جرجس بشرى
كتب : جرجس بشرى - خاص الاقباط متحدون
قال الأديب المصري موسى نجيب موسى في حديث خاص لـــ" الأقباط مُتحدون " أنه سيوقع خلال الأيام القليلة القادمة عقداً مع إحدى دور النشر الكبرى بمصر لإصدار مجموعته القصصية الجديدة " سِر الإعتراف " في إشارة إلى سر من أسرار الكنيسة السبعة وهو" سر الإعتراف ".
وأوضح موسى أن عنوان عمله القصصي الجديد جاء على هذا النحو لوجود قصة من قصص المجموعة تتناول قصة حياة شاب وفتاة وقعا في خطيئة الزنا ، وبعد وقوع الشاب في الخطية بدأت تشتد عليه الحروب من أبليس الملعون لتفقده الأمل في رحمة الله بسبب فداحة الخطية التي ارتكبها ، إلا أن الشاب لم يفقد الأمل في رحمة الله وقبوله له ، فكان يبلل فراشه كل ليلة بدموعه معلناً ندمه على هذه الخطية لعل الله يستجيب له ويغفر له خطيئته العظيمة ، ويمحي من ذاكرته الشهوة الشريرة وصورة الفتاة التي وقع معها في الخطية.
وتحكى القصة أن الشاب كان يريد الهرب إلى أحد الأديرة القريبة من بلدته ليهرب من محنته الأبدية ، ولكنه لم يستطع لأنه يعول والدته المُسنة التي لأزمتها أمراض الدنيا حيث مات أبوه وتركه صغيراً. وفي ذات صباح ماتت أمه وكأنها تتآمر مع الملعون ومع الزمن ومع كل شئ عليه ، وسمع الشاب وهو يتقبل العزاء في وفاة أمه صوتاً هسيساً في أذنه في هفوت ووهن يقول له : تعال إليّ .. تعال إلىّ ماذا تنتظر ؟؟
وفي إحدى الأيام زاره صديقه الذي كان متغيباً منذ فترة في إحدى دول بلاد النفط ، وأدرك ما هو فيه ، وأصطحبه معه إلى الكنيسة لعّلهّ يخفف من حمله ، وحدث بعد أن تردد على الكنيسة لمرات أن الشاب ذهب للكاهن في الهيكل وأخبره بحكاية الصوت الذي يسمعه فربت الكاهن على كتفه وقال له : أنه صوت الرب يا ابني وليس صوت الخطية !! ونصحه بالذهاب إلى أحد الأديرة في خلوة روحية، فذهب الشاب بالفعل إلى الدير في خلوة واختلى بنفسه في البرية، وأخذ يخدم في الدير ويصلي كثيراً ويقرأ أكثر في الكتاب المقدس ، الذي ولأول مرة طاوعته صفحاته على تقليبها كيفما شاء ولم تتجمد عند قصة داود النبي
وبمرور الأيام بدأت صورة خطيئته، وصورة التي أغواها تتضاءل وتبهت شيئاً فشيئاً ، ولم يكن يشعر بغصة في حلقه سوى بعض المُحاولات المُستميتة من الملعون ( الشيطان )، الذي أخذ يحاربه بشراسة أكثر في شهوته ، وعندما قص على أبيه الروحي ذلك طالبه بالصبر ، حتى ينال الخلاص.
وحدث بعد ذلك ، أن تم قبوله في إختبارات الرهبنة ونجح في اختبارات الرهبنة بطريقة مذهلة ، وتحدد موعد للصلاة عليه صلاة الموتى لرسامته راهباً، وبعدها زادت عليه حرب الملعون أكثر ، ولكنه كان يصد هجومه بالجهاد في الصلوات والسجود لربه حتى تورمت قدماه.
وحدث في أحد الأيام أن أخبره أحد الرهبان بأن رئيس الدير سيرسمه قساً ليخدم في كنيسة بلدته التي هجرها من زمن بعيد.. لم يفرح الشاب بالخبر ، بل عادت إليه على الفور صورة خطيئته وصورة من أغواها، ولولا خوفه من الوقوع في معصية مخالفة رئيس الدير لكان رفض هذا الطلب على الفور.
