د. يحيى الوكيل
مهندس"ش.ن": البلد ستكون أفضل بدون قانون الطوارئ.
طبيبة مصرية : قانون الطوارئ لا يعنينى إلا إذا طال الظلم ابنى وقتها سأشرح من ظلمه بأظافري وليس بالمشرح.
كتب : يحيي الوكيل - خاص الاقباط متحدون
تعددت المقالات والتحقيقات التى حاولت قياس رد فعل الشارع المصرى حيال قرار تمديد قانون الطوارئ لمدة سنتين، وكلها تناولت رد فعل المواطن المصرى العادى فى الشارع، وهذا طبيعى، وكذلك المشتغلين - أو المشغولين- بالسياسة و هذا ضرورى.
وعندما فكرت فى تناول الموضوع، علمت أننى لن أضيف جديدًا إن حاولت تناوله بنفس التناول، فقررت أن أرى ما يظنه صفوة المجتمع، من أعضاء أحد أرقى النوادى فى القاهرة الكبرى فى هذا الأمر.
كان القرار مبنيًا على فرضية أن صفوة المجتمع فيها حكماؤه و أمراؤه – حتى و إن بعدوا عن السياسة و همومها، و على الرغبة فى معرفة كيف تقبلت تلك الفئة، والأسر التى تنتمى إليها هذا القرار، وهل فعلاً تعيش تلك الفئة فى أبراج عاجية بسبب رفاهية حياتها، و لا تحس بمشاكل مجتمعها؟
بدأت لقاءاتى بعد العِشاء، فى إحدى أمسيات أجازة نهاية الأسبوع المنصرمة، لأضمن أعلى كثافة تواجد بالنادى، أو ما أستطعت منها ، حيث أن ما لا يقل عن نصف من حاولت استطلاع رأيهم قد رفضوا – أو بالأحرى رفضن - إذ لم يرفض الإشتراك من الرجال الإ اثنين، بينما رفضن الحديث كل النساء المحجبات تقريبًا، ومن كل الفئات العمرية، وبعضهن لمجرد رؤية كارنيه الصحافة الذى استعملته للتعريف بنفسى.
و سأعرض لكم آراء بعض من قابلت.
المهندس (م.ح)، 64 سنة، كان ينهى رياضته اليومية فى مضمار المشى عندما استوقفته وطرحت عليه الموضوع، وهو يرى أن قانون الطوارئ موضوع لـتأطير ارهاب الدولة، وأن لتمديده حكمة لا يعلمها إلا السيد الرئيس وأسرته! وقال أنه بالرغم من أنه لم تنله شخصيًا عواقب تطبيق قانون الإرهاب، الإ أنه يرفض تأثيره الكارثى على بقية المجتمع.
و قد وافقه المهندس (ش.ن) 60 سنة، الذى كان مصاحبًا لابنته فى تدريبها الرياضى، فى معظم ما قال، إلا أنه قبل بإستعمال قانون الطوارئ لإستئصال الإرهاب و البلطجة، و لما كان الإرهاب قد زال أو يكاد، والبلطجة زادت فما اللزوم لتمديده؟
توجهت إلى القبطان البحرى (و.ف) 30 سنة، كان خارجًا أثناء مقابلتى له من مباراة حامية فى احدى ألعاب كرة المضرب، و بالرغم من مظهره الرياضى،و الذى يوحى بأنه يقضى وقته كله فى الملاعب، الإ أنه أذهلنى بعمق معرفته بتاريخ تطبيق القانون، و فهمه لمواده، وبالغضب الذى استشعرته بداخله لتمديد قانون "يخنقه و يخنق حريته و كرامته"، و كذلك لقناعته أن "البلد ستكون أفضل بدون هذا القانون .
المحاسبان( أ.ر) و (ط.ر) 28 سنة – توأم – و يعملان بالتجارة الحرة، وافقا على كل ما سبق، و زادا بتخوفهما من أن احتمال المد فى القانون يؤثر على تجارتهما، لأن سمعة البلد السياسية صارت فى الحضيض، وهذا يؤثر على فرص الإستثمار الخارجى معهما.
أما السيد (س.س) 43 سنة ويعمل بمجال التعليم، فكان رأيه أن قانون الطوارئ هو مرحلة ضبابية لا فهم فيها للحقوق، ولا للحدود المفروضة على المواطنين و الجهات الأمنية، مما يحطم الفكرة الأساسية لمفهوم القانون، و يخلق أجيالاً لا تعرف ما عليها بعد أن سُلب منها ما لها.
وقريبًا من حمام السباحة، قابلت ثلاثة فتيات فى سن الشباب، وافقن على الإدلاء بآرائهن – أخيرا – فى الموضوع؛ كانت منهن اثنتين محجبتين، و الثالثة غير محجبة، وسأرمز إليها بالحرفين (ن.ج).
