أن هناك تراث فني مصري عريق ولابد لهم من السيطرة عليه وتدميره أو حتى شراءه واحتكاره ومنعه من التداول أو حتى حرقه.
المهم في كل ما سبق أن مخطط تدمير الفن المصري هو مخطط معروف للكل من أكبر مسئول إعلامي إلى أصغر مسئول، ولكن مسئولينا عملوا ودن من طين وودن من عجين ولم يسمعوا لأي أصوات تحذرهم من التفريط في تراثنا الفني.
ولكن هذه الأيام والعهدة على الراوي والراوي هنا هو جريدة الأهرام التي كتبت ما يلي في عددها الصادر اليوم الاربعاء.
"طلب السيد أنس الفقي وزير الإعلام من النائب العام التحقيق في المخالفات التي شابت صفقة بيع حق استغلال حفلات أم كلثوم, عبد الوهاب, شادية, عبد الحليم حافظ, فايزة أحمد, محمد عبد المطلب, فريد الأطرش, وحفلات ليالي التليفزيون التي غني فيها مشاهير المطربين المصريين والعرب المملوكة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى إحدى القنوات الفضائية العربية.
كانت هيئة الرقابة الإدارية قد تقدمت للوزير بتقرير يفيد بوجود مخالفات جسيمة للوائح في الصفقة التي تمت عام 2004 لبيع حقوق استغلال التراث الفني والإبداعي المملوك لاتحاد الإذاعة والتليفزيون, حيث تم البيع لما يزيد علي11000 دقيقة من الحفلات الغنائية لكبار المطربين المصريين بسعر عشرة دولارات للدقيقة, بما يخالف الأسعار المعتمدة باللوائح, التي تتراوح بين500 دولار و1000 دولار للدقيقة, ودون تحديد مدة زمنية لحق الاستغلال."
طبعًا يا سادة نحن في منتهى السعادة عندما نرى مسئولينا يتحركون هكذا لمحاربة الفساد، لكن هل كان تحركهم هذا حزنًا على التراث المصري الذي ضاع ووصل ليد المحتكرين البدو أصحاب البتر ودولار؟، أم أن ضمير هؤلاء السادة المسئولين استفاق من نومه العميق وقرر مقاومة الفسدة والمفسدين والعمل بشفافية في كل الأمور؟، أم أن هؤلاء المسئولين حزنوا على ضياع ما يقدر بحوالي عشرة مليون دولار على الخزينة العامة وقالوا في أنفسهم إن الأولى بهذه الأموال هم الغلابة من الشعب المصري المطحون طوال اليوم من أجل رغيف الخبز؟
يا سادة كان سيسعدني أي تبرير من التبريرات السابقة لهذه الصحوة المتأخرة حوالي ستة أعوام، ولكن يا سادة فالمضحك المبكى هنا إن سبب قومة هؤلاء القوم قومة رجل واحد وتحويل ملف القضية للنائب العام لا يرجع إلى أي سبب من الأسباب الماضية، فهؤلاء المسئولين لا يهمهم لا تراث ولا غلابة ولا شفافية ولا غيره ولكن الحكاية كما جاءت في روزا ليوسف تحت هذا العنوان (روبرت مردوخ يتسلل للشاشة المصرية من بوابة روتانا بمباركة الكحكي).
فروزا ليوسف تقول هي وغيرها من العديد من الجرائد الأخرى أن هناك تعاون بين الوليد بن طلال صاحب روتانا وبين روبرت مردوخ الذي أصبح يمتلك 9% من روتانا وهذا ما أخاف أولى الأمر عندنا وجعلوهم يسرعون لاتخاذ هذا الموقف.
ولكن لماذا خاف أولى الأمر من الشراكة بين روبرت مردوخ والوليد في روتانا؟
السبب يا سادة هو إن "روبرت مردوخ" يهودي كما كتبت الجزيرة نت التي قالت إن بعض المسئولين تخوفوا من وقوع هذا التراث في يد اليهود.
يا سادة إن احتكار بل وسرقة تراثنا الذي تم منذ ستة أعوام عن طريق الوليد بن طلال وبمشاركة وبمباركة العديد من مسئولينا لم يحرك لأي أحد من كبار المسئولين ساكنا ولكن احتمال وصول جزء من تراثنا إلى أحد اليهود هو ما أقام الدنيا ولم يقعدها للآن!!
يا سادة الناس في بلدي ترضى أن تسرق وتشتم وتسجن وينهب تراثها وينهب قوتها طالما كان الفاعل مسلم لكن حذار وألف حذار أن يقوم بهذا أي يهودي أو مسيحي أو هندوسي فإن القيامة ستقوم يومها!!
يا سادة نحن ضحايا ثقافة تمجد الحاكم مهما كان مستبد أو قاتل أو ديكتاتور طالما كان مسلم (أدبيات الإخوان والجماعات الإسلامية تقول بذلك فلا ولاية عامة إلا للرجل المسلم) لكن لو جاء حاكم مسيحي أو يهودي أو من أي ملة أو دين آخر ليحكم بالعدل لرفضه الناس في بلادي لأنهم يريدون حاكم مسلم حتى وإن كان ابن ستين في سبعين. بل حتى لو جاءهم مسلم مستنير وعادل وقال أنه مع إعطاء كل ذي حق حقه لربما رفضوه وجروا وراء أي مسلم آخر يتلاعب بهم باسم الدين والشريعة الإسلامية.
يا سادة لابد أن نسمى الأشياء بأسمائها فاللص هو لص والمختلس هو مختلس بصرف النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه.
يا سادة لابد أن تكون لنا ثقافة قبول الآخر ولا يجب أن نصب قوالب معينة لهذا الآخر وإذا اختلف عنها رفضناه بل يجب علينا قبول الآخر كما هو بمعتقده المختلف تمامًا عن معتقدنا برأيه المختلف تمامًا مع رأينا بنمط حياته التي يحياها والمختلفة تمامًا عن حياتنا وإلا لو شابهنا في كل شيء ما أطلقنا عليه آخر.
إن اليهود مثلهم مثل جميع أصحاب الديانات الأخرى فهم كالمسلمين والمسيحيين والبهائيين والهندوس والبوذيين واللا دينين وغيرهم فيهم الصالح وفيهم الطالح ولا يجب أن نعاملهم وفق أفكارنا المسبقة والمشوه عنهم حتى لا نصاب بعقدة الخوف من اليهود.
http://www.copts-united.com/article.php?A=18035&I=447