عماد نصيف
* الدراسة تتهم الإخوان بأنهم سبب تدمير النقابات المهنية ووضعها تحت الحراسة بسبب إخضاعها لمكتب الإرشاد.
كتب: عماد نصيف - خاص الأقباط متحدون
أصدرت "المجموعة المصرية للتوعية الدستورية والتدريب" دراسة حديثة عن" تقييم دور الإخوان المسلمين في النقابات المهنية المصرية"، حيث أشارت الدراسة في مقدمتها إلى أن النقابات المهنية في مصر تضم أكثر من 4.5 مليون مهني موزعون بين 24 نقابة يتراوح عدد أعضاءها قرابة المليون عضو في نقابة المعلمين إلى جانب بضعة آلاف في العديد من النقابات أهمها (المحامين - الصحفيين - المهندسين – الأطباء) والتي تمثل قطاعًا هامًا في المجتمع لأن غالبية أعضائها من الطبقة المتوسطة، فضلاً عن دورها التاريخي في دعم التحول الديمقراطي والاستقلال الوطني، لكن ما حقيقة دور الإخوان بها؟
وتطرح الدراسة عددًا من الأسئلة لمحاولة الإجابة عليها، مثل (لماذا دخل الإخوان المسلمين الساحة النقابية المهنية؟، هل كان دخولهم إلي المعترك النقابي مبني على عدم قناعتهم بالسياسة التي تُدار بها النقابات؟، ما هو التغيير الذي طرأ علي النقابات عقب دخول الإخوان هذا المعترك؟، هل قام الإخوان بتقييم دورهم وحجم ممارستهم داخل النقابات؟، هل تم وضع القانون 100 لسنة 1993 وتعديله رقم 5 لسنة 1995 للحد من نشاط الإخوان داخل النقابات نظرًا لكونهم المساعد الأول علي تنمية نسب المشاركة في النقابات التي تواجدوا بها، ذلك لكثرة عددهم وقدرتهم على استمالت أعداد كبيرة من المهنيين للمشاركة ونبذ السلبية، فضلاً عن الإمكانيات المادية المتوافرة لديهم).
وفي إجابتها على هذه الأسئلة قدمت الدراسة محورين لتفس
ير وتقييم دور الإخوان المسلمين في النقابات المهنية في مصر، ففي المحور الأول تناولت الدراسة كيفية دخول الإخوان للنقابات المهنية.
وأشار "أحمد نصر عبد العظيم" المدير التنفيذي للمجموعة المصرية والقائم على الدراسة إلى أنه عند إعداد هذه الدراسة لم يكن الغرض منها التعرض لتاريخ الإخوان النقابي وإنما عرض انطباعات ووجهات نظر شخصيات كثيرة تطرقت إلى هذا الموضوع، كذلك سرد حقائق من الماضي وربطها بالحاضر وما يمكن أن يترتب عليها في المستقبل في ظل الحديث الدائم عن الإخوان في الشارع المصري بلا انقطاع وخاصة ممارستهم السياسية.
وتربط الدراسة بين دور الإخوان المسلمين في النقابات المهنية في مصر وتاريخ الإخوان العام.
حيث أنه عقب اغتيال الزعيم الراحل محمد أنور السادات في أكتوبر 1980 وتولي الرئيس مبارك الحكم، تصاعدت أعمال العنف المسلح من قبل الجماعات الإسلامية، فاختار النظام سياسة تقديم التنازلات لجماعة الإخوان المسلمين وذلك تسهيلاً لمهمته في مواجهة الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفًا، وسرعان ما ظهر أن نتائج الصفقة لم تكن أفضل من سابقتها، حين استعان السادات في أوائل السبعينيات بالجماعات الإسلامية في مواجهة المد اليساري في الجامعات وبعض التجمعات العمالية، تلك السياسة التي أدت بعد سنوات معدودة إلى تعاظم قوة هذه الجماعات.
وتؤكد الدراسة على أن المناخ العام في هذه الفترة التاريخية كان بمثابة العامل المساعد لتزايد نفوذ الإخوان في المجتمع، نظرًا لتساهل النظام معهم إبان هذه الفترة التي قيدت فيها وحجمت كافة القوى السياسية الأخرى بما فيها الأحزاب السياسية من قبل النظام الحاكم، ساعدهم أيضًا في ذلك حرص النظام المصري علي التصريح بأن معركته مع الجماعات الإسلامية وليس مع الإسلام.
