دراسة تحليلية لانجيل يهوذا المزعوم 4-6

لطيف شاكر

بقلم : اطيف شاكر  
يقول السيد كيزلر المؤرخ اللاهوتي الكبير   : لنفترض  أن هناك أربعة شهودعلي حادثة قتل وكان هناك شاهد اخر وصل الي مكان الحادث بعد وقوعه ولم ير الا جثة القتيل وسمع اخر رواية غير مباشرة عن الحادث وفي اثناء المحاكمة ترافع محامي الدفاع قائلا: فيما عدا شهود العيان الاربعة , تعد شهادة الاثبات ضعيفة ويجب رفض الدعوي لعدم كفاية الادلة .وهنا سوف يعتقد الحضور أن المحامي يحاول المراوغة. إذ انه يصرف انتباه القاضي والمحلفين عن الشهادة القوية الي الشهادة الضعيفة   ومن الواضح ان هذا المنطق غير سليم , وغير منطقي .

ورغم ذلك فمن المفيد أن نبين ماهي البراهين المؤيدة للاناجيل الاربعة وزيف كتابات يهوذا المزعوم والتي يمكن جمعها من خلال نطاق العهد الجديد وكتاب الاولين وشهود الغير مسيحيين.Geisler,BECA,381))

وبما ان شهادة العهد الجديد كانوا هم الشهود وحدهم ليسوع المسيح وكانوا معاصرين له , فمن الخطأ نحويل الانتباه عنهم الي المصادر العلمانية او مخطوطة هنا او هناك ممزقة وناقصة وغير كاملة  ولا يعرف كاتبها وتخالف الاناجيل الاربعة ولا يندرج شهادته ضمن شهود العيان للاسباب التالية :
اولا    :موته منتحرا بشهادة الاناجيل القانونية فتنتفي الشهادة
ثانيا   : موته بشهادة اقوال الرسل في سفرهم وهذا اثبات قاطع
ثالثا   : رفض شهادته  قانونيا لانه من واقع اعترافاته  وشهادة العامة عليه  انه خائن ولاتقبل شهادة الخائن (من فمك ادينك)
رابعا : شهادة ممزقة وغير كاملة وغير مستوفية اذن تعتبر مرفوضة للشهادة (مخطوطة ممزقة وغير واضحة المعالم وناقصة النصوص واستكمل بعض كتاباتها بالتخمين فقط )
خامسا : لاتدخل ضمن نطاق  التقليد الكنسي  المسلم لنا من الرسل  كباقي الاسفار ال 27 اسفار العهد الجديد( بالنسبة للكنائس الرسولية كان التقليد جزء مكمل للايمان بعد الكتاب المقدس)

شهادات  كتاب غير مسيحيي
1 – تاسيتوس
عاش في القرن الاول الميلادي ويعتبر  احد اكثر المؤرخين دقة غي العالم القديم وهو يروي لنا احداث حريق روما العظيم الذي يعتقد ان الامبراطور نيرون هو السبب فيه  ولصقها في المسيحيين بعد ان انزل فيهم اقسي انواع العذاب وكان المسيح الذي منه يشتق اسمهم قد كابد عقوبة الموت في اثناء حكم طيباريوس علي يد الحاكم بيلاطس البنطي وبذلك خمدت احد اشر البدع (القيامة)واكنها عادتلتنتشر من جديد ليس في اليهودية فقط ولكن في روما ايضا عاصمة البلاد ومركز كرسي الامبراطور Tacitus,A,1544)) .

2- سيوتونيوس
يعتبر واحد من اهم رجال بلاط الامبراطور هادريان (117-138) وأقواله تؤيد ماجاء باعمال الرسل 2:18 وهو يشير الي  الاحداث التي اعقبت حريق روما العظيم  وفرض العقوبات علي المسيحيين ويقول عنهم جماعة من الناس يتبعون بدعة شريرة جديدة .

3- يوسيفوس
مؤرخا يهوديا(37-100م) وفريسيا  وكان يعمل في ظل السلطة الرومانية كتب 72 من الاعمال الهامة ويعتبر من اهم المؤرخين لانه يهودي ويحمل الجنسية الرومانية ويعتد بكتبه في انحاء العالم . وقد كتب في كتابه ضد ابيون براهين تاريخية تؤكد صحة كل من العهد القديم والعهد الجديد للكتاب المقدس . ويؤيد يوسيفوس الاسفار الغير قانونية المسماه بالابو كريفا واعتبرها مطابقة لفحوي الكتاب المقدس ومن ضمن اشاراته  الاتي:
اشارته الي يسوع كأخ ليعقوب اذي استشهد والي رئيس الكهنة حنان كتب ......جمع كل مجمع السنهدريم من القضاة وتحضر امامهم يعقوب اخا بسوع المسمي المسيح وآخرون معه

