أسامة غريب
بقلم أسامة غريب
تبدو قصة حياة محمد القصبجى شبيهة بقصص أبطال الإغريق الذين ذهبوا لملاقاة مصائرهم بقوة دفع لم يكن لأحد القدرة على إيقافها.
البدايات كانت تشى بفنان قادر على صنع المستحيل.. رجل ولد مع سيد درويش فى نفس السنة، وأتيح له أن يتعلم الموسيقى الشرقية، وأن يدرس أيضاً الموسيقى الغربية، ثم أراد أن يصنع نوعاً فريداً يحلّق به فى آفاق لم يبلغها أحد قبله فى الشرق. مأساة هذا الرجل فى ظنى تكمن فى أنه وثق فى أم كلثوم ثقة عمياء، وتصور أنها كتلميذة له سوف تلتزم بكونها الصوت الذى يحمل تجاربه وشطحاته فى الموسيقى إلى العالم. لم يدر الرجل الطيب أن الست عندما فُجعت فى فيلم عايدة الذى تولى تلحين أغانيه ثم لاقى سقوطاً جماهيرياً..
لم يدر أنها لم تعد الفتاة الصغيرة التى التقاها عام ٢٢، وكانت تغنى مدائح نبوية مرتدية عقالاً بدوياً، وإنما أصبحت سيدة مجتمع ينحنى لها الباشوات ويخضع لسطوتها الأباطرة، وأنها بحكم النشأة التقليدية لم تكن هى الشخص المناسب ليمضى معه إلى نهاية مشوار التجديد. لقد كان يمكن لأم كلثوم أن تسايره فى جنونه لو أنه استمر يحقق لها النجاح مثلما فعل عندما غنت له «الشك يحيى الغرام» و«ما دام تحب بتنكر ليه»، أما وأن تجاربه لم تعد مضمونة فليس من الحكمة أن تظل على متن سفينته. من هنا يأتى انصرافها عن ألحانه بعد أن كانت قد وصلت معه إلى عنان السماء عندما قدم لها اللحن غير المسبوق فى روعته «رق الحبيب». وربما يكمن جانب من المأساة فى أن النجاح الباهر لرق الحبيب قد وضع على عاتق الرجل مهمة أن يثبت لنفسه أن نجاحه لم يأت صدفة.. وعلى ذلك فإنه هو شخصياً لم يرض عن أعماله بعدها لأنه رآها دون جوهرته الخالدة..
ومع ذلك فإنه ما إن حدثت الجفوة بينه وبين أم كلثوم حتى انطلق فى ألحان مازالت تدهش الناس مثل «يا طيور» و«امتى ح تعرف» لأسمهان، ومثل «قلبى دليلى» لليلى مراد. كان هذا الأمر فوق احتمال أم كلثوم، وأعتقد أنها لم تغفر له ذلك أبداً، ولقد واتتها الفرصة لمعاقبته عندما ماتت أسمهان فجأة وفقد القصبجى الصوت الذى عوّل عليه. والذين ذكروا الجملة التى قالتها أم كلثوم للقصبجى عندما قدم لها لحناً لم يعجبها (متهيألى انت محتاج لراحة طويلة يا قصب)
يعلمون جيداً الوقع النفسى لهذا الكلام على رجل فى حساسية القصبجى، خاصة عندما يأتيه ممن لا يتوقع منها إلا المؤازرة والمساندة أو على الأقل الامتناع عن تكسير المجاديف إذا كانت لا تنوى أن تبحر معه! ويقول الذين عرفوا الرجل إن المشكلات العائلية التى مر بها فى ذلك الوقت قد نالت من معنوياته وأضعفت مناعته فاستسلم لفكرة أم كلثوم التى سعت لإقناعه بها بأنه «خلاص شطّب» ولم يعد لديه ما يضيفه.
وما يثير الأسى أكثر فى مأساة القصبجى أن أم كلثوم كانت تستطيع أن تتركه يسعى لرزقه كقائد فرقة موسيقية بعيداً عنها، لكنها أصرت على أن يظل يقود فرقتها، ثم فى أقرب فرصة قامت بتنحيته جانباً وأسندت قيادة الفرقة لغيره وجعلته مجرد عازف عود إلى أن مات، ولم تتحرج من الأخبار التى تسربت بأنها تتركه بالفرقة فقط لأسباب إنسانية!
فى ظنى أن معين العبقرية لم ينضب من القصبجى لكنه صدّق أم كلثوم لأنه كان يحبها، والذين يحبون كما نعلم.. يتشخرمون.
نقلآ عن المصري اليوم
http://www.copts-united.com/article.php?A=178623&I=2090