كذا التغاضي عن نشاط شركات توظيف الأموال الذي تنامي بمرور الوقت حتى أصبح مصدرًا رئيسيًا لتمويلهم.
إضافةً إلى ذلك نجاح الإخوان في تقديم العديد من الخدمات للجماهير مستغلين الدعم المالي الكبير الذي حصلوا عليه من جهات عدة، تلك الخدمات التي اعتمد عليها الموطنين بشكل كلي في وقت تدهورت وتراجعت فيه الدولة عن تقديم تلك الخدمات، نظرًا لتفشي الفساد واتجاه الدولة بسياستها صوب الخصخصة، فضلاً عن التنصل من تقديم الخدمات للمواطنين رغم أن ذلك يعد من صلب دورها.
كل ما سبق كان بمثابة الإشارة ذات الدلالة التي شجّعت الإخوان على المشاركة في انتخابات مجلس الشعب عام 1984 مع حزب الوفد ثم عام 1987 مع حزبي العمل والأحرار حيث تمكنوا من الحصول على 35 مقعد في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تلك الفترة ليتواجد معها الإخوان المسلمين على الخريطة السياسية المصرية كتيار سياسي تخرج من المرحلة الثانوية ويريد استكمال باقي مراحله التعليمية ببلوغ الجامعة، ثم طرق أبواب الحياة العامة ذات الطابع العملي.
حيث جاءت الدراسة في محورها الأول لتشير إلى كيفية دخول الإخوان للنقابات المهنية حيث فطن الإخوان إلى ضرورة التواجد المكثف داخل النقابات المختلفة لأنها تمثل بالنسبة لهم المنبر الدائم الذي يخاطبوا من خلاله الطبقة المتوسطة التي تعتبر الأهم لهم.
وفي سبيل ذلك قام الإخوان بترتيب أوراقهم بكل عناية قبل دخول المعترك النقابي حتى يتمكنوا من الهيمنة على النقابات المهنية التي مثّلت موقعًا مثاليًا للإخوان المسلمين منذ الثمانينات فمن جانب كان العمل بالنقابات خطوة تالية لاستثمار النجاح الذي حققوه سابقًا في الجامعات، فالخريجين الذين تربوا على أيديهم في الجامعة تم دفعهم بكل قوة صوب النقابات المهنية، حيث وجدوا فيها مجالاً خصبًا لاستثمار خبرتهم السياسية السابقة.
وتلتفت الدراسة إلى أن الإخوان المسلمين بدءوا حملتهم المنظمة لدخول المعترك النقابي بعدد محدود من المرشحين في قوائم غلب عليها الطابع الحكومي، حدث هذا فعلاً في نقابة الأطباء مع الدكتور حمدي السيد ثم في نقابة المهندسين بعد ذلك، حيث بدءوا بعدد محدود من المرشحين على قوائم المهندس عثمان أحمد عثمان وسرعان ما تمكنوا من السيطرة على النقابة، حيث وجد النقيب التالي مهندس حسب الله الكفراوي نفسه وسط مجلس إخواني يُملي شروطه ويحدد خطوات العمل هكذا كان حال النقابات المهنية قبل أن ينتهي عقد الثمانينيات، فسيطر الإخوان على عدد من النقابات المهنية أهمها الأطباء والمهندسين، فضلاً عن التواجد المهم والفعال في عدد من النقابات المهنية الأخرى، كنقابة الصحفيين والمحامين التي سرعان ما سيطروا عليها فيما بعد أي إبان فترة التسعينيات.
وترى الدراسة أنه مع حرمانهم من تأسيس حزب سياسي حول الإخوان النقابات التي سيطروا عليها إلى ساحة لممارسة العمل السياسي بالمفهوم الحزبي، وهو ما يتحمل النظام الحاكم مسئوليته في ذلك حين فرض القيود على ممارسة العمل السياسي عبر قنواته الطبيعية في الأحزاب السياسية، إلا أن ذلك لا يبرر للإخوان تحويل النقابات المهنية إلي أقسام تابعة لجماعتهم تتلقى الأوامر والتعليمات من مكتب الإرشاد، وتحويل إصدارات تلك النقابات إلى ما يشبه المجلات التي تحوي سيرتهم الذاتية وأفكارهم اختصارًا للقول فالنقابات المهنية في تلك الفترة كان يحق أن يطلق عليها "النقابات المهنية الإخوانية".