اكد ايضا يوسيفوس علي استشهاد يوحنا المعمدان الذي بشر بيسوع  ويذكر ان معمودية يوحنا لم تكن لمغفرة الخطايا بينما الانجيل ذلك وايضا ذكر ان يوحنا قتل لاسباب سياسية بالاضافة الي موضوع هيروديا ..وهذا السرد   يوضح  ا ن الاحداث العامة التي ذكرها يوسيفوس  يؤكد ما تذكره الاناجيل بغض النظر عن  رؤية يوسيفوس  ويبين مدي الاهتمام  بالمخطوطة كما هي دون اي تغيير او تحريف حتي لو كانت مختلفة عن الحقيقة   ويؤكد  ايضا علي احترام وجهات النظر المختلفة.

وفي احدي النصوص التي يدور حولها الخلاف يورد يوسيفوس وصفا مختصرا ليسوع ورسالته :
وكان في ذلك الوقت رجل حكيم اسمه يسوع , لو كان لنا ان ندعوه انسانا , لانه كان يصنع العجائب وكان معلما لمن كانوا يتقبلون الحق بابتهاج. وجذب اليه الكثيرين من اليهود والامم علي حد سواء, وكان هو المسيح . وعندما أصدر بيلاطس  حكم عليه بالصلب بايعاز من رؤسائنا , لم يتركه أتباعه الذين احبوه منذ البداية. إذ أنه ظهر لهم حيا مرة أخري في اليوم الثالث, كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الاشياء العجيبة المختصة به . ولازالت جماعة المسيحيين المدعوين علي اسمه , باقية حتي هذا اليومJosephus) .AG.18.3.3)

4-ثالوس
كتب ثالوس حوالي 52م ولم يتبق من كتاباته اي شئ رغم ان كتابا آخرين قد احتفظوا لنا ببعض اجزاء قليلة من كتاباته واحد هؤلاء الكتاب هو يوليوس افريكانوس في حوار الظلمة التي تبعت صلب المسيح حيث يقول : لقد خيمت ظلمة رهيبةعلي العالم كله وتشققت الصخور بفعل الزلزال  وتهدمت الكثير من مناطق اليهودية وغيرها ويطلق ثالوس علي هذه الظلمة كسوف  الشمس وهو  قول لااحد يبرره Julius Africanus,Chroongraphy .18.i.in Roberts,ANF)) ويعتبر افريكانوس  هذه الظلمة التي فسرها ثالوس علي انها كسوف شمسي  هي الظلمة التي حدثت عند  صلب المسيح والمذكورة في لوقا 44:23و45 . وسبب اختلافه مع ثالوث هو
  ان الكسوف الشمسي لايمكن ان يحدث في وقت كمال وجه القمر : لان ذلك كان وقت الفصح وقت كمال القمر عندما صلب يسوع.

5-بليني الصغير
كان بليني الصغير حاكما وكاتبا رومانيا وفي رساله بعث بها الي الامبراطور تراجان حوالي عام 112 م يصف بليني شعائر العبادة المسيحية الاولي قائلا:
كانت لهم عادة ان يجتمعوا في يوم معين قبل بزوغ النهار ويرنمون ترنيمة للمسيج , كما لو كان الها , ويتعهدون عهد الشرف الا يرتكبوا شرا او كذبا اوسرقة او زنا زالا يشهدوا بالزور والا ينكروا الامانة متي طلب منهم ام يؤدوها , بعد ذلك يتفرقون ثم يجتمعون للاشتراك في الطعام ولكنه طعام من نوع مقدس وطاهرpliny the Younger,L.10.96) ) .
ان هذه الاشارة تقدم دليلا واضحا علي ان المسيحيين في بداية المسيحية كانوا يقدمون العبادة ليسوع المسيح عارفين انه الله , واستمروا يمارسون  كسر الخبز معا كما ذكر في (اعمال الرسل  42:2و46)

6-الامبراطور تراجان
ردا علي خطاب بليني أرسل تراجان بالتعليمات الاتية لمعاقبة المسيحيين : لاينبغي السعي في إثر هؤلاء الناس , ولكن اذا ماأدينوا وثبتت فعلتهم يجب معاقبتهم , الا اذا انكر الشخص مسيحيته وقدم الدليل علي ذلك (بعبادة الهتنا ) ففي هذه الحالة يعفي عنه علي اساس توبته حتي لو كان موضع شبهات من قبلPliny the Younger,L,10:97)
واختم هذه الشهادات بما ذكره التلمود   لان عددالغير مسيحيين  الذين  شهدوا للاناجيل كثير جدا مثل لوسيان الساموساطي اليوناني ومارابار سيرابيون...الخ

7-التلمود
من اهم الكتابات التلمودية التي تتحدث عن شخصية يسوع هي تلك التي جمعت فيما بين عامي 70و200ةم خلال الفترة التي تعرف باسم العصر التانيتي (Tannaitic Preiod (  . وأهم هذه النصوص مايلي : علق يسوع في ليلة الفصح , ولكن قبل تنفيذ الحكم ولمدة اربعين يوما سار المنادي معلنا : إنه سوف يرجم لانه مارس السحر وضلل اسرائيل . واي شخص يمكنه أن يدلي بأي شئ في مصلحته فليتقدم للدفاع عنه , ولكن اذ لم يكن هناك مايمكن أن  يبرئه فهذا يؤدي به الي ان يعلق في ليلة الفصح .Pabylonian) Talmud , Sanhedrin 43a).

