أبو العز توفيق
تحقيق: أبوالعز توفيق - خاص الاقباط متحدون
البنون هم زينة الحياة الدنيا، وهم حلم كل أسرة عند تكوينها. ولكن ما الذي يحدث عندما يتحول الأبوان عن هذا الحلم لجعل الأبناء وسيلة فقط لجمع المال، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى؟! وبغض النظر عن مستقبل أفضل كان من الممكن أن يطمحوا إليه!!
وفي إطار ملاحظتنا لظاهرة التشرد، التي ازدادت في الشوارع هذه الأيام، وجدنا أن معظم المتشردين يقعون بين التاسعة والثالثة عشرة من عمرهم، أي أولئك الذين أوشكوا على دخول المرحلة الإعدادية، أو من هم بالفعل داخلها.. فإذا تركنا هذه الملاحظة لننتقل إلى ملاحظة أخرى وهي نسبة التسرب من التعليم الإعدادي، نجد أن هذه النسبة تكون 9.10 سنويًا وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بنسبة التسرب من التعلم الإبتدائي أو الثانوي، الأمر الذي يعني أن هناك توافقًا بين نسبة التسرب من التعليم في مراحله المختلفة، وبين نسبة المتشردين وأعمارهم...
ظاهرة التسرب وارتباطها بظاهرة زواج الأطفال :
إن الزواج في سن الطفولة مشكلة كبرى تواجه أولئك المتشردين أو قل المتسربين من التعليم فالزواج سوف يتبعه الإنجاب، وهو مسئولية كبرى لا يقوى عليها من في الأطفال في هذا السن المبكر.. إذا كيف سيربي الأطفال أطفالاً مثلهم؟ !!!
إن هذه نتائج معروفة ومحسومة، يعرفها الجميع، ولكن الدولة والحكومة تقف صامتة أمام هذه المشكلة وكأنها "ودن من طين وودن من عجين" !!!
الطفلة حنان س.خ ( 14 سنة ) تحكي لـ " خبر العربية " وتقول : "أنا لا أعرف مكانًا غير الشارع، وأنام أحيانًا في الحدائق، أو في المدافن، وقد هربت من والدي، الذي يضربني كلما تواجد في البيت، لأنه كان يريد إنجاب ولد وليس بنت! وأكثر من مرة طردني من المنزل ولم أجد أمامي سوى الشارع، وهنا تعرفت على مجموعة من الأولاد والبنات.. منهم المتسول، وبائع المناديل، والنشال، وموزع المخدرات، يتراوح عمرهم ما بين الثالثة إلى العشرين عامًا، ويستطيع أي ولد أن يفعل ما يريد مع أي بنت مننا ولا تقدر أن تمنعه.. وكانت الكارثة لي عندما حملت وأنجبت هذه الطفلة من زميلنا أشرف.ع، وهذه هي النتيجة، وضعت طفلة مثلي مصيرها الشارع لأنه ليس لنا أي مأوى غيره.." وعندما سألنا حنان عن كلمة توجهها إلى الدولة أجابت : "تبنى لنا دار رعاية، نتعامل فيه على أننا بشر ولسنا حيوانات!!، ولكن كلنا نخاف من شرطة الأحداث التي لا ترحم فكل من يذهب إليها يهرب منها من كثرة الضرب والإهانة وإنى اقول لكل أب وكل أم حافظوا على أولادكم حتى لا يكون لهم مثل هذا المصير".
أطفال الشوارع وظاهرة التسول:
الطفلة نهى.أ، تلك الطفلة التي لم تنل أي قدر من التعليم وهى حاليًا تمارس التسول في مدينة الأقصر، فقد وجدتها تتسول أمام معبد الكرنك الشهير، وبسؤالها عن محل إقامتها قالت إنها من طهطا (محافظة سوهاج) وتأتي كل يوم هي ووالدتها إلى الأقصر، يطلبون الحسنة من السائحين، ومن زوار مدينة الأقصر ثم يعودان مرة أخرى إلى طهطا في نهاية اليوم.
وعندما سألتها عن رغبتها في التعليم قالت: "محدش قالي اتعلمي". سألتها لماذا لم تطلب من أهلها أن تتعلم، قالت: "أنا لا أريد أن أتعلم.. المتعلمين أخدوا إيه؟"!! وبسؤالها عن سبب تسولها قالت: ضيق الحال.." أبويا رجل مريض ولا يقدر أن يصرف علينا".
