مناهج التربية الدينية والخلل الفادح !!

القس. رفعت فكري

بقلم : القس رفعت فكري سعيد
في الأسبوع الماضي أعلن الدكتور أحمد زكى بدر وزير التربية والتعليم، عن حزمة من الإصلاحات تنوى الوزارة تطبيقها خلال المرحلة المقبلة بهدف إصلاح التعليم، كما أشار إلى بدء وضع معايير لمنهج "التربية الأخلاقية" الذى سيتم إقراره على طلاب التعليم قبل الجامعى.

واعترف الوزير بوجود خلل فى مناهج التربية الدينية الحالية، وأن بها ما يفيد احتواءها على بعض العبارات التى تحض على التطرف والعنف، وقال بدر :" المعايير التى وضعها فضيلة المفتى واجبة التنفيذ وسيتم تطبيقها فعلياً اعتباراً من العام الدراسى 2011-2012 "، لافتاً إلى أنه سيقوم بتسليم مناهج التربية المسيحية إلى البابا شنودة الثالث لدراستها وإزالة ما تتضمنه من أخطاء.

ومما لاشك فيه أن تطوير مناهج التربية الدينية سواء كانت مسيحية أو إسلامية هو أمر على درجة كبيرة من الأهمية فلأكثر من ربع قرن كانت هناك محاولات شرسة اشتركت فيها الحكومة بباع طويل كان الهدف الظاهر منها تقوية المواد الدينية ولكن هذه المحاولات أدت إلى حشو المقررات بكثير من كتابات غير علمية بل وتتنافي مع أي مفهوم تقدمي لتعاليم الدين. وقد نجحت هذه المقررات بالفعل في تخريج جيل من المعلمين اعتبروا واجبهم الأول إغلاق عقول تلاميذهم مما ترتب عليه غلبة الفكر الارتدادي في جميع مراحل التعليم. والغريب أن التركيز على تعليم الدين لم يؤد إلى ارتفاع المستوى الأخلاقي بل بالعكس زادت ممارسة الغش في المدارس والنفاق في المجتمع كأنما أغني ترديد الشعارات الدينية عن ممارسة الفضائل الدينية. كما تفشت حالات التعصب والتطرف على نحو لم يكن معروفاً في مصر من قبل كأنما الدين الذي يدعو إلى الرحمة والتسامح يحض على العكس من ذلك.

فإذا كانت كتب التربية الدينية تؤكد على قيمة التسامح إلا أن هناك نصوصاً قد يٌفهم منها إنها تدعو إلى استخدام العنف وذلك في إطار الحديث عن المسئولية عن تغيير المنكر إذ أجاز التفسير الذي تتبناه فرق الإسلام السياسي التي تلجأ إلى استخدام القوة المسلحة في حربها ضد الدولة وذلك دون أن نجد تحديداً لنوع المنكر الذي يجوز تغييره باليد ومعنى تغيير المنكر باليد. ومن ناحية أخرى فبينما تؤكد معظم هذه الكتب على حرية العقيدة وقبول الاختلاف فيما بين العقائد الدينية تأتي فقرة في أحد الكتب لتلغي ذلك تماماً وتنادي بدين واحد فقط وهذا المفهوم يلغي تماماً حرية العقيدة وهذا يؤدي إلى نفي الآخر طالما لم يكن على نفس ديني، وهنا يضع النص المدرسي أول بذور العداء للآخر وتكفيره، لذا فمن الأفضل ذكر النصوص التي تؤكد وتحض على قبول الآخر والتعامل معه على قدم المساواة باعتباره صنعه الله تعالى من منطلق أننا جميعاً شركاء في الإنسانية .

ولكي يدعم منهج التربية الدينية المواطنة والتسامح وحقوق الإنسان لابد من أن يتم الآتي:
1-لابد من مراجعة الحشو الكثير في المناهج واختيار القراءات التي تتمشى مع حقائق العصر وتحض على التفكير والتدبر.
2-مناهج التربية الدينية لابد أن تدعو إلى قيم التسامح الفكري وحق الاختلاف في الرأي وقبول الآخر الديني المغاير.
3-كل محاولة لنبذ الآخر أوتكفيره أوالتقليل من شأنه لابد أن لا يكون لها أي تواجد بمنهج التربية الدينية.
4-منهج الدين لابد أن يرتبط بالواقع المعاش ويبتعد كلية عن الشعارات الطنانة الجوفاء.
5-لابد من التركيز على المشتركات بين جميع المصريين واحترام حق كل إنسان في خصوصيته.

وكتب التربية الدينية المسيحية تحتاج أيضاً إلى تعديل فيجب أن تركز كتب التربية الدينية المسيحية على أن للتلاميذ حقوقاً يجب أن يدافعوا عنها حيث إن هناك إشارات كثيرة في كتب التربية الدينية المسيحية إلى قصص التعذيب وصور الاضطهاد التي تعرض لها المسيحيون الأوائل على يد الرومان وإقبالهم على الاستشهاد وأنهم قبلوا الاضطهاد بفرح، نعم نقول للتلاميذ يمكن أن ينالكم جزء من القهر أو التعذيب ولكن يجب أن تقاوموا ذلك لا أن تستسلموا له، أما التنبير على عدم المقاومه مهما حفل هذا الواقع بالظلم والتركيز على تمجيد ثقافة القهر فهذا يُضعف لدى الطلاب الرغبة في تغيير الواقع.

فهذه المضامين تولد لدى التلاميذ ثقافة الخضوع والاستسلام والتاريخ المسيحي حافل بنماذج ناضلت وكافحت من أجل رد المسلوب وهناك عدد من الأمثلة في التاريخ المسيحي تدل على المقاومة لحماية الحق في الحرية بكل صورها الدينية والقومية والشخصية، فالحقوق لا تأتي منحة ولكنها تأتي من خلال نضال طويل لذا يجب أن يربى التلاميذ على ثقافة المقاومة لا الخضوع.

وختاماً .. إن ما أعلنه وزير التعليم من احتياج مناهج التربية الدينية لتطوير ليس  بالأمر السهل , والدليل على ذلك خروج خفافيش الظلام لمهاجمته واتهامه بتنفيذ مخططات أمريكية وغربية وهي تُهم جاهزة ومعلبة وليست جديدة, لذا فالرجل يحتاج لدعم التنويرين والمثقفين والليبراليين لمواجهة هذه الجحافل الظلامية , فالمعركة حامية الوطيس وهي مسألة حياة أو موت , مسألة تقدم أو تأخر , مسألة أن تكون مصر وطناً متحضراً  أو لا تكون .

يقول جون جاردنر: "في صبيحة كل يوم مدرسي يسارع 44 مليون طفل أمريكي إلى مدارسهم ومع هؤلاء الذاهبين يذهب عدة رؤساء للولايات المتحدة وعشرات القضاة والوزراء وعدد كبير من المخترعين والعلماء ومثلهم من أفضل القيادات" وبالطبع جاردنر يقصد المدرسة والمناهج التعليمية التي تسهم في صناعة قادة المستقبل. فهل يمكن لنا أن نتصور حدوث ذلك في المدارس المصرية من أجل غد أكثر إشراقاً ؟!!

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر
refaatfikry@hotmail.com