فجأتنى (ن.ج) 22 سنة، طالبة – بسؤال ردًا على أسئلتى عن رأيهن فى قانون الطوارئ، قالت: "و هل نعرف قانونًا غيره يحكم هذه البلد؟
اتفقت الثلاث فتيات على خوفهن من أن يطبق القانون على رجالهن – بسبب أو بغير سبب، و أن هذا هو أكثر ما يقلقهن.
أضافت (ن.ج) ، و هى تمتلك كل صفات الزعيم السياسى بما فيها المشاغبة، و تساءلت إن كان قانون الطوارئ يعطى الحق لضابط شرطة فى معاكستها فى الشارع، فإن اعترضت كان مصيرها الإعتقال؟!
ثم توجهت إلى سيدة مصرية فى أواسط العمر – طبعًا لم أسألها عن سنها ، عمل طبيبة؛ كانت ترتدى ثيابا فاخرة جدًا، و حلياً ماسية، وإن كانت بسيطة و تتناسب مع تواجدها فى نادٍ ،و ليس فى سهرة، إنما تدل على ثراء عريض و مستحق، وأوضحت لى أنه لا يهمها إلا قانون العلاج على نفقة الدولة، وحكت لى عن حالات تقوم بعلاجها من البسطاء المستحقين للعلاج، ولكنهم لا يحصلون عليه، أما قانون الطوارئ فلا يعنيها الإ إن طال الظلم ابنها، وقتها ستُشرّح من ظلمه بأظافرها و ليس يالمشرط.
وكانت آخر مقابلة لى مع رجل طيب، مصرى شديد المصرية: عم (ص.ص) منادى السيارات بالنادى، حاصل على شهادة محو الأمية، وله من العمر 47 عامًا قضاها كلها بالنادى، منذ أن كان فى التاسعة من عمره أو قبل ذلك.
ويتمتع هذا الرجل الطيب بصوت خفيض، فيه رضا وقوة فى نفس الوقت، و فيه فخر حين يتحدث عن ولديه الملتحقين بالتعليم وبفرق رياضية بالنادى، وهم متساوون فى الفرص مع أولاد الأعضاء تمامًا.
عم (ص.ص) لا يعلم عن قانون الطوارئ الإ بمقدار ما يعلمه عن الفيتو – نصاً بحسب تعبيره هو: "لا شئ."
لقد سمع عن تمديد قانون الطوارئ، فقد كان فى كل نشرات الأخبار، و لكنه لا يعلم بالأسباب.
كل ما يرجوه المعاملة الكريمة من الشرطة، ويتمنى أن يرى رجال الشرطة فى مصر يحافظون على رأس المتهم حين القبض عليه، وهم يدخلونه سيارة الشرطة، كما يراهم يفعلون فى الأفلام الأجنبية، ولا يضربونه بالشلوت لإلقائه فى أرض "البوكس".
و تعليقا منه على توضيح لى بأن تمديد قانون الطوارئ الغرض منه الحفاظ على نظام الرئيس "حسنى مبارك" قال بأن الرئيس فى رأيه – و أنقل عنه حرفيًا – "صمام أمان لبركان لو [نزع] لأنفجر"، و تمنى له البقاء فى الحكم لمائة سنة "فقد تَحَسن رغيف العيش فى عهده".
قلت له : ولكن الكل إلى زوال ، قال بأنه يتمنى أن يخلفه "عمرو موسى"، لأنه كان حريصًا وهو يتكلم أن يشرح كلامه بحيث يفهمه عم (ص.ص)، و أنه لا يخشى أن يجر "عمرو موسى" مصر إلى الحرب مع "اسرائيل" لأن الحرب مع اسرائيل خطا.
تمنيت الخير لعم (ص.ص)، وخرجت من النادى.
من كل ما سبق، لا يستطيع أن يجادل أحد فى أن الطبقات المرفهة فى معزل عن الحراك السياسى، ولكنى أجزم أنهم يقفون منه موقف المتفرجين وليس اللاعبين، و هم أجدر و أقدر على خوض معترك السياسة؛ فالمفروض أن قيادة الأمة واجب على مثقفيها وصفوتها، ولكنهم يتخذون مواقع النقاد بدون المشاركة.
أما من احتك بهم من الشعب بصورة مباشرة، فقد بقى على نفس أحلام من يعيشون حياتهم كلها فى العشوائيات، الإ أنهم – كعم (ص.ص) – أقدر على الفهم.
نجحت شلة النادى فى الإمتحان – وإن كان فقط بتقدير جيد؛ فما رأيك عزيزى القارئ؟
http://www.copts-united.com/article.php?A=17977&I=446