أنا شخصيًا لى تجربة مع هؤلاء الأطفال، فهناك طفل يُدعى عصام، حاولت مساعدته، كان يأتى إليَّ دائمًا في المنزل، محاولاً استعطافي بعبارات أعتقد أنه لم يكف عن التحدُّث بها، ففي البداية طلب مني طعامًا، وذكر لي أن والده متوفى، وأنه ينام على الرصيف، ولا يوجد له مسكن يأويه.. وعندما أعطيته عاد ثانيةً، وطلب مني ثمن بنطلون! فوعدته بأن أشتريه له، ولكنه قال لي "هات الفلوس وأنا أشترى على مقاسي"!! فأخذ المال ولم يشتريه، وأخذ يتمادى في الطلبات يومًا بعد يوم..
وعلى كل الأحوال، لم يقتصرالتسول على التجوُّل في الشوارع فقط، بل هناك من الأطفال من ينتقل بين عربات القطار بغرض كسب المزيد من الأموال.. وفى إحدى المرات سقط أحدهم تحت القطار وواجه نهاية مؤسفة!!!
إذا كان هذا حال أطفال اليوم، فماذا يمكن أن نتوقع للمستقبل؟!!
كانت لنا وقفة مع بعض الإخصائيين الاجتماعيين لمعرفة رأيهم في هذه المشكلة، والأسباب والدوافع التي تؤدي إليها،
تحدثنا مع الأستاذ عبد الناصر علي، وهو إخصائي اجتماعي، فقال لنا: "سبب هذه الظاهرة هو التفكك الأسري والذي يحدث نتيجة انحدار الثقافة الدينية، وانعدام الوعظ الديني، وانحدار المستويات العلمية العامة، والمستوى الاقتصادي، وصغر سن الزواج، وعدم علم كل منهما بالآخر.. ولا يمكن تجاهل الدور الفعال الذي تلعبه البيئة، فهي المحرك العام الذي يشكل أي مجتمع..
دور الجمعيات الاهلية:
ولمعرفة دور الجمعيات الأهلية في التخفيف من نتائج هذه الظاهرة، تقابلنا مع المهندس رجب الدربي، رئيس جمعية الشهيد، الذي صرَّح بأن رعاية هؤلاء الأطفال تتم من خلال ثلاثة محاور: صحية، وتعليمية، وتربوية، حيث إن بالجمعية مستوصف طبي خيري، وتقوم الجمعية أيضًا برعاية الأيتام ومساعدة الأرامل عن طريق إمدادهم بمعونة شهرية، وبمتطلبات منازلهم الأساسية، وتوفير الملابس لأطفالهم، ورعايتهم ثقافيًا من خلال مساعدتهم على مواصلة تعليمهم.
وتقابلنا أيضًا مع القس شنودة عجيب، رئيس مجلس إدارة جمعية بيت الرحمة المسيحية، الذي أوضح لنا أن الجمعية تقوم بتربية الأيتام من سن يوم حتى سن 18 سنة وذلك بالنسبة للأولاد، أما بالنسبة للبنات، فمن سن يوم حتى الزواج، وأوضح أيضًا أن الجمعية تعمل على عدة محاور، منها الجانب الصحي، والجانب التربوي، والجانب التعليمي، والجانب الديني، وأنها تقوم على رعاية الأرامل الذين لا يستطيعون الإنفاق على أولادهم لتجنيبهم أخطار التشرد والضياع.. كما تقوم الجمعية على عمل نداوات تثقيفية، ورحلات ترفيهية، في سبيل دعمهم علميًا.. واختتم القس شنودة عجيب حديثه قائلاً: "إننا، نناشد كل أب وكل أم ألا يدفعوا بأبنائهم إلى هذا الطريق،،, ونوجّه نداءً خاصًا وعاجلاً، إلى وزارة التضامن الاجتماعي، أن تضمن وجود جمعيات متخصصة لهؤلاء الأطفال، توفر لهم المأوى، والتعليم، والرعاية الصحية الجيدة، ومنح الأسر الفقيرة بعض المنح التي تساعدتهم على القيام بواجبهم نحو أبنائهم..
كما نناشد رجال الأعمال بمحاولة التخفيف من أسباب هذه الظاهرة بآليات مناسبة..
فإذا ما لم يتم ذلك، وبأسرع وقت، سوف نفاجئ بكوارث شديدة قد يصعب التنبؤ بها.. والله نسأل أن يمن علينا بالتوفيق"
http://www.copts-united.com/article.php?A=17347&I=431