يوسف سيدهم
بقلم : يوسف سيدهم
يوسف سيدهم حديث الانتخابات هو المسيطر علي الجزء الأكبر من أخبار الساحة الداخلية، وكما يقال في لغة كرة القدم هناك «عملية إحماء» تجري استعداداً للمباراة المرتقبة، فالبداية ستكون أول الشهر المقبل في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري، ثم تعقبها مباشرة حملات الاستعداد لانتخابات مجلس الشعب التي تجري في أكتوبر/ نوفمبر المقبل،وما نكاد نخرج منها حتي يرتفع لهيب الساحة الداخلية بالاستعداد لفتح الباب لترشيحات انتخاب رئيس الجمهورية التي تجري في خريف العام القادم بإذن الله...إذن هي بالفعل أشبه بعملية الإحماء لدخول المباراة الحاسمة التي تتعلق بها الأنظار، ثم ما تلبث أن تصل إلي ضربات الجزاء الترجيحية حيث تحبس الأنفاس في انتظار الفائز في النهاية!!
إنها بالفعل فرصة مهمة تستحق أن يعايشها كل مواطن مهموم بأمر بلده، وليس المقصود بالمعايشة متابعة المعارك الانتخابية في الجرائد والمجلات ونشرات الأخبار، إنما المعايشة الحقيقية هي في المشاركة الإيجابية سواء كانت ترشيحاً أو فحصاً أو انتخاباً.. وأعرف أن هناك أزمة ثقة بين المواطن المصري والعملية الانتخابية ناتجة عن سنوات طويلة من خطايا الدولة في إفساد الانتخابات، وفي التنكر لإرادة الناخبين، لكن أعرف أيضاً أن ترك هذا المواطن للساحة وعزوفه عن المشاركة هو أثمن هدية يقدمها لمحترفي إفساد الانتخابات والذين يبغون الانفراد بالتمثيل وبالسلطة.
إذن الحديث المرير عن سلبيات الواقع الانتخابي يحصرنا في دائرة «المشكلة» دون أن نتقدم نحو حلها، أما الإصرار علي المشاركة فهو السبيل الوحيد إلي أن نكون جزءاً من «الحل»...هذا الكلام موجه إلي شتي الكوادر الشعبية التي دأبت علي العزوف عن المشاركة في الانتخابات إما استعلاءً أو زهداً أو كفراً، فقد آن الأوان لتلك الكوادر أن تراجع موقفها لتغيير صورتها وصورة الانتخابات علي حد سواء.
ولمن لا يتصور أو يصدق المستوي الهزيل الذي وصلت إليه نسبة المشاركة الشعبية في مصر في الانتخابات - وهو واقع مؤسف يجب ألا نتستر عليه أو نخفيه أو نجمله - أستعرض دراسة إحصائية سبق أن نشرتها واحدة من أكثر المجلات المرموقة علي مستوي العالم وهي مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» التي يرجع تاريخ صدورها إلي عام 1888 والتي أثرت علي مدي تاريخها سائر مجالات المعرفة والاكتشافات الإنسانية...هذه الدراسة القيمة تم نشرها منذ زهاء عامين، واسترعت انتباهي، فاحتفظت بها إلي أن تجيء مناسبة نشرها...وها هي المناسبة تحل، فالدراسة تعرض لنسب التصويت في الانتخابات في سائر دول العالم، علاوة علي تقسيم هذه الانتخابات بين «انتخابات حرة» وبين «انتخابات موجهة»...ويؤسفني أن أنقل عن الدراسة أن مصر تحتل قاع الجدول في نسبة التصويت، وأن انتخاباتها «موجهة».. تعالوا معي في جولة عبر هذه الدراسة، علما بأن كل من يعرف هذه امجلة العريقة يعرف أنها غير مسيسة ولا مغرضة:
شريحة الدول التي تتمتع بانتخابات حرة تتصدرها استراليا بنسبة مشاركة تصويتية 95% من مجموع الناخبين، وتتدرج لتصل للولايات المتحدة 89%، الدنمارك 88%، الفلبين 85%، تركيا 85%، فرنسا 85%، السويد 84%، إيطاليا 82%، ألمانيا 79%، جنوب أفريقيا 78%، إندونيسيا 75%، اليونان 74%، إسرائيل 66%، كوريا الجنوبية 65%، اليابان 58%، رومانيا 45%، بولندا 40%، سويسرا 38%، ثم تأتي موزمبيق في قاع قائمة الدول التي تتمتع بانتخابات حرة بنسبة تصويت 27%.
أما شريحة الدول التي تعاني الانتخابات الموجهة فتتصدرها تركمنستان بنسبة تصويت 99%، ثم تتدرج القائمة لتضم روسيا 96%، تونس 91%، كمبوديا 82%، العراق 80%، الكونغو 75%، كينيا 70%، اليمن 68%، إيران 60%، الجزائر 57%، زيمبابوي 52%، لبنان 47%، باكستان 46%، المغرب 34%، وأخيرا - اللهم لا حسد - تأتي مصر في ذيل قائمة دول الانتخابات الموجهة بنسبة تصويت تبلغ 23% من الناخبين، وهي في الوقت ذاته أدني نسبة تصويت علي الإطلاق بين جميع دول العالم التي شملتها الدراسة!!
لست أعرض هذه الدراسة الإحصائية علي سبيل التسلية قبل الانتخابات المقبلة، كما لا أقصد من تسليط الأضواء عليها توزيع الإحباط ونحن نبدأ مرحلة «الإحماء» لكني أتمني أن يكون ذلك تحفيزاً علي مواجهة النفس والعمل علي مراجعة المواقف والسلوكيات، فطريق الإصلاح السياسي ينتظرنا لنخطو أولي خطواتنا عبره.. والذين عايشوا طريق الإصلاح الاقتصادي الذي قطعنا فيه شوطا ملموسا يعرفون أنه لا إصلاح إلا بالمصارحة والمبادرة الشجاعة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=17910&I=444