محاكمة كتاب ألف ليلة وليلة

شاكر فريد حسن

بقلم: شاكر فريد حسن
هذا الأسبوع عدت لقراءة كتاب "التفكير في زمن التكفير" للمفكر المصري المعروف د.نصر حامد أبو زيد، الذي يضع فيه النقاط على الحروف فيما يتعلق برؤاه إزاء النص والخطاب الدينيين، وبقراءته المتميزة لهما، محاولاً طرح القضايا التي أثارتها أبحاثه الجامعية، والوقوف في وجه الكم الهائل من الكتابات والمطبوعات التي كفرته على تفكيره.
عدت إلى هذا الكتاب عقب المطالبة بحظر وسحب كتاب "الأيام" لعميد الأدب العربي طه حسين من المنهاج الدراسي في ثانويات مصر، والدعوى الجديدة التي رفعها عدد من المحامين المصريين أمام القضاء المصري، طالبوا فيها مصادرة ومنع كتاب "الف ليلة وليلة بتهمة " خدش الحياء العام" وحبس ناشري النسخة الجديدة منه، التي أصدرتها وزارة الثقافة المصرية. وهذه ليست المرة الأولى التي تُثار فيها الزوبعة تجاه هذا العمل القصصي والحكائي والروائي، فبين حين وآخر نسمع عن حملات وتهجمات ومطالبات بحظر الكتاب من قبل جماعات مصرية سلفية وغيبية تكفيرية متطرفة تطالب بحرقه، على شاكلة جماعة "سيوف الإسلام "التي اعتدت قبل مدة على نادي الحزب الشيوعي في أم الفحم.

وحقيقةً أن هذا الإجراء يثبت بشكل قاطع مدى البؤس والتردي الثقافي والوضع المأساوي الذي آل إليه الواقع العربي العام، والذي تتجاوز فيه الأزمة المضمار السياسي لتشمل الأدب والثقافة والفكر، وتتهدد القيم الديمقراطية والثوابت الوطنية، وهو إجراء يمس الحريات الديمقراطية في الصميم، ويضرب الكيان الثقافي والسياسي للإنسان العربي، ويلغي عقله وتفكيره.
إن محاكمة "ألف ليلة وليلة" هو استمرار مباشر لمحاولات المنع ومصادرة الكتب وحظرها وسحبها من معارض الكتب والأسواق الأدبية وأكشاك بيع الصحف والكتب، بتهمة "خدش الحياء العام" و"إفساد الأخلاق العامة"، ناهيك عن اغتيال الفكر التقدمي العلماني وإرهاب العقل النقدي التنويري، كجزء لا يتجزأ من محاولة ضرب إمكانيات التقدم والتطور والانعتاق والتفكير الحر للشعوب العربية.

وصدق وزير الثقافة المصري فاروق حسني، الذي رفض هذه الدعوة ضد الكتاب، حين قال : "ألف ليلة هي جزء من التراث الإنساني الذي لا يجب التعامل معه بشكل غرائزي".
وإزاء هذه الدعوة فان الخيار أمام المثقفين العرب هو المقاومة أوالموت، وعليه فإنهم جميعاً - في مصر والوطن العربي - مطالبون بكل حدة وكثافة وإصرار التصدي لمحاكمة "ألف ليلة وليلة" ومقاومة كل محاولات إرهاب الفكر والمجتمع. 
فمجتمعاتنا العربية ليست بحاجة للعقول المتخلفة والمتعصبة والمتحجرة، وإنما بحاجة للعقول المضيئة وللثقافة الإنسانية الحضارية الجديدة والمتنورة، ولقوى وشخصيات وأناس يقدسون ثقافة الحوار والاجتهاد والاختلاف، والتآخي والتضامن والتعاون والتسامح، والاعتراف بالآخر، وتناهض ثقافة العنف والقسوة وروح الاستبداد وعبودية الشعب، وقمع حرية التفكير، ولنعلنها في وجه كل الظلاميين ووعاظ السلاطين "لا للإرهاب الفكري".