وفي الموعد المحدد لرسامته قساً بالكنيسة التي دخلها خاطياً ، وأثناء خدمته كان يبلل مفرش المذبح بدموعه عندما يتذكر خطاياه ، وكلما كانت تقع عينيه على من ارتكب معها الخطيئة وسط جموع المُصلين ، كانت تزداد دموعه أكثر فيتطهر، أما هي فكانت تحاول أن تدقق النظر فيه أكثر لعله يكون هو، وتحاول أن تشنف أذنيها حتى تتطابق نبرات صوته التي تنطق بالكلمات المقدسة ، مع تلك الكلمات التي تملأ أذنيها والتي كان يطلقها بلا إرادة ولا وعي عندما كان يبيت معها، ولكن كانت تخونها عينيها لأن ملامحه لم تعد تلك الملامح القديمة، فوجهه الآن مشع بالنور كما أن راحة وسكون تظلله، وهدوء نفسي عجيب في نبرات صوته الحنون ، وحاولت أن تقابله أو تنفرد به ولكنه كان يتهرب من كل محاولاتها الشريرة على حد ظنه ، حيث كان يعلم أن الملعون يحركها ضده، حيث أنها ضعفه الوحيد، ويعلم أيضاً أنها ضعيفة جداً جداً ولا تقوى على مواجهة الملعون بحيله وخداعه.
وحدث بعد ذلك أن تنيح كاهن الكنيسة وأبيه الروحي الذي كان يساعده في الخدمة بالكنيسة، ووقعت عليه مسئولية الخدمة وحده ؛ فكان يقوم بكل طقوسها ، وممارسة جميع أسرارها المقدسة من سر التناول "الإفخارستيا" ، وسر الزيجة ، وسر مسحة المرضى ، وسر المعمودية ، وسر الإعتراف . وفي أحد الآحاد وهو يقود الصلاة بدموعه كعادته وأثناء العظة وقعت عيناه عليها، كما ثبتت هي عيناها عليه مباشرة ، للتأكد منه ، وبينما هو يلقي عظته عن خطية الزنا ، ويسرد قصة خطيئة داود النبي مع زوجة أوريا الحثي ؛ كيف وقع معها في الخطية، وكيف نال المغفرة والتوبة ، كانت هي ( أي الفتاة ) تجرده ( أي الأب القس ) من كل شئ روحي ، وتمثل هو بذاته أمامها ! وبعد نهاية القداس طلبت منه في خشوع مصطنع أن تعترف بخطاياها، بعد أن قبلت يديه، وهنا أدرك أنه لا مناص من مقابلتها لئلا يعتبر ذلك هروباً من ممارسة سر كنسي.
فجلس بحجرته الضيقة وطلب من خادم الكنيسة ألا يسمح لأحد بالدخول حتى ينتهي من صلاته القصيرة، التي يطلب فيها عون الله كي يستطيع أن يلبي طلبات وحاجات المُريدين ، وظل يتناوب عليه المُريدون ، وكانت هي تؤجل دورها مرة بعد مرة، كلما طلب منها خادم الكنيسة الدخول إلى الأب الكاهن، حتى أصبحت آخر الموجودين، فدخلت عليه بإرتباك ملحوظ ، بينما اهتز قلبه قليلاً ، ولكن سرعان ما عاد إلى خفقانه الطبيعي عندما لهج لسانه بالمزامير، ورفع قلبه إلى الله بصلاة قصيرة كي يعينه ويعضده بالفرار من هذا الفخ المدبر من قبل الملعون ثم اتجه نحوها وقال لها بحنو غريب :
ــ ماذا بك يا ابنتي ؟
هربت الكلمات من شفتيها ولم تستطيع، وأخذت تنثرها بلا رابط أو ترتيب في كل اتجاه وفي أي موضوع، ولم تستطع أن تتمالك نفسها إلا عندما وضع الصليب على رأسها وصلى عليها حتى تهدأ.
وبينما هو جالس على الأريكة الوحيدة الموجودة بالغرفة، ركعت على قدميها ، وظلت تحكي له بدموعها عن سرها الذي لم يعرفه أحد سواه ... ظلت تحكي وتحكي، وبينما هي تحكي تتساقط دموعه الحارقة كلما حركت كلماتها الصورة المختزنة في ذاكرته التي لم تصدأ بعد، وكلما حكت له عنه تزداد دموعه حتى بللت لحيته، وظلت الدموع تنهمر من عينيه،وغطتها كلها، ثم قال لها بصوت متهدج :
قفي يا ابنتي وصلي كثيرًاً إلى الرحوم الله ... كي يغفر لي ولكي، وقعت عليها الكلمات كالصاعقة أسلمتها لغيبوبة لم تفق منها، بينما هرب هو إلى قلايته التي أختارها لنفسه فوق سطح الكنيسة لينفرد بربه ويجاهد كثيراً ويصوم أكثر عله ينال يوماً ... يوماً ينال الخلاص المرجو.
ويقول الأديب "موسى نجيب موسى" ألذي خصنا بسرد جزء بسيط وملخص من إحدى القصص الشيقة بمجموعته القصصية : " سر الإعتراف " أن هذه القصة تؤكد على مراحم الله وقبوله توبه الخطاة .
http://www.copts-united.com/article.php?A=17711&I=440