الود المفقود بين شركاء الوطن...

منير بشاي

بقلم : منير بشاي
عنوان هذا المقال لا يعبر عن نظرة تشاؤمية من ناحيتي، ولكنه يتعرض لحالة واقعية يعرفها الجميع وإن كانوا يفضلون إنكار وجودها.
ولا أظن أن إنكار الحقيقة المرة سوف يغير من شىء. ولن يحسن من الحال دفن الرؤوس في الرمال والادعاء أن العلاقة بين مسلمي مصر ومسيحييها "تمام التمام وسمن على عسل".
فمعرفة الواقع أمر ضروري للتغيير والاعتراف بالمرض هو أول خطوات العلاج.
 وما زلت أتذكر بانزعاج شديد منظر الأم المسلمة التي كانت تبكي ابنها الذي قتل ضمن الشباب المسيحي الذي لقيَّ نحبه في نجع حمادي وهو خارج من الكنيسة ليلة عيد الميلاد.

وفي صراخها لم توجه تلك السيدة اللوم إلى القتلة على جريمتهم  التي أدت الى قتل الأبرياء من المسيحيين وأيضًا قتل ابنها المسلم، بل ولم توجه اللوم للقتلة حتى على مجرد قتلهم لابنها، ولكن الغريب أنها وجهت اللوم إلى المسيحيين الذين تسبب قتلهم في موت ابنها!! وكأن المسيحيين هم المخطئون في نظر تلك السيدة حتى وإن كانوا الضحية، أما القتلة فلا لوم عليهم لأنهم يقومون بواجبهم. 
هذا الشعور- للأسف - يعبر عن مشاعر شريحة من مسلمي مصر، تتزايد باستمرار، والذين لم يعودوا يحملون لشركائهم في الوطن مشاعر الود التقليدية التي كانت موجودة في يوم من الأيام.

ولا شك عندي أن هذه الظاهرة هي السبب الحقيقي للغبن الواقع على أقباط مصر، فلا أظن أن الحكومة المصرية تكن عداءً شخصيًا للمسيحيين أو أنها تجد لذة خاصة في حرمانهم من حقوقهم. ولكن سبب سوء معاملة الحكومة المصرية للمسيحيين ترجع إلى محاولتها إرضاء المشاعر المتعصبة التي أصبحت تطغي على الكثيرين من مسلمي مصر.
ولأن هؤلاء يكونون التيار الأقوى والأكثر عنفًا في البلاد فإن الحكومة تحاول استرضائهم على حساب الأقلية القبطية المسالمة التي لا تخشاها ولا تعمل حسابها في شيء.

هذا الرأي عبرت عنه الفنانة صابرين في لقائها مع برنامج "بدون رقابة" مساء الأربعاء السابع من أبريل ۲٠١٠ حين قالت: "الأقباط في مصر لا يأخذون كل حقوقهم لسبب الأغلبية المسلمة المتواجدة في مصر، الأمر الذي يصعب عليه (من الأقباط) التواجد في كل مكان والحصول على كل الفرص".
والأسباب التي أدت لهذه المشاعر السلبية ترجع إلى ظروف استجدت على مجتمعنا المصري وعلى رأسها ازدياد الجرعة الدينية المتطرفة الوافدة عبر الصحراء الشرقية والتي تعبر عن نفسها في خطب أئمة الجوامع ومقالات الكُتّاب الإسلاميين التي يبثها الإعلام المصري في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

وأعتقد أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر قد زادت من هذه المشاعر فالاقتصاد المصري لم يعد قادرًا على تلبية احتياجات المواطنين الذين يتزايد عددهم بإستمرار، ومن هنا ربما يشعر بعض المسلمين أن الأقباط ينازعونهم "لقمة العيش" وفرص الحياة.
ولكن من الخطأ محاولة التعميم والقول أن هذا ينطبق على جميع مسلمي مصر، ذلك أن مشاعر المسلمين تجاه الأقباط المسيحيين تختلف بين الواحد والآخر، ولابد أن نعترف أن هناك البعض من الأخوة المسلمين الذين ما يزالوا يكنون لإخوتهم المسيحيين مشاعر الود، ولكن هذا النوع من المواطنين قد أخذ ينحسر وأخشى أن يكون في طريقه إلى الانقراض إذا استمرت الأمور في نفس الاتجاه.

وبصفة عامة يمكن أن يقال أن مشاعر العدد الكبير من المسلمين تجاه المسيحيين في مصر في هذه الأيام تتراوح بين عدم الاكتراث بوجودهم وكأنهم كمية مهملة من الناس، لا قيمة لها، وبين الكراهية لهم لحد الرغبة في التخلص منهم، وبين هذين الاتجاهين هناك من يضمر للمسيحيين مشاعر الحسد فيقولون عنهم أنهم أسعد أقلية، وقد يتهمونهم بالاستحواذ على خيرات مصر لمجرد أن هناك أفرادًا من المسيحيين قد نجحوا في العمل الخاص.
وتناسى هؤلاء أن المسيحيين اضطروا الى اللجوء الى العمل الخاص بعد التضييق عليهم في العمل العام، كما أن نجاح القلة منهم لا يعني نجاح الجميع ولا يساعد في كثير أو قليل غالبية المسيحيين الذين يعانون من الفقر والحاجة. وبالإضافة إلى المشاكل التي يعاني منها كل المصريين فإن المسيحيين يعانون من مشاكلهم الخاصة  لمجرد كونهم مسيحيين.

واضح أن العلاقة بين مسلمي مصر ومسيحييها تعاني شرخًا كبيرًا قد أدى إلى تداعيات خطيرة نرى نتائجها المأساوية في المجتمع المصري في كل يوم، وأعتقد أن الاعتداءات الطائفية التي تصاعدت في هذه الأيام هي نتاج لتلك المشاعر. ففي يوم من الأيام كانت تلك الاعتداءات تتم بواسطة الجماعات الإرهابية أما الآن فنراها تتم بواسطة المواطنون العاديون من الجيران كما  في حادث الكشح ونجع حمادي وغيرها.
ولذلك إنني أدعو من تبقى من عقلاء هذا الوطن أن يواجهوا هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد مستقبل مصر قبل فوات الوقت.
وأعترف بوجود مجهودات في هذا المجال من جانب بعض المثقفين التي أتمنى أن تستمر وتتصاعد.
وأطالب الدولة بأن تستيقظ من سباتها وتكون جادة في معالجة الموقف قبل أن يغرق القارب بالجميع.

وجذور الكراهية معروفة للجميع وهي تتركز في مقررات التعليم وما يبثه الإعلام وما يلقيه الدعاة من خطب في المساجد.
أتمنى أن يعود قريبًا الود المفقود بين مسلمي مصر ومسيحييها، وأن أرى اليوم الذي يشعر فيه المسلم المصري أن المسيحي المصري هو أخوه في الوطن وأنه أقرب إليه من المسلم الماليزى.

Mounir.bishay@sbcglobal.net