وترى الدراسة إن ممارسات الإخوان في النقابات التي سيطروا عليها كانت من أسباب قرار الحكومة بالانتقال من سياسة التساهل معهم إلي سياسة المواجهة في بداية التسعينيات، ذلك التوقيت الذي بدأت معه الحكومة ثورتها ضد الأخوان عقب انتهاء حرب الخليج الأولى حيث بدأ النظام الحاكم في اتخاذ إجراءات من شأنها منع وصول الإخوان لمجلس الشعب والوحدات المحلية، كذلك مبادرة النظام بإصدار القانون 100 في 18 فبراير عام 1993 وقبل أسبوعين من موعد انتخابات التجديد النصفي في نقابة المهندسين، تحت عنوان "قانون ضمانات ديمقراطية النقابات المهنية"، وفي هذه الأثناء تم تمرير القانون الذي استحال معه إجراء الانتخابات في معظم النقابات المهنية التي أصبحت تُدار بواسطة لجان قضائية أسماها القانون مؤقتة وتحولت في الواقع إلى لجان دائمة بحكم استحالة اكتمال النصاب مما مكن النظام من فرض وصايته على النقابات عن طريق السيطرة على اللجان القضائية التي تعمل طبقا لأوامره.
• وترى الدراسة إن النظام الحاكم لم يكتفي بذلك، ففرضت الجماعة الحراسة على نقابة الأطباء ثم نقابتي المهندسين والمحامين عام 1995 مما يؤكد أن فرض الحراسة ليس إجراء قانوني يستهدف حماية أموال النقابات، حسب زعم الحكومة فالحراسة سرعان ما تجاوزت سلطتها في الإشراف المالي إلى الإشراف الإداري والمهني (الهيمنة الكاملة).
المسألة الرئيسية في هذا القانون أنه لا يراعي الاختلاف في طبيعة النقابات المهنية عن بعضها البعض، بل ويسلب جمعياتها العمومية حقها الطبيعي في تنظيم و إدارة شئونها وهو الأمر الذي جعل عملية الانتخابات شبه مستحيلة، خاصةً في النقابات كبيرة العدد وذلك بأن جعل النصاب المطلوب 50% ممن لهم حق الانتخاب ثم الثلث في الإعادة، وهو شرط غير مطلوب ليس فقط لانتخاب أعضاء مجلس الشعب بل ولانتخاب رئيس الجمهورية نفسه!!!!، اشترط القانون أيضًا أن تُجرىَ الانتخابات في غير أيام الجمع أو العطلات الرسمية، وأقر لأول مرة إمكانية تشكيل لجان انتخابية خارج مقار النقابات مما يتيح له إمكانيات التزوير الواسع في حالة اكتمال النصاب بعيدًا عن أعين المرشحين الذين لا يمكنهم إرسال مندوبيهم إلى الوزارات والهيئات الحكومية ناهيك عن مصانع الإنتاج الحربي أو وحدات ومستشفيات القوات المسلحة التي يتواجد بها أعداد كبيرة من المهندسين والأطباء.
وتختتم الدراسة المحور الأول بالإشارة إلى أن هذه الأحداث أدت إلى نتائج سلبية القانون من حيث الجمود والشلل الذي أصاب معظم النقابات المهنية، وحرمان ملايين المهنيين من ممارسة حقوقهم الديمقراطية من خلال قيامهم بانتخابات من يمثلهم وليس فرضه عليهم بالقوة، فمنذ إقرار القانون لم تجر انتخابات في 11 نقابة مهنية لمدد وصلت إلى 11 سنة، وترتب على ذلك أوضاع غير مرضية وأبعد ما يكون عمّا كنّا نأمل مثل وجود 3 نقابات بلا نقباء (التجاريين – التطبيقيين - البيطريين)، الأمر الذي دعانا إلى طلب أن يكون لكل نقابة قانون مستقل بها وليس هذا الطلب بغريب أو مبالغ فيه نظرًا لكون النقابات تختلف في طبيعتها عن بعضها البعض، كحل لعدم فرض الحراسة علي النقابات وفقدان المجتمع المدني لمؤسسته اليوم تلو الآخر.
وفي الجزء الثاني من الدراسة تتناول "الأقباط متحدون" تقييم دور وأداء الإخوان داخل النقابات المهنية ومدى تقييمهم لأنفسهم في الأداء النقابي من عدمه.
http://www.copts-united.com/article.php?A=17545&I=436