واود قبل ان انهي المقال اوضح ماجاء بانجيل الحق الغنوسي الذي اكتشف ضمن مكتبة نجع حمادي 1945م :
وبعد عصر المسيح مباشرة ازدهرت العديد من الجماعات غير المسيحية  يربطها بالمسيحية صلات ضعيفة , وأحد أشهر هذه الجماعات هم الغنوسيون وأحد كتبهم هو هذا الكتاب الذي يرجع الي القرن الثاني الميلادي ولعل كاتبه هو فالنتينوس (135-160م) وههو يؤكد علي حقيقة وجود شخصية يسوع التاريخية في مواضع عدة:

لانهم إذ قد رأوه وسمعوهأعطاهم أن يتذوقوه ويتنسموه ويلمسوا الابن الحبيب . وإذ قد ظهر لهم يعلمهم عن الآب ..لانه جاء ظاهرا في الجسد .
كان يسوع رابط الجأش في تقبله للالام لانه كان يعرف أن موته هو حياة للكثيرين ..لقد سمروه الي خشبة فأعلن حكم الآب علي الصليب .. وضع نفسه الي الموت عبر الحياة. وبعد ان جرد نفسه من الثياب البالية القابلة للفناء. لبس الخلود الذي لايمكن لاحد ان ينتزعه منه (Robinson,NHL,20:11-14,25-34)

وجدير بالملاحظة انه بالرغم من كتاب الحق قد شهد شهادة رائعة بالسيد المسيح الا ان الاباء وكذا المجامع لم تدرجه ضمن الاناجيل الاريعة نظرا لانه لاينطبق علي صاحبه شروط كتابة الانجيل وايضا لان الفكر والسياق لانجيل الحق لايتمشي مع الاناجيل الاربعة ..واريد ان اوضح ان الاباء والمجامع لم يرفضوا الاناجيل الاخري لانها تطعن في السيد المسيح بل بعضها علوا جدامن شخصية المسيح اللاهوتية دون الناسوتية وسنأتي اليه عند شرح الهرطقات في مناسبة اخري .

 الحجارة تصرخ بالبرهان الأثري:
قدم عالم الآثار نلسون جلوك براهين قوية علي وجود وصحة الكتاب المقدس ..ولاتكفي المجلدات الضخمة لاحتواء كافة الاكتشافات التي تدعم ثقتنا في الكتاب المقدس من الناحية التاريخية واكتفي ببرهانين لعدم اطالة المقال  وان كان فعلا اطيل  مجبرا عليه لاستكمال الافادة ولسد كل فم يتكلم عن الكتاب المقدس ومصداقيته وموثقيته:
كتب نلسون جلوك عالم الآثار اليهودي الشهير قائلا: يمكن القول  بأنه لم يكن هناك قط أي اكتشاف اثري يناقض اي نص في الكتاب المقدس ويواصل حديثه ليؤكد علي الذاكرة التاريخية الدقيقة بشكل عجيب للكتاب المقدس, وخاصة عندما تؤيده الحقائق الآثرية (Glueck,RDHN,31  (.
يضيف ف.ف.بروس أن الخدمة التي أداها علم الآثار لدراسة العهد الجديد هي في معظمها ملْ فراغ الخلفية التاريخية التي يمكننا علي ضوئها ان نقرأ العهد الجديد بشكل أكثر تفهما وتقديرا وهذه الخلفية هي خلفية القرن الاول.

ويضيف العالم الاثري بروس :انه بوجه عام  ادي  نشاط علماء الآثار بدون شك الي تعزيز الثقة في صدق  روايات الكتاب المقدس . لقد ازداد احترام اكثر من عالم من علماء اللآثار للكتاب المقدس من خلال خبرة التنقيب في فلسطين. وإجمالا فان مثل هذه الادلة التي قدمها علم الآثار حتي الآن وخاصة بالكشف عن مخطوطات اضافية اكثر قدما لاسفار الكتاب المقدس تدعم ثقتنا في صحة النص الكتابي  عبر القرون حتي وصل الينا كماهو دون ادني تغيير او تحريف (Burrows,WMTS